إحسانه صلى الله عليه وسلم إلى خدمه ومواليه .
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي أف قط ، ولا قال لي لشيء لم فعلت كذا ، وهلا فعلت كذا )) [1]، قال النووي رحمه الله : وفي هذا الحديث بيان كمال خلقه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته وحلمه وصفحه )) [2].
وفيه احترام بشرية الإنسان بصرف النظر خادما أو ملكا )) [3].
ولا شك أن هذه المدة الطويلة كافية لمشاهدة تقلبات أمزجة المرء وتحولاته سلوكه ، ولا يستطيع الإنسان طيلتها أن يتصنع أو يتكلف خلقا ليس من طبعه ، وهذا من أكبر البراهين على تأصل الأخلاق الكريمة في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن إحسان النبي صلى الله عليه وسلم لخدمه ومواليه مخالطته لهم وعدم اعتزالهم ، خلاف ما عليه كثير ممن تحته خدم وعمالة فلا يجالسهم ولا يؤاكلهم ، قال أنس رضي الله عنه : إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير يا أبا عمير ما فعل النغير )) [4].
ومن فوائد الحديث كمال خلقه و عطفه ورأفته وتواضعه ، وأن رعاية الضعفاء ومزيد التآنس بهم والتلطف ، وإدخال السرور عليهم من مكارم الأخلاق المطلوبة المندوبة )) [5].
وهناك لفتة تربوية مهمة وهو ندائه للطفل الصغير ب : أبا عمير والنداء للطفل بكنيته يرفع معنوياته ، ويجعله أشد حبا لمعلمه ومربيه ، وكلما كانت العلاقة بين الطفل ومؤدبه حسنة كانت النتائج إيجابية وسريعة وعظيمة )) [6].
ومن مظاهر إحسانه صلى الله عليه وسلم إلى مواليه وخدمه تزويجهم ، وقد أمر الله تعالى بذلك {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }[7].
وقد سبق في ترجمة زيد بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجه من مولاته أم أيمن .
أما هو صلى الله عليه وسلم فتسرى بمارية القبطية أم ولده إبراهيم ، وكان غيرة نسائه منها شديدة ، وقد كدن لها حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتغاء مرضاتهن فنزل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [8].
ووهب أختها سيرين لحسان بن ثابت رضي الله عنه .
--------------------------------
[1]صحيح مسلم ( 4 / 1805 )
[2]شرح صحيح مسلم للنووي ( 15 / 71 )
[3]أساليب الرسول في الدعوة والتربية ص 58
[4]صحيح البخاري ( 5 / 2270 )
[5]أشرف الوسائل في فهم الشمائل 329 ، 330
[6]أطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين ص 47
[7]سورة النور الآية 32
[8]سورة التحريم الآية 1