الليلية الثانية سرية حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه
رمضان في الشهر السابع من الهجرة
استقر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة ,ووضع ركائز الدولة الإسلامية ببناء المسجد ,والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ,وعقد العهود مع اليهود ,بدأ يناوش كفار قريش ويعترض قوافلهم التجارية ويضيق عليها ,كان المسلمين متعطشين للجهاد بعد أن أذن الله تعالى لهم فيه على مافعله بهم المشركين , حيث أخرجوهم من ديارهم وأخذوا أموالهم وحالوا بينهم وبين دعوة الناس للإسلام ,ومنعوا من أردا الهجرة أو الإسلام من الإتجاه إلى المدينة .وكانت أو ل سرية يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من مُهاجَرِه صلى الله عليه وسلم وكان هدفها اعتراض قافلة لقريش وفيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل .
قائد السرية هو حمزة بن عبدالملطب عم الرسول صلى الله عليه وسلم ,وكان لواؤها أول لواء يدفعه صلى الله عليه وسلم ,تسلمه حمزة رضي الله عنه من رسول الله ,وحمله أبو مرثد كنَّاز بن الحصين الغنوي ,وكان هذا اللواء أبيضاً ,وسارت السرية المؤلفة من ثلاثين رجلاً كلهم من المهاجرين ليس معهم من الأنصار أحدٌ ,واتجهت نحو الساحل وعند العيص"1"التقوا بالمشركين واصطفوا للقتال وكادت المعركة أن تبدأ لولا تدخل مجديُّ بن عمرو الجُهني وكان حليفا للفريقين فحجز بينهم ولم يقتتلوا ,عاد السلمين إلى المدينة ولم يقتتلوا ولكنهم أدخلوا الرعب في قلوب المشركين ,وأدركوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحول وأصحابه من الضعف إلى القوة ,وأنهم أصبحوا أنداداً لقريش والمشركين عامة ,وضع الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه السرية وما بعدها من غزوات نظاما عسكريا إسلاميا متكاملا حيث شرع مبدأ التضييق الاقتصادي واعتراض قوافل الأعداء ماداموا في حالة حرب مع المسلمين.
وكان دفع اللواء إلى حمزة رضي الله عنه إكراماً له حيث انطلق به في أول سرية للمسلمين ,وكان شابا كله حماس وشجاعة وحب للجهاد ونصرة الدين ,بل إن إسلامه كان إعزازاً للدين وتقوية للمسلمين حيث إنه قد رأى ماينال الرسول صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين وبخاصة أبو جهل ,فدخل المسجد مُغْضَبا وضرب رأس أبو جهل بالقوس ضربة أوضحت في رأسه ,وأسلم واعلن إسلامه فعز به رسول الله ,وأبلى بلاءً حسنا ً حتى أن أمية بن خلف سأل عنه فقال : من الرجل المُعلَّمُ في صدره بريشة نعام ؟فقالوا له :ذلك حمزة,فقال : ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل ,وصدق هذا المشرك فقد قتل حمزة منهم عدداً كبيراً .
و في غزوة أحد انطلق حمزة يقاتل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين ويقول : أنا أسد الله ويقبل ويدبر حتى عثر عثرة ووقع على ظهره وبَصُر به وحشي ,وكان يتصيده فزرقه بحربة أصابته فاستشهد رضي الله عنه .
ونتيجة لموافقه البطولية في سبيل الله فقد كانت هند بنت عتبة قد نذرت إن قدرت على حمزة لتأكلن من كبده ,لأنه قتل والدها يوم بدر ,فلما استشهد مثًلوا به وبقروا بطنه وجاءوا بحزة من كبده ,فأخذتها تمضغها فلم تستطع أن تبتلعها فلفظتها ,فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إن الله قد حرم على النار أن تذوق من لحم حمزة شيئا أبداً" .
علم الرسول عليه السلام بمقتل عمه ورآه بهذه الصورة فحزن لذلك حزنا شديدا وأقسم ليأخذن بثأره وليمثلن بسبعين مشركاً ,إلا أن الله سبحانه وتعالى نهاه عن المُثلة ,فامتثل أمر به, وقال حين رأه :
رحمة الله عليك فإنك كنت ما علمت وصولا للرحم فعولا للخيرات ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من أرواح شتى وجيء بجسد حمزة وقد مزقته السيوف وقطعته الرماح ,ولم يجد المسلمين مايكفنونه به حيث كان معه نمرةٌ إن وضعت على رأسه بدت رجلاه وإن وضعت على رجليه ظهر رأسه ,وصلى عليه الرسول ودفن بجوار أحد ,ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهراني القتلى فقال : أنا شهيد على هؤلاء ,لفُوهم في دمائهم فإنه ليس من جريح يجرح في الله إلا جاء جرحه يوم القيامة يدمي ,لونه لون الدم وريحه ريح المسك ,قدموا أكثرهم قرآنا فاجعلوه في اللحد .
ونزل في شهداء أحد قوله تعالى : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " آل عمران :169.
رضي الله عن أسد الله حمزة بن عبدالمطلب قائد أول سرية في سبيل الله في شهر رمضان بعد سبعة أشهر من هجرة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
=-=-
"1" العيص –بالكسر- مكان بين ينبع والمروة ناحية البحرالأحمر.
لتحميل الفلاش أضغط هنا