المظهر العاشر : استئذان النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه في إيثار بعضهن بما هو حق للجميع .
مقتضى العدل بين النساء في القسم بينهن في المبيت أن يساوى بينهن في ذلك في حالة الشدة والرخاء والعسر واليسر والصحة والمرض ، وللزوج أن يستأذن أهله في مخالفة ذلك لعذر مقبول .
لذلك لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم المرض الذي قبض فيه وثقل جسمه وشق عليه التنقل بين حجرات أهله أستأذنهن أن يمرض في بين عائشة رضيَ الله عنها ، فأذن له ، عن عائشة رضيَ الله عنها قالت : لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه ، استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي ، فأذن له ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بين رجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس ورجل آخر... )) [1].
ومن فوائد الحديث : ذكر ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من محبة العدل بين نسائه حتى في أضيق الحالات وأصعب الظروف ، ولما شق عليهتوزيع المبيت عليهن والإقامة طلب منهن أن يمرض في بيت عائشة رضيَ الله عنها فتفهن لحاله صلى الله عليه وسلم فأذن له .
وبعجالة خاطفة أشير هنا إلى بعض ما كان عند أم المؤمنين عائشة رضيَ الله عنها من المزايا والفضائل التي رشحها لهذه الخاصية ، وبدون أن نتكلف البحث عن تلك المزايا والفضائل ، فإن من أبرزها عنايتها وحبها لرسول الله وفهمها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجب أو يميل إليه ولو لم يتكلم به ، عن عائشة رضيَ الله عنها قالت : إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري ، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته ، دخل علي عبد الرحمن وبيده السواك ، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته ينظر إليه ، وعرفت أنه يحب السواك ، فقلت : آخذه لك ، فأشار برأسه أن نعم ، فتناولته ، فاشتد عليه ، وقلت ألينه لك ؟ فأشار برأسه أن نعم ، فلينته بأمره ...)) الحديث [2].
وفي الحديث أيضا كما قال النووي : فضيلة عائشة رضيَ الله عنها ورجحانها على جميع أزواجه الموجودات ذلك الوقت ، وكن تسعا ، إحداهن عائشة رضيَ الله عنها ، ولا خلاف في هذا بين العلماء ، وإنما اختلفوا في عائشة و خديجة رضيَ الله عنهما )) [3].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] صحيح البخاري ( 1 / 83 ) ، صحيح مسلم ( 1/ 312 )
[2] صحيح البخاري ( 4 / 1616 )
[3] شرح صحيح مسلم ( 4 / 139 )
المقال السابق
المقال التالى