رحمته بالأطفال
ومن فئات المجتمع الذين يستحقون مزيداً من العطف والعناية ، والرحمة .. الأطفال ففي مواقفه صلى الله عليه وسلم مع الأطفال تتجلى لنا صورة رائعة من الرحمة بهم .
فقد كان يقبّلهم .ويشتاق لهم .ويمازحهم .ويحملهم ولو كان في الصلاة .وربما صعد على ظهره وهو ساجد .
ولا يصبر أن يرى أذىً يصيبهم ولو كان في مقام الخطبة .وإن سمع بكاء طفل في الصلاة خففها .
ويحزن لموت الأطفال . وإن كان من أبناء الكفار .فقد كان ينطلق إلى ابنه إبراهيم عند مرضعته ليقبله ثم يرجع ...
وتعجب بعض الأعراب من تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم للصبيان فقال له صلى الله عليه وسلم :
( أو ما أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة ) .
وشوقه لهم كما روى ذلك أبو هريرة قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى جاء سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى أتى خباء فاطمة فقال : أثم لكع يعني حسناً . فظننا أنه إنما تحبسه أمه لأن تغسله وتلبسه سخاباً . فلم يلبث أن جاء يسعى حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم إني احبه فأحبه وأحب من يحبه ) .
وتعددت صور ممازحته للأطفال رحمة بهم كما قال محمود بن الربيع رضي الله عنه ( عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجّـة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو )
وكان صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسن أو الحسين فيهبش نحوه الصبي فيرفع لسانه وهكذا.. ومر يوماً والحسن مع الغلمان يلعب فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذه قال : ( فطفق الصبي هاهنا مرة وهاهنا مرة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه حتى أخذه .قال. فوضع إحدى يديه تحت قفاه و الأخرى تحت ذقنه ، فوضع فاه على فيه فقبله ... ) .
وكان يحملهم ولو كان في صلاة كما صح عن حمله لأمامه بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا سجد وضعها ، وإذا قام حملها .
وربما صعد على ظهره في الصلاة فلا ينـزله حتى ينـزل هو بطواعيته كما فعل معه الحسن أو الحسين فقام على ظهره وهو ساجد ، فأطال السجود حتى رفع بعض الصحابة ليروا ما سبب
تأخره . ثم سألوا الرسول بعد انقضاء الصلاة فقال : ( ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته ) .
ولا يصير على أذى يصيب أحدهم فعن عائشة أن أسامة بن زيد عثر بأسكفة الباب أو عتبة الباب فشج في جبهته فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أميطي عنه الأذى أو نحي عنه الأذى قالت فتقذرته قالت : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص عنه الدم ويمجه عن وجهه ... )
وكان يوماً على المنبر يخطب إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنـزل صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ، ووضعهما بين يديه ثم قال صدق الله : (( إنما أموالكم وأولادكم فتنة )) فنظرت إلى هذين الصبيان يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما ) .
وإن كان في صلاة فسمع صوت بكاء طفل تجوّز فيها كما قال صلى الله عليه وسلم : ( إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه ) .
أما حزنه لموت الأطفال فعندما رفع إلى رسول الله ابن بنته ونفسه تقعقع فاضت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له سعد يا رسول الله ما هذا فقال : ( هذه رحمة يجعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) .وفي رواية ( إلا الرحماء ) والرحماء جمع رحيم وهو من صيغ المبالغة ومقتضاه أن رحمة الله تختص بمن اتصف بالرحمة وتحقق بها ... _ وفي الحديث ( الترغيب في الشفقة على خلق الله والرحمة لهم والترهيب من قساوة القلب وجمود العين ) .
وعن الوضيين أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنّا كنّا أهل جاهلية وعبادة أوثان فكنّا نقتل الأولاد ، وكانت عندي ابنة لي ، فلما أجابت وكانت مسرورة بدعائي إذ دعوتها فرديت بها في البئر ، و كان آخر عهدي بها أن تقول يا أبتاه يا أبتاه فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وكف دمع عينيه ، فقال رجل من جلساء رسول الله صلى الله عليه وسلم أحزنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ، كفّ فإنه يسأل عمّا أهمه ، ثم قال له أعد على حديثك فأعاده فبكى حتى وكف الدمع من عينيه على لحيته ثم قال له إن الله قد وضع عن الجاهلية ما عملوا فاستأنف عملك ) .