ومن خصائص رحمة النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ أيضاً أنها رحمة متزنة وعادلة، فهو رحيم دون ضعف، متواضع بغير ذلة، محاربٌ لا يغدر، سياسيٌّ لا يكذب، يستخدم الحيلة في الحرب ولكن لا ينقض العهود والمواثيق، آمن خصومه بصدقه وأمانته، يجمع بين التوكل والتدبير، وبين العبادة والعمل، وبين الرحمة والحرب [1] ..
وهذا وهو الحال في أخلاق محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ جميعها، فهي تعمل ضمن منظومة متناسقة متناغمة، تتشابك جميعها لتأدية أغراضها، فلا تتوسع صفة أو تقوى على حساب أخرى، ولا تعمل إحداها ضد الصفة التي تقابلها. كالقرآن والسيف في دعوة النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ ، فالقرآن – في يدي النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ - كتاب هداية لمن أراد الهدى، والسيف معه ~ صلى الله عليه و سلم ~وسيلة لردع من يعتدي عليه.
ويشير "جورج حنا" [2] إلى هذا التوازن في شخصية النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ ، فيقول:
" إنه ~ صلى الله عليه و سلم ~ لم يرض بأن يحوّل خدّه الأيسر لمن يضربه على خدّه الأيمن.. بل مشى في طريقه غير هيّاب، في يده الواحدة رسالة هداية، يهدي بها من سالموه، وفي يده الثانية سيف يحارب به من يحاربوه. لقد آمن به نفر قليل في بداية الدعوة، وكان نصيب هذا النفر مثل نصيبه من الاضطهاد والتكفير.. كان هؤلاء باكورة الديانة الإسلامية، والشعلة التي انطلقت منها رسالة محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ " [3]
ومظهرٌ آخر للتوازن، هو ثبات صفة الرحمة فيه ~ صلى الله عليه و سلم ~ ، فهر رحيم في كل أحواله وأطواره ومواقفه، فالنبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ رحيم قبل البعثة وبعد البعثة، قبل الفتح وبعد الفتح، رحيم في النصر والهزيمة، رحيم في عسره ويسره، رحيم في سفره وحضره ... الخ
------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] انظر محمد علي الخطيب: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة، 33
[2]الدكتور جورج حنا : كاتب نصراني من لبنان، وصاحب كتاب (قصة الإنسان).
[3] جورج حنا : قصة الإنسان ، ص 76 .
المقال السابق
المقال التالى