عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

وأما الوجه الرابع في فضائل أفعاله ، فمختَبَرٌ بثمانِ خِصال :

الخَصْلة الأولى : حُسُن سيرته ، وصِحّةُ سِياستِه ، في دينٍ نقلَ به الأُمّة عن مألوف ، وصَرَفهم به عن معروفٍ إلى غير معروف8، فأذْعَنَتْ به النفوسُ طوْعاً ، وانقادَتْ له خوفاً وطَمَعاً ، وليس ذلك بالسهل اليسير ، إلاّ لمن كان مع التأييد الإلهي مُعاناً بحَزْمٍ صائب ، وعزْمٍ ثاقب .

ولئن كان مأموراً بما شرع ، فهي الحُجّةُ القاهرة ، ولئن كان مجتهداً فيه فهي الآيةُ الباهرة ، وحسبُك بما استقرَّتْ قواعدُه على الأبد ـ حتى انتقَلَ عن سَلَفٍ إلى خَلَف تزدادُ فيهم حلاوتُه ، وتشتدُّ فيهم جِدَّتُه ، ويَرَوْنه نظاماً لأعصار تتقلَّبُ صُروفُها ، ويختلف مألوفُها ـ أن يكون لمن قام به بُرهاناً ، ولمن ارتاب به بياناً .

 

 

والخَصْلة الثانية : أنه جَمَع بين رغبةِ من استمال ، ورهبةِ من استطاع ، حتى اجتمع الفريقان على نُصرتِه ، وقاموا بحقوقِ دعْوتِه ، رَغَباً في عاجل وآجل ، ورَهباً من زائلٍ ونازِل ، لاختلافِ الشِّيَم والطباع في الانقياد الذي لا يَنتظمُ بأحدهما ، ولا يَستديمُ إلاّ بهما ، فلذلك صار الدّين بهما مستقراً ، والصلاح بهما مستمراً .

 

والخَصْلة الثالثة : أنه عَدَلَ فيما شَرَعه من الدين عن الغُلوِّ والتقصير ، إلى التوسُّط ، وخيرُ الأمور أوساطُها . لأنه العَدْلُ بين طرَفَيْ سَرَفٍ وتقصير ، وليس لما جاوَزَ العدلَ حظٌّ من رشاد ، ولا نصيبٌ من سَداد .

 

والخَصْلة الرابعة : أنه لم يَمِلْ بأصحابه إلى الدنيا ، ولا إلى رَفْضِها ، وإنما أمَرهم فيها بالاعتدال ، وقال : ((خيرُكم من لم يترُكْ دُنياه لآخِرَتِه ، ولا آخِرتَه لدنياه ، ولكن خيرُكم من أخَذَ من هذه وهذه))9.

وهذا صحيح ، لأن الانقطاع إلى أحدهما اختلال ، والجمعَ بينهما اعتدال .

وقال صلى الله عليه وسلم : ((نعم المطيّةُ الدُّنيا ، فارتحلوها تُبَلِّغُكم الآخِرة))10. وإنما كانت كذلك ، لأن منها يَتزوَّدُ المرءُ لآخرتِه، ويستكثر فيها من طاعتِه ، ولأنه لا يخلو تاركُها من أن يكون محروماً مُضاعاً ، أو مرحوماً مُراعى ، وهو في الأوَّل كَلّ ، وفي الثاني مُستَذَلّ .

 

 

والخَصْلة الخامسة : تَصدّيه لمعالِم الدين ، ونوازِل الأحكام ، حتى أوضح للأُمّة ما كُلِّفوه من العبادات ، وبيّن لهم ما يَحِلُّ ويَحرُمُ من مُباحاتٍ ومحظورات ، وفصَّلَ لهم ما يجوزُ ويمتنعُ من عقود ومناكحَ ومُعاملات ، حتى احتاجَ أهلُ الكتاب في كثيرٍ من معاملاتهم ومَواريثهم لشرعِه ، ولم يَحتَجْ شرعُه إلى شَرْعِ غيره .

ثم مهَّدَ لشرعه أُصولاً تَدُلُّ على الحوادث المُغْفَلة ، وتُستنْبَطُ لها الاحكام المعلَّلة ، فأغنى عن نَصٍّ بعد ارتفاعه ، وعن التباس بعد انقطاعه11، ثم أمَرَ الشاهد أن يُبلِّغَ الغائب ليَعلضم بإنذاره ، ويحتجَّ بإظهاره ، فقال صلى الله عليه وسلم : ((بلِّغوا ولا تكْذِبوا عليّ ، فرُبَّ مُبلَّغٍ أوعى من سامع ، ورُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقَهُ منه))1. فأحكَمَ ما شَرَعَ من نصٍّ وتنْبيه2، وعمَّ الناس بما أمر من حاضرٍ وبعيد ، حتى صار لما تَحَمَّلَه من الشرع مُؤَدِّيا ، ولما تَقلَّده من حقوقِ الأُمّة مُوَفِّيا ، لئلا يكون في حقوق الله زَلَل ، ولا في مصالح الأمّة خَلَل ، وذلك في بُرهةٍ من زمانه ، لم يَستوفِ تَطاوُلُ الاستيعاب ، حتى أوجَز وأنجَز ، وما ذاك إلاّ بديعٌ مُعْجِز .

 

 

والخَصْلة السادسة : انتصابُه لجهادِ الأعداء ، وقد أحاطوا بجهاته ، وأحدقوا بجَنَباته ، وهو في قُطْرٍ مهجور ، وعَدَدٍ محقور ، فزاد به من قَلَّ ، وعزَّ به من ذَلّ ، وصار بإثخانِه في الأعداء مَحذوراً3، وبالرُّعبِ منه منصوراً ، فجمع بين التصدّي لشرع الدين حتى ظَهَر وانتشَر ، وبَيَْ الانتصاب لجهاد العدو حتى قَهَر وانتصر ، والجمعُ بينهما مُعْوِز إلاّ لمن أمَدَّه الله بمعونته ، وأيَّده بلُطفه ، والمُعْوِز مُعْجِز .

 

 

والخَصْلة السابعة : ما خُصَّ به من الشجاعة في حُروبه ، والنَّجدةِ في مُصابرةِ عَدوِّه ، فإنه لم يَشهد حَرْباً فيها أَفْزاع4، إلاّ صابَرَ حتى انجلَتْ عن ظَفَرٍ أو دِفاع ، وهو في مَوقفِه لم يَزُلْ عنه هَرَباً ، ولا انحاز منه رَغَباً ، بل ثَبَتَ بقلبٍ آمن ، وجأْشٍ ساكِن .

قد ولّى عنه أصحابُه يوم حُنَيْن ، حتى بَقِيَ بإزاءِ جَمْعٍ كثير ، وجَمٍّ غَفير ، في تِسعةٍ من أهل بيته وأصحابِه ، على بَغْلةٍ مسبوقةٍ إن طُلِبَتْ ، غير مستعدةٍ لهَرَبٍ ولا طَلَب ، وهو ينادي أصحابه ، ويُظهِرُ نفسه ، ويقول : إليَّ عِباد الله : ((أنا النبيُّ ولا كَذِب ، أنا ابنُ عبدِ المُطَّلِب)) .

فعادوا أفذاذاً وأرْسالاً5، وهَوَازِنُ تراه وتُحجِمُ عنه ، فما هاب حَرْبَ مَنْ كاثَرَه ، ولا انكفَأَ عن مُصاوَلةِ من صابَرَه ، وقد عَضَده الله بإنجادٍ وأجْناد فانحازوا وصَبَر ، حتى أَمَدَّه الله بنصره ، وما لهذه الشجاعة من عَديل .

ولقد طرَقَ المدينة فَزَعٌ ، فانطلقَ الناسُ نحو الصَّوْت ، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سَبَقهم إليه ، فتلقَّوْه عائداً ، على فَرَسٍ عُرْيٍ6، لأبي طلحة الأنصاري ، وعليه السيف ، فجعل يقول : أيها الناس لمْ تُراعوا لم تُراعوا7، ثم قال لأبي طلحة : إنّا وجدْناهُ بَحْراً8، وكان الفرس يُبطىء ، فما سبقَه فرسٌ بعد ذلك .

 وما ذاك إلاّ عن ثِقَةٍ من أنَّ الله تعالى سينصُرُه ، وأنَّ دينه سيُظهِرُه تحقيقاً لقوله تعالى : (لِيُظْهِرَهُ على الدّينِ كُلِّهِ)9، وتصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((زُوِيَتْ لي الأرضُ ، فرأيتُ مَشارقَها ومَغاربَها ، وسيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتي ما زُوِيَ لي منها))10. وكفى بهذا قياماً بحقه ، وشاهداً على صِدقِه .

 

 

والخَصْلة الثامنة : ما مُنِحَ من السَّخاء والجود ، حتى جادَ بكل موجود ، وآثَرَ بكل مطلوب ومحبوب ، ومات ودِرْعُهُ مَرهونةٌ عند يَهوديّ ، على آصُعٍ من شعيرٍ لطعامِ أهلِه11.

وقد مَلَك جزيرة َ العرب وكان فيها ملوكٌ وأقيال1، لهم خزائنُ وأموال ، يقتنونها ذُخْراً ، ويتباهون بها فخْراً ، ويستمعون بها أشَراً وبَطَراً ، وقد حاز مُلكَ جميعِهم ، فما اقتنى ديناراً ولا دِرهماً .

لا يأكلُ إلاّ الخَشِبَ2، ولا يلْبَسُ إلاّ الخَشِنَ ، ويُعطي الجَزْلَ الخطير ، ويَصِلُ الجمَّ الغفير ، ويَتجرَّعُ مَرارةَ الإقلال ، ويَصبرُ على سَغَب الاختلال3.

وقد حاز غنائمَ هوازن ، وهي من السَّبي : ستةُ آلافِ رأس ، ومن الإبل : أربعةٌ وعشرون ألفَ بعير ، ومن الغنم : أربعون ألفَ شاة ، ومن الفضة : أربعةُ آلاف أُوقيّة ، فجادَ بجميع حقِّه وعاد خِلْواً .

وروى أبو وائل ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها : قالت : ((ما تَرَك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً ولا شاةً ولا بعيراً ، ولا أوصى بشيء))4.

وروى عَمْرو بن مُرّة ، عن سُوَيد بن الحارث ، عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما يَسرُّني أنَّ لي أُحُداً ذهباً ، أُنفِقُه في سبيل الله ، أموتُ يوم أموتُ وعندي منه دينار ، إلاّ أن أُعِدَّه لغريم))5.

وكان إذا سُئل ـ العطاءَ ـ وهو مُعْدِم ، أمَرَ السائل بالشراءِ عليه ، ولم يَرُدَّه صِفراً ، روى هشام بن سعد ، عن زيد بن أسْلم ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله أن يعطيه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما عندي شيء ،ولكن ابتَعْ عليّ ، فإذا جاءني شيء قضيتُه .

فقال عمر : يا رسول الله ، قد أعطيتَه ، فما كلَّفك الله ما لا تَقْدِرُ عليه ، فكرِه صلى الله عليه وسلم قول عمر .

فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ، أنفقْ ولا تَخَفْ من ذي العرش إقْلالاً ، فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعُرِف في وجهه البِشْرُ لقول الأنصاري ، ثم قال : بهذا أُمِرتُ6.

وكان صلى الله عليه وسلم يقول : ((أنا أَولى بالمؤمنين من أَنفُسِهم ، فمن تُوفّي من المؤمنين فتَرَك دَيْناً فعليَّ قضاؤُه ، أو ضَياعاً فليأتِني وأنا مولاه7، ومن ترَك مالاً فلِوَرَثَتِه))8.

فهل مثلُ هذا الكرم والجود ، كرمٌ وجود؟ أم هل مِثل هذا الإعراضِ والزَّهادة ، إعراضٌ وزُهْد؟

هيهات أن يُدْرَكَ شَأْوُ مَنْ هذه شُذورٌ من فضائِلِه ، ويَسيرٌ من مَحاسِنِه ، التي لا يُحصى لها عَدَد ، ولا يُدرَكُ لها أمَد . لم تكْمُلْ في غيرِه فيُساويه ، ولا كَذَّبَ بها ضِدٌّ يُناويه9.

 

 

ولقد جَهَد كلُّ مُنافق ومُعانِد ، وكلُّ زِنديق ومُلْحِد ، أن يُزرِيَ عليه في قولٍ أو فعل ، أو يَظفَرَ بهفْوةٍ في جِدٍّ أو هَزْل ، فلم يَجِد إليه سبيلاً وقد جَهَد جُهدَه ، وجَمَعَ كَيْدَه!

فأيُّ فضلٍ أعظَمُ من فَضْلٍ شاهَدَه الحَسَدةُ والأعداء ، فلم يَجدوا فيه مَغْمَزاً لثالِبٍ أو قادِح ، ولا مَطعَناً لجارحٍ أو فاضح ، فهو كما قال الشاعر :

شَهِدَ الأنامُ بفضلِهِ حتى العِدا               والفَضْلُ ما شَهِدَتْ بهِ الأعداءُ

وحقيقٌ بمن بَلَغ من الفضائل غايتَها ، واستكمَلَ لغاياتِ الأمور آلتها ، أن يكون لزعامةِ العالَم مُؤهَّلاً ، وللقيام بمصالح الخلق مُوكَّلاً ، وأن يَعُمَّ به الصلاح ، ويَنْحَسِمَ به الفساد ، ولا غايَةَ بعد النُّبوّة ، فاقتضى أن يكون لها أهلاً ، وللقيام بها مؤهَّلاً .

ولذلك استقرَّتْ به حين بُعِثَ رسولاً ، ونَهَضَ بحُقوقِها حين قام بها كفيلاً ، فناسبَتْه ، ولم يَذْهَلْ لها حين أتَتْه ، وكلُّ مُتَناسِبَيْنِ مُتَشاكِلانِ ، وكلُّ مُتَشاكِلينِ مؤتلِفان ، وكلُّ مؤتلِفَينِ متفقان ، والاتفاقُ وِفاق ، وهو أصلُ كلِّ انتظام ، وقاعدةُ كلِّ التئام .

فكان ذلك من أوضح الشواهِدِ على صِحّةِ نُبوَّتِه ، وأظهرِ الأماراتِ في صِدْقِ رسالتِه ، فما يُنكِرُها بعد الوُضوح ، إلاّ مَفْضوح ، والحمد لله الذي وفَّق لطاعتِه ، وهَدى إلى التصديقِ برسالتِه)) . انتهى كلامُ الإمام الماوردي ملخصاً مع زيادة وتصرُّفٍ يسير .

 

 

----------------------------

8 ـ أي صَرَفهم عن شيء معروف عندهم مألوف بينهم ، إلى أمرٍ جديد عليهم ، غير معروفٍ لديهم ، وفي التمكن من ذلك صُعوباتٌ لا تخفى جَسامتُها .

9 ـ رواه الديلمي وابن عساكر في ((تاريخه)) عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، ولفظه قريب مما ذُكر هنا وهو : ((ليس بخيركم من تَرَك دنياه لآخرته ، ولا آخرته لدنياه ، حتى يُصيبَ منهما جميعاً ، فإن الدنيا بلاغ إلى الآخرة ، ولا تكونوا كَلاًّ على الناس)) .

10 ـ لم أجده بهذا اللفظ ، وقريبٌ منه حديثُ : ((الدنيا قنطرةُ الآخرة ، فاعبروها ولا تَعمُروها)) ، ذكره الديلمي في ((الفردوس)) 2 : 351 ولم يذكر له سنداً .

وروى الحاكم في ((المستدرك)) 4 : 312 عن طارق بن أشيَم مرفوعاً ((نِعْمَتْ الدارُ الدنيا لمن تَزَوَّد منها لآخرته حتى يُرضي ربَّه عز وجل)) . صحَّحه الحاكم إلاّ أن في سنده عبد الجبار بن وهب ، وهو لا يُعرَف .

11 ـ هذا المقطع وقع فيه تحريف لم أهتد إلى تصويبه! وجاء في الأصل : (وعن التباس بعدَ إغفالِه) فأثبته كما ترى ، لعله أقرب للصواب؟ .

والإمام الماوردي يعني : أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مَهَّدَ وأصَّلَ لهذا الشرعِ أصولاً يُرجَع إليها لمعرفة الأحكام التي لم يُنَصَّ عليها ، فأغنى بتلك الأصول المَقيسِ عليها ـ بعد ارتفاع النصّ أي الوحي وانقطاعهـ عن التخبُّط والاشتباه في معرفة الأحكام والحوادث والوقائع غيرِ المنصوص عليها . وفي هذا يُسرٌ عظيمٌ للناس .

1 ـ كأنَّ الماوردي رحمه الله تعالى جَمَع في هذا السياقِ بين أحاديثَ مختلفةٍ ، وهي كما يلي :

روى البخاري 3 : 574 في كتاب الحج (باب الخطبة أيام مِنىً) ، ومسلم 11 : 169 في كتاب القَسامة ، عن أبي بَكْرَة رضي الله عنه قال : خَطَبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ((ليُبَلِّغ الشاهِدُ الغائبَ ، فرُبَّ مبلَّغٍ أوعى من سامع)) .

وروى أبو داود 3 : 438 ، والترمذي 4 : 141 ، واللفظُ له ، وابن ماجَهْ 1 : 84 ، عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((نضَّر اللهُ مرءاً سَمع منا حديثاً فَحفِظه حتى يُبلِّغه غيرَه ، فرُبَّ حامِل فقهٍ إلى من هو أفقه منه ، ورُبَّ حامِل فقهٍ ليس بفقيهٍ)) . قال الترمذي : ((حديث حسن)) .

وروى البخاري 6 : 496 في كتاب أحاديث الأنبياء (باب ما ذُكِرَ عن بني إسرائيل) ، والترمذي 4 : 147 في العلم ، عن عبد الله بن عَمْرو رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((بلِّغوا عني ولو آيةً ، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حَرَج ، ومن كَذَب علي متعمِّداً فليتبوَّأ مقعدَه من النار)) .     

وروى البخاري أيضاً 1 : 199 ومسلم 1 : 66 عن علي رضي الله تعالى عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا تكذِبوا عليَّ ، فإنه من يكذِبْ عليَّ يَلِجْ النار)) .

2 ـ المراد بالنَّص والتنبيهِ هنا : ما اصطلح عليه علماء أصول الفقه ، وهو أن (النص) : ما جاء فيه لفظُ التعليل للحُكمِ صَراحةً ، مِثلُ قولِه تعالى : (لكيلا تأسَوْا على ما فاتكم) . وقولِهِ صلى الله عليه وسلم : ((إنَّما جُعِلَ الاستئذان من أجل البصر)) .

و(التنبيه) : الإيماء والإشارة إلى علةِ الحكم ، مِثلُ قوله تعالى : (السارقُ والسارقةُ فاقطعوا أيديهما) . فأشار بلفظ الفاء الداخلة على الحكم : (فاقطعوا) إلى أن علته هي السرقة . ومثلِ قوله صلى الله عليه وسلم : ((من بدَّل دينه فاقتلوه)) . أي تحوَّل عن الإسلام لغيره . وقوله : ((القاتل لا يرث)) . فأشار إلى أن عِلّة قتلِه رِدَّتُه عن الإسلام ، وأن علة حرمانه من الميراث هي أنه قتلَ مورِّثه .

وهذان المسلكان لبيان الأحكام ـ إلى مسالك أخر ـ يدلان على اتساع الشريعة وشمولها لبيان أحكام الوقائع والحوادث مهما تجدَّدَتْ ، وذلك بقياسِ ما لم يُنصَّ عليه منها ، على ما نُصَّ عليه ، استناداً إلى علةِ الحكم المشتركة بينهما .

3 ـ أثْخَن في العدوّ إذا بالغ في قتاله .

4 ـ الأفزاع : جمع فَزَع ، وهو الخوف والذعر .

5 ـ الأفذاذ جمع فَذّ ، وهو الفَرْد . والأرسال جمع رَسَل ، وهو الجماعة .

6 ـ أي ليس عليه سَرْج ولا شيء .

7 ـ هكذا الرواية : (لم تراعوا) ، كما في مواضع من ((صحيح البخاري)) . و(لم) بمعنى (لا) وجاء في رواية مسلم في ((صحيحه)) : (لن تُراعوا) . قال المحقق الزرقاني في ((شرح المواهب اللدنية)) 4 : 335 : ((ولن هنا بمعنى لم ، بدليل رواية البخاري (لم تراعوا) . أي ليس هناك شيء تخافونه)) .

8 ـ أي واسع الجري .

9 ـ من سورة التوبة ، الآية 33 .

10 ـ رواه مسلم 18 : 13 ، وأبو داود 4 : 138 ، وابنُ ماجه 2 : 1304 كلهم في الفِتَن ، عن ثوبان رضي الله تعالى عنه مرفوعاً ، واللفظ المذكورُ هنا أولُه لابن ماجه ، وآخره لمسلم وأبي داود .

11 ـ الآصُع : جمعُ صاعٍ ، وهو مكيالٌ تُكالُ به الحبوبُ ونحوها .=

= والحديث رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها ، ولفظه : ((توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودِرعُه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير)) . وفي رواية الإمام احمد من حديث أنس : ((فما وَجَد النبي صلى الله عليه وسلم ما يَفَتكُّها به حتى مات)) .

1 ـ الأقيال جمع قَيْل وهو الملِكُ من ملوك اليمن في الجاهلية ، دون الملك الأعظم .

2 ـ الخَشِبُ كالخَشِن لفظاً ومعنى . واخشَوشَب في مطعمه صار صُلباً خشِنا فيه .

3 ـ السَّغب : الجوع .

4 ـ رواه مسلم 11 : 89 وأبو داود 3 : 152 ، كلاهما في الوصية من طريق أبي وائل كما ذكره الماوردي . وكيف يمكن أن يوصي بشيء وهو مَدينٌ بالرهن!

5 ـ رواه من هذا الطريق الدارمي في ((سننه)) 2 : 223 ، ولفظُه : ((ما يَسرُّني أنَّ جبل أُحُدٍ لي ذهباً ، أموتُ يومَ أموتُ وعندي دينارٌ أو نصفُ دينار إلاّ لغريم)) . أي لدائنٍ استدنتُ منه لأجَل .

6 ـ رواه الترمذي في ((الشمائل)) في (باب ما جاء في خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم) ص 225 .

7 ـ الضَّياع بفتح الضاد ، مصدر ضاع يَضيعُ ضياعاً . سُمّي به : ما هو في مَعرِض أن يَضيع إن لم يُتَعهَّد ، كالذُّرية الصِّغار ، والزَّمْنى الذين لا يَقومون بأمر أنفسهم ، ومن يَدْخُل في معناهم . ويجوز فيه الضَّياع بكسر الضاد : جمع ضائع كجائع وجِياع . وهو من حيث المعنى كلفظِ الضَّياع بالفتح .

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في ((شرح صحيح مسلم)) 11 : 60 ((ومعنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أنا قائمٌ بمصالحكم في حياة أحدِكم وموْتِه ، وأنا وَليُّه في الحالَيْن ، فإن كان عليه دَينٌ قضَيْتُه من عندي إنلم يُخلِّف وفاءً ، وإن كان له مال فهو لِورَثَتِه لا آخُذُ منه شيئاً ، وإن خلَّفَ عيالاً مُحتاجين ضائعين فليأتوا إليَّ ، فعليَّ نفقتُهم ومَؤونَتُهم)) .

8 ـ رواه عن أبي هريرة رضي الله عنه البخاريُّ في مواضع 4 :390 و 8 :397 و 9 :451 و 12 :7 و 23 و 42 ، ومسلم 11 : 60 ـ 61 ، واللفظ للبخاري مجموعاً بين رواية المواضع الأول والثاني .

9 ـ أي يُعاديه . بل أقرَّ بها أعداؤه وأولياؤه جميعاً .




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق