دوافع الجهاد الإسلامي
نتحدث عن عدد من المعارك والفتوح الإسلامية التي وقعت في شهر رمضان الكريم ,فما الذي يدفع المسلمين لهذه الحروب والمعارك ,وما الذي أخرجهم من جزيرتهم لتنتشر جيوشهم شرقاً وغرباً ,وشمالاً وجنوباً ,فوصلت الصين والمحيط الأطلسي وباريس وانتهت إلى خط الاستواء ؟ .
هل هو المغنم والفيء ؟ أم هو إجبار الناس على اعتناق الإسلام وقهرهم ؟
الإجابة بالأول أو الثاني ,إجابات من لايعرف الإسلام وأهله ,أو من يعاديه ويعادي أتباعه .
ولذا نجد هذه الإجابات في كتب المستشرقين وأتباعهم وتلاميذهم من أبناء المسلمين المستغربين ولاشك أنها اتهامات جوفاء ,لاكتها الألسن حتى مجتها ,واتجهت العقول السليمة ,للبحث عن إجابات مغنية تشفي وتتفق مع طبيعة الفتوح الإسلامية .
إم من البدهي أن من يبحث عن الغنيمة والسلب لايعمر ولا ينهض بالبلاد التي تتعرض لغاراته ,ولكننا في الفتوح الإسلامية نجد التعمير الحضاري بعد كل فتح ,ونجد الازدهار يعمُّ كل منطقة يطأها المسلمون ,ونجد النقلة الحضارية لأهل تلك المناطق.
لقد حررت طبقات في المجتمعات المفتوحة من رق فرضته السلطات الحاكمة عليها قبل الإسلام ,بل إن من الحكام من اعتبر شعبه كله أرقاء وعبيدا له ونص على ذلك في دستوره وقوانينه ,فجاء الإسلام ليحرر الجميع .
ولقد انتقل الإسلام بقبائل وشعوب من حياة البهائم والعري والسلب والنهب إلى الحضارة والمدنية ,وتحول أبناء تلك القبائل إلى حكام وقادة وعلماء ومصلحين ,فأين السلب والنهب من تلك الفتوح وهذه نتائجها؟ نجد كثيراً من أبناء الملل والنحل الكافرة ,يعيشون ضمن المجتمع الإسلامي في كثير من المناطق التي فتحها المسلمون ,أليس الأقباط في مصر منذ فتحت وإلى عصرنا هذا لم يجبر حد منهم على الإسلام ,بل إن اليهود عاشوا ولازال بعضهم في بلاد المسلمين في أهنأ حال . وكذلك الهنود وكثير من الفرق الأخرى .فأين الإكراه والقهر من تلك الفتوح وهذه ثمارها ؟
ولايبقى بعد هذا كله إلا الحقيقة التي تنطق بها الأحداث ,ولايأباها إلا ذو عقل سقيم أو فكر مشبوه يهدف للدس والتزوير وتزييف الحقائق لخدمة هذه الأغراض .
إنها حقيقية الجهاد الإسلامي وبواعثه وأهدافه :وهي إيصال دين الله للعالم أجمع وتبليغه لكل الناس ,وإخراجهم من عبادة العبدا إلى عبدادة الله وحده , وهذا لايتحقق إلا بإزالة العوائق التي تحول بين الناس وهذا الدين ,والمتمثلة في أولئك الطواغيت الذين يتحكمون في عباد الله ,ويمنعون دعاة الله من الوصول أليهم . كان الدعاة يسبقون الجيوش ليعرضوا الإسلام على أولئك الحكام ويخيرونهم بين الإسلام أو الجزية وإلا قاتلوهم ..
الإسلام ليس عقيدة فقط بل هو منهج ونظام وتصور عام لكل جوانب الحياة ,ولذا فلا يكفي إبلاغه للناس بوسيلة البيان فقط , بل لابد من إزالة مل العقبات من طريقه ,ليخاطب وجدان الأفراد وعقولهم دون حواجز أو موانع مصطنعة من نظام الدلوة السياسي أو أوضاع الناس الإجتماعية .
إن من حق الإسلام أن يتحرك ابتداء للجهاد ,لأتع ليس خاصا بقوم أو وطن معين , ولكنه منهج رباني ,ونظام عالمي ,ومن حقه أن بتحرك ليحطم الحواجز من الأنظمة والأوضاع التي تقيد الإنسان وحد من حريته في الاختيار .
يقول سيد قطب : "يجب ألا تخدعنا حملات المستشرقين على مبدأ الجهاد فنروح نبحث عن مبررات أدبية خارجة عن طبيعة هذا الدين في ملابسات دفاعية وقتية ".
" إن الغربيين جرت عادتهم على أن يعبروا عن كلمة الجهاد بالحرب المقدسة إذا ترجموها إلى لغاتهم ,وقد فسروها تفسيرا منكرا وتفننوا فيها ,فأصبحت كلمة الجهاد عندهم عبارة عن شراسة الطبع والخلق والهمجية وسفك الدماء ,وربوا أجيالهم على هذا المفهوم للجهاد , حتى أصبح الفرد منهم كلما قرعت أذنه كلمة الجهاد تخيل مواكبا ,من الهمج المحتشدة ,مُصْلَتَةً السيوف همُّها الفتك والنهب تنادي بأصواتها "الله أكبر " إذا رأت كافراً أخذت بتلابيبه وخيرته بين أمرين :الإسلام أو القتل ".
إنها صورة مشوهة يجب أن نزيلها ,قال الله تعالى : " فلقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه اجراً عظيما " سورة النساء :74.
وقال تعالى : " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ماقد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين ,وقاتبوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير " سورة الأنفال : 39,38 .
وقال تعالى : " قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولايحرمون ماحرم الله ورسوله ولايدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهو صاغرون " سورة التوبة :29.
---------------------
المصدر
كتاب من معارك المسلمين في رمضان
الشيخ/عبدالعزيز بن راشد العبيدي
تحميل