عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

إثارتُه صلى الله عليه وسلم انتِباهَ السامعِ بتكرار النداء مع تأخير الجواب


وكان صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان يُكرِّرُ نداء المُخاطَب مع تأخير الجواب ، لتأكيد الانتباه والاهتمام بما يُخبِرُه به ، وليُبالِغَ تفهُّمِه وضبطِه عنه .

 

 روى البخاري ومسلم5، واللفظُ للبخاري ، عن مُعاذ بن جبل رضي الله عنه ، قال : ((بينما أنا رَديفُ النبي صلى الله عليه وسلم ، ليس بيني وبينه إلاّ آخِرةُ الرَّحْلِ6، فقال : يا مُعاذ ، قلتُ : لبَّيك يا رسول الله وسَعْدَيك7. ثم سار ساعةً ، فقال : يا مُعاذ ، قلتُ : لبَّيك يا رسول الله وسَعْدَيك.  ثم سار ساعةً ، فقال : يا مُعاذ بن جبل ، قلتُ : لبَّيك يا رسول الله وسَعْدَيك8. قال : هل تَدري ما حقُّ الله على عبادِه9، قلتُ : الله ورسوله أعلمُ ، قال : حقُّ الله على عبادِه : أن يَعبُدوه ولا يُشركوا به شيئاً . ثم سار ساعةً ، ثم قال : يا مُعاذ ، قلتُ : لبَّيك يا رسول الله وسَعْدَيك ، قال : هل تَدري ما حقُّ العباد على الله10إذا فَعَلوه11؟ قلتُ : الله ورسوله أعلم ، قال : حقُّ العبادِ على الله : أن لا يُعَذِّبَهم))12.

 

-----------------------------------

5 ـ البخاري في الجهاد (باب اسم الفَرَس والحِمار) 6 :44 ، واللباس (باب إرداف الرجلِ خَلْفَ الرجل) 10 :334 ، وفي الاستئذان (باب من أجاب بلبَّيك وسَعْديك) 11 :52 ، وفي الرِّقاق (باب من جاهدَ نفسَه في طاعة الله) 11 :290 ، وهنا شَرَحه الحافظ ابنُ حجر بتوسُّعٍ ، وفي التوحيد (باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه إلى توحيد الله تبارك وتعالى) 13 :300 .

ومسلم 1 :229 في كتاب الإيمان (باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخَل الجنة قطعاً) .

 

6 ـ الرَّحْل للبعير كالسَّرْج للفَرَس والحِمار ، وآخِرَةُ الرَّحْل : هي العود الذي يُجعَلُ خلف الرّاكِب يَستَنِدُ إليه . وفائدةُ ذكر ذلك بيانُ شدة قُربِه من الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ هو رديفُه خلفَ ظهرِه على الدّابةِ ، فهو أوعى ما يكون وأضبطُ ما يكون لما يسمَعُه منه ، فهو يَذكُرُ الهيئةَ والحالَ التي كان عليها وقت سماعه هذا الحديث ، وهذا قرينُه زيادةِ الضبط .

وكان مركوبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الحال حِماراً ، كما جاء ذلك مُصرَّحاً به في رواية مسلم 1 :232 عن عمرو بن ميمون ، عن معاذ بنِ جبل ، وفي رواية ((مسند أحمد)) 5 :238 عن عبد الرحمن بن غَنْم ، عن معاذ ، فيكون المرادُ (بآخِرَةِ الرَّحْلِ) موضعُ آخِرَةِ الرَّحل .

 

 

7 ـ معنى (لبيك) : أجبتُك إجابةً بعدَ إجابةٍ ، و(سعديك) : ساعَدتُ طاعتَك مُساعدةً بعدَ مُساعَدةٍ .

 

8 ـ هذا النداءُ المكرَّر ثلاثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم لمُعاذ ، مع تأخير جوابِ النداء ، لتأكيد الاهتمام بما يُخبِره ، وليَكْمُلَ انتباه معاذ فيما يَسمعُه ، ليتَدبَّره ويَعيَه كما ينبغي .

 

9 ـ أي ما يَستحقُّه الله تعالى على عبادِه مما جَعَله حَتْماً عليهم .

 

10 ـ قال بعضُ العلماء : يُريد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (حق العباد على الله) : حقّاً عُلِم من جهةِ الشرع ، لا بإيجابِ العقلِ ، فهو كالواجب في تحقُّقِ وقوعِهِ . أو هو على جهة المُشاكَلَةِ ، كقوله تعالى : (فيَسخَرون منهم سَخِرَ الله منهم) ، وقوله سبحانه على لسان سيدنا عيسى عليه السلام : (تعلَمُ ما في نفسي ولا أعلَمُ ما في نفسك) .

 

11 ـ أي إذا فَعَلوا العبادة له مُخلِصين له فيما دون إشراكِ أحَدٍ معه .

 

12 ـ وذلك فضلاً منه وكرماً ، بحكم وعدِه الصادقِ .  وفي الحديث من الأمور التعليمية ـ كما قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) 11 :291 ـ : ((حُسنُ أدب معاذ رضي الله عنه =

= في القولِ ، وفي العلم بردِّه لما لم يُحِطْ بحقيقتِه إلى علمِ الله ورسولِه ، وفيه قُرب منزلتِه من النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه تكرار الكلام لتأكيدِه وتفهيمه ، وفيه استِفسارُ الشيخِ تلميذَه عن الحكم ليَختَبِر ما عنده ، ويُبَيِّن ما يُشكلُ عليه منه .      




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق