المظهر التاسع : توفير النبي صلى الله عليه وسلم اللعب والراحة لأزواجه .
كان من أمهات المؤمنين من دخلت بيت النبوة وهي ما زالت صغيرة مهتمة باللعب ومولعة بالترويح ، حاملة إليها دماها وأفراسها المصنوعة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حاجة أهله الفطرية في اللعب والترويح ، ويشاركهن فيما يناسبه من ذلك ، ليدخل السرور عليهن ، ويسن للأزواج من أمته شريعة سمحة في فن التحبب إلى نسائهم .
ومما أثر عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب :
مسابقة عائشة رضيَ الله عنها .
عن عائشة رضيَ الله عنها قالت : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا خفيفة اللحم ، فنلنا منزلا ، فقال لأصحابه : تقدموا ، ثم قال لي : تعالي حتى أسابقك ! فسابقني فسبقته ، ثم خرجت معه في سفر آخر ، وقد حملت اللحم ، فنزلنا منزلا ، فقال لأصحابه تقدموا ، ثم قال لي : تعالي أسابقك ! فسابقني فسبقني ، فضرب بيده كتفي ، وقال : هذه بتلك )) [1]، ومن هداية الحديث تواضعه صلى الله عليه وسلم فهو أفضل الأنبياء وخاتم المرسلين ومع ذلك يتواضع للناس ليؤلف ويألف ، وخاصة في تعامله مع أزواجه ، ومنها جواز مسابقة الرجل نسائه ولو كان من ذوي الجاه والهيبة كأهل العلم والفضل ، فإن ذلك لا تعد من خوارم المروءة إذا حصل بشروطه وآدابه .
حمل عائشة رضيَ الله عنها لتشاهد لعب الأحباش في المسجد .
عن عروة بن الزبير رضي الله عنهأن عائشة رضيَ الله عنها قالت : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم ، ثم يقوم من أجلي ، حتى أكون أنا التي أنصرف ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللهو )) [2].
ومن فوائد الحديث جواز النظر إلى اللهو المباح ، وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم مع أهله ، وكرم معاشرته ، وفضل عائشة وعظيم محلها عنده )) [3].
وفي قولها رضيَ الله عنها : فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللهو )) إرشاد للأزواج إلى تفهم حاجة أمثالها إلى اللعب والترويح وعدم الغض عن ذلك لما فيه من الكبت والحرمان لهن .
إقرار عائشة رضيَ الله عنها على اللعب بالبنات ونحوها في بيته صلى الله عليه وسلم
عن عائشة رضيَ الله عنها قالت : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر ، وفي سهوتها ستر ، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب ، فقال : ما هذا يا عائشة ؟ )) قالت : بناتي ، ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع ، فقال : ما هذا الذي وسطهن ؟ )) قالت : فرس ، قال : وما هذا الذي عليه ؟ )) قالت : جناحان )) قال : فرس له جناحان ! )) قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلا له أجنحة ، قالت : فضحك حتى رأيت نواجذه )) [4].
وفي الحديث دليل على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن ، وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور ، وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور ))[5].
--------------------------------------------------------------------------------
[1]السنن الكبرى للنسائي ( 5 / 304 ) ، سنن أبي داود ( 3 / 29 )
[2]صحيح البخاري ( 1/ 173 ) ، صحيح مسلم (2 / 609 ) واللفظ له
[3]فتح الباري ( 1 / 549 )
[4]سنن أبي داود ( 4 / 283 )
[5]عون المعبود ( 13 / 191 )