الفرق بين السيرة والتاريخ والسنة
1) تعريف التاريخ
- يقول ابن خلدون -رحمه الله تعالى-:« اعلم أن فنّ التاريخ فنٌّ عزيز المذهب جمُّ الفوائد شريف الغاية ».وهذا ليس بتعريف، إذ هو يوقفنا ممكن أن يكون هذا تعريف:« هو علم يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهم وسياساتهم حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا »
السؤال:
هل كل مؤرخ يستطيع أن يكتب ويدَوِّن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب:
لا، يقول ابن خلدون:« فهو محتاج (أي المؤرخ) إلى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة، وحسن نظر وتثبت يُفضِيان بصاحبهما إلى الحق وينكُبان به عن المزلات والمغالط، لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تُحْكَم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني... ».
إذن نستمد من كلام ابن خلدون أن السيرة جزء من التاريخ.
يقول الشيخ الطنطاوي –رحمه الله- في كتابه "من قصص التاريخ" (ص:13):« ثم إن رواية المؤرخين رواية عامية، والرواية العلمية هي رواية المحدثين، لذلك كان المرجع الأول لتاريخنا ما رواه المحدثون، وكان الجاهل بمصطلحهم وعلمهم لا يُعَدّ مؤرخا ولو كتب التاريخ، وكتب التاريخ هذه هي المواد الأولية للتاريخ، وليست هي التاريخ لأن تاريخنا لم يُكتَب ولابد من تنقيتها أولاً ثم ترتيبها ثم إدخالها المصنع لتصير حينئذ تاريخًا بيِّنًا لأمتنا ».
2) خصائص التاريخ
كل تاريخ سيرة وليس كل سيرة تاريخ.
من أعظم خصائص التاريخ الإسلامي:
1- القوة والعزة.
2- الصحة والاستقامة على مدار الزمان.
3- التجديد والأصالة في التاريخ الإسلامي.
4- ترابط الأحداث والزمان.
5- اللاحق يستفيد من السابق.
3) أهداف دراسة التاريخ الإسلامي
1- معرفة السنن الربانية: يقول الله تعالى:{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ}[آل عمران:137]، وقال تعالى:{فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}[يونس:98]، وقال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}[هود:102].
والسنن ثلاثة أنواع:
- سنن خارقة للعادة وغير مألوفة للناس: فهذه آيات وبراهين.
- سنن جارية طبيعية: الليل والنهار والشمس والقمر.
- سنن جارية شرعية: متعلقة بأمر الله ونهيه ووعده ووعيده مثل: نصر الله لأوليائه وخذلانه لمن عادى أمره وابتلاء المؤمنين والتمحيص للصف المسلم.
2- مداولة الأيام بين الناس: قال الله تعالى:{وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}[آل عمران:140].
معنى ذلك كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه:« يشفي سقيمًا، يغني فقيرًا، يرفع ويخفض سبحانه وتعالى ».وكما قال صلى الله عليه وسلم:[ يومٌ لنا ويومٌ لكم ].
3- زوال الأمم بانتشار الفساد والظلم مهما كان نوع هذه الأمة، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:« وإن الله تعالى لينصر الدولة الكافرة الفاجرة بالعدل على الدولة المسلمة الظالمة ».
4- سنة التغيير عن طريق الفعل الإنساني: يقول الله عز وجل في غزوة أحد:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ}[آل عمران:165].
فسنن التغيير سواءً في جانب الإصلاح أو في جانب الآخر عدم الإصلاح هو باليد:{إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد:11].
5- ومن ذلك نصر الله تعالى للمؤمنين: يقول الله تعالى:{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}[غافر:51].
6- ومن ذلك سنة التدافع: قال تعالى:{وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ}[البقرة:251].
7- ومن ذلك التعرف على معالم تاريخ الإنسانية: تنظر إلى الجوانب العلمية المضيئة في هذا التاريخ مثلا: تاريخ المسلمين في الأندلس.
8- معرفة أثر التوحيد في حياة البشر.
9- حاجة الأمم للمصلحين.
10- الحصانة الفكرية عن الانحراف: مثلا: الهجمة الشرسة على دعوة الإصلاح والتجديد للإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-.
11- المساعدة على فهم الحاضر والتخطيط للمستقبل.
12- الأمر التربوي: فالتاريخ يربي، قال الله تعالى:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[الأنعام:90]، وقال صلى الله عليه وسلم:[ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ].
[ وفي الختام ]
إن علاقة السيرة بالتاريخ علاقة قوية جدًّا، وأن السيرة جزء من التاريخ وجملة من خصائص التاريخ هي خصائص للسيرة النبوية، وجملة من أسباب دراسة التاريخ هي من أسباب دراسة السيرة النبوية.
نسأل الله تعالى أن يبارك فينا وأن ينفع بنا وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا.
وصلى الله وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.