الدرس الرابع : حرص الصحابة على خدمة أهل البيت وأدبهم معهم .
لم يكن الصحابة رضيَ الله عنهم يفرقون بين النبي صلى الله عليه وسلم و أهله في الحب والتقدير والإجلال ، وذلك لما يعرفون من شرف أهل بيت النبوة وفضلهم ، ولذلك كانوا يحبونهم ويخدمونهم ويتعاملون معهم بأدب وتوقير ، ويعتبرون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهاتهم بعد أن أنزلهن الله تلك المنزلة ، قال تعالى : {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [1].
وكانوا يعتقدون حرمة نكاحهن من بعد رسول الله ، وخطورة إيذائهن بقول أو فعل لقوله تعالى { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً } [2].
وفي قصة الإفك صورة ناصعة من صور إجلال الصحابة رضيَ الله عنهم لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وخدمتهن وأدبهم الجم في التعامل معهن نراها في سلوك الصحابي الجليل صفوان بن المعطل مع أم المؤمنين عائشة رضيَ الله عنها لما عثر عليها .
قالت عائشة رضيَ الله عنها:وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فعرفني حين رآني ، وكان رآني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني )) استرجع لعظمة المصيبة ، أو للتعجب ، وكلاهما وارد في هذا المشهد ، فقد استرجع صفوان لتخلف أم المؤمنين عن موكب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكان ليس فيه أحد ، وليس لها حيلة لدركهم !
لم يتأخر صفوان فقد جاء براحلته لتلحقها برسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت عائشة :وهوى حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها ، فقمت إليها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش موغرين في نحر الظهيرة وهم نزول )) ، وهما طول الطريق سكوت لم يتبسطا في الحديث ، لم يسألها أين كانت ولا لماذا تأخرت ، ولا غير ذلك ، ولم تسأله مثل ذلك ، كما قالت عائشة رضيَ الله عنها : و والله ما تكلمنا بكلمة ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه )) ، ولم تر منها شيئا بعد أن ستر وجهها لما سمعت استرجاع صفوان .
وذكر الإمام النووي رحمه الله من فوائد قصة الإفك :حسن الأدب مع الأجنبيات ، لاسيما في الخلوة بهن عند الضرورة في برية أو غيرها ، كما فعل صفوان من إبراكه الجمل من غير كلام و سؤال ، وأنه ينبغي أن يمشي قدامها لا بجنبها ولا ورائها )) [3].
وليعتبر بهذا كل مسلم ملتزم بشرع الله تعالى في علاقاته مع نساء أصحابه وأقاربه ، فإن ظروف العمل والحياة العامة في زمننا قد تلجأ إلى بعض الضرورات ، وحينئذ يجب تقدير الضرورة بقدرها فلا يتوسع في المحادثات ، أو يطول في المجالس إلا لحاجة أو ضرورة ، حفظا للقلوب أن تزيغ ، وصيانة للحرمات أن تنتهك ، والشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم في العروق .
--------------------------------------------------------------------------------
[1]سورة الأحزاب الآية 6
[2]سورة الأحزاب الآية 53
[3]شرح صحيح مسلم للنووي ( 17 / 116 )
المقال السابق
المقال التالى