عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

الشبهة

الإسلام لا يحافظ على كيان الأسرة
 
تكمن تلك الشبهة فى أن الزوج من حقه أن يطلق زوجته كما وأن الزوجة من حقها أن تطلب التطليق من زوجها وفى ذلك تشجيع على هدم بنيان الأسرة وكل ذلك يتنافى مع ما أمر به الإسلام من التماسك والتآلف.


 
الـــــرَّد علـــى الشبهــــــة
 
لا بد أن تعلم علم اليقين أنك لن تجد نظاما متكاملا للحفاظ على الأسرة وبنيانها كما هو فى الإسلام فإن فيه من الأسس الراسخة ما تعجز العقول عن وضع تخطيط مثيل له لأجل ذلك نرى أن هناك كثيرا من دول الغرب اتجه إلى اقتباس نظام الأسرة من الشريعة الإسلامية

 

أساس الزواج فى الإسلام

أسست الأسرة فى الإسلام على بنيان قوامه السكن والاستقرار والمودة والرحمة والتآلف بين الزوجين

 

قال تعالى:

"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إليها وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " ([1])

وعليه فإن الإسلام قد وضع للأسرة ما يكفل لها قيامها على التواد والتراحم بين أفرادها ولكن ما العمل حينما تزول كل هذه الأواصر من ود وحب ورحمة وألفة بين الزوجين هل من العقل أو المنطق أن نفرض عليهما البقاء تحت سقف واحد وكل منها يبغض الآخر أم أن المنطق والحكمة يدعوننا إلى التفريق بينهما طالما أن سبل العيش بينهم قد انقطعت بتلك الطريقة

 

مراحل الطلاق فى الإسلام

إياك وأن تعتقد أن الرجل يطلق زوجته وقتما شاء أو أن المرأة تطلب الطلاق من زوجها وقتما شاءت وأن الأمر متروك للأهواء والنزاعات التى غالبا ما تدعو صاحبها إلى الإضرار بنفسه عن جهل منه

لأجل ذلك فقد نظم الإسلام مراحل الطلاق وجعل الطلاق حلا بعد تجاوز تلك المراحل فعالج نشوز الزوجة وعالج نشوز الزوج بمنهج شرعى حكيم

 

قال تعالى فى شأن نشوز الزوجة:ـ

"وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فإن أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ
 سَبِيلاً " ([2])

 

وقال تعالى فى شأن نشوز الزوج:ـ

"وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أو إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ "([3])

 

قال تعالى فى شأن نشوز الزوجين

"فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا" ([4])

 

وجه الدلالة مما سبق

بينت الآيات الكريمات طرق إصلاح الخلافات الزوجية وفرقت بين عدة أحوال بحسب إذا كان النشوز والإعوجاج راجعاً إلى طرف واحد أم إلى الطرفين

علاج نشوز الزوجة

أمر الإسلام الزوج بحسن الاختيار من البداية معالجا بذلك المشكلات الزوجية قبل وقوعها لأن الزوج لو أحسن الاختيار لما وقع فى مآزق كما يحدث الآن

الدليل على وجوب حسن الاختيار

عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن قال

سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:ـ

"تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"([5])

 

 

وجه الدلالة

عدد النبى صلى الله عليه وسلم الصفات التى تنكح من أجلها المرأة وأشار إلى أن أهم تلك الصفات هو التدين والصلاح فإن كانت المرأة متدينة جميلة أو متدينة ذات حسب ونسب أو متدينة ذات مال فلا بأس المهم أن يكون التدين فوق كل صفة تتصف بها المرأة وعبر بقوله صلى الله عليه وسلم فاظفر بذات الدين تربت يداك أى التصقت يداك بالتراب كناية عن الفقر فأراد صلى الله عليه وسلم أن يخبر الباحث عن الزوجة أنه عليك بذات الدين وإلا أصبحت فقيرا

 

أسماها خير المتاع

عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:

"الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ"([6])

 

وجه الدلالة

يشير هذا الحديث النبوى الشريف إلى أن المرأة الصالحة إنما هى خير متاع لزوجها فعليه أن يبحث عن هذا المتاع وأن يسعى للوصول إليه ليعيش سعيداً فى دنياه آمنا على بيته وأبنائه

ماذا يفعل الزوج مع نشوز زوجته

معنى النشوز

النشوز هو عصيان الزوجة لأوامر زوجها وعدم الالتزام بها فيما هو واجب عليها شرعا أن تلتزم به وذلك لأنه من حق الزوجة إذا أمرها الزوج بأمر يخالف شرع الله تبارك وتعالى ألا تطيعه فى تلك الحالة ولا تأثم على ذلك

فإذا عصت الزوجة زوجها فيما يجب عليه أن تطيعه فيه فعلى الزوج اتباع الخطوات التالية

 

الخطوة الأولى الوعظ

وهنا يظهر أول تطبيق عملى لكذب تلك الشبهة إذ أن الإسلام لم يجعل الطلاق حلا إلا بعد تخطى عدد من المراحل وهذه أولها الوعظ

 

الوعظ قبل النشوز

وهذا تطبيق عملى يفيد بأن الإسلام يعالج المشكلة من قبل وقوعها يتضح هذا من قوله تعالى:

"واللاتى تخافون نشوزهن"

عبر بقوله تعالى تخافون بمعنى أنه على الزوج أن يسعى إلى الإصلاح بمجرد ظهور علامات النشوز على الزوجة فالزوجة لم تنشز ولكن بدت عليها بعض العلامات التى تشير إلى أنها قد تنشز قد تخرج على طاعة الزوجة وإلا لو كان الوعظ بعد وقوع النشوز لقال تعالى واللاتى نشزن ولكن دقة التعبير الربانى تدل على عظمة المعنى

كيفية الوعظ

على الزوج أن يتبع الآتى:ـ

1ـ التذكير

تذكير الزوجة بواجباتها الزوجية التى يجب عليها الإتيان بها شرعا

2ـ الترهيب

إعلام الزوجة بعقوبة عصيان الزوجة لأوامر زوجها وكيف وأن النبى صلى الله عليه وسلم أمرها بحسن السمع والطاعة وحبذا لو ذكر لها مثلا دليلا شرعيا على ذلك

عن حفص عن عمه أنس بن مالك قال:

كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون عليه وإن الجمل استصعب عليهم فمنعهم ظهره وإن الأنصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إنه كان لنا جمل نسني عليه وإنه استصعب علينا ومنعنا ظهره وقد عطش الزرع والنخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:

"قوموا فقاموا فدخل الحائط الجمل في ناحية فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه فقالت الأنصار يا نبي الله إنه قد صار مثل الكلب وإنا نخاف عليك صولته فقال ليس علي منه بأس فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذل ما كانت قط حتى أدخله في العمل فقال له أصحابه:

يا نبي الله هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك ونحن نعقل فنحن أحق أن نسجد لك قال لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تتبجس بالقيح والصديد ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه "([7])

 

وجه الدلالة

الشاهد فى هذا الحديث هو قوله صلى الله عليه وسلم ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر ... الخ

والمعنى أنه لا يجوز لبشر أن يسجد لأحد غير الله ولو كان جائزا لما سجدتم لى ولكان ذلك أولى بالمرأة أن تسجد لزوجها لمكانته عندها

ثم أخذ صلى الله عليه وسلم يبين المعنى أكثر وأكثر فيوضح أن الزوج لو كان به علل ومرض وأن جسمه مليء بالدمامل والصديد من قدمه إلى رأسه فاحتضنته زوجته فإنها بذلك لم توفه حقه أيضا وفى ذلك المعنى كناية على وجوب السمع والطاعة.

 

3ـ استخدام المنهج الدعوى

ذلك أن الإسلام قام على منهج دعوى بنى على قوله تعالى فى محكم كتابه العزيز

"ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" ([8])

 

وجه الدلالة

تدل تلك الآية الكريمة على أن أسلوب الدعوة إلى الله لا بد وأن يكون:

بالحكمة:أى بأسلوب فيه رقة وهدوء وعذوبة

الموعظة الحسنة:بالكلام الذى يخرج من القلب ليمس القلب

وجادلهم بالتى هى أحسن:بالابتعاد عن الهجوم وبذئ الكلام ولأجل ذلك فعلى الزوج أن يتخير الوقت المناسب والكلام المناسب الذى يدلى به النصح إلى زوجته

كذلك أوجب الشارع الحكيم على الزوج أن يعمل على تثقيف الزوجة دينيا ليعود بالنفع على أبنائها

قال تعالى:ـ

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ "([9])

 

وجه الدلالة

أن الله تبارك وتعالى أمر الزوج بأن يعمل على وقاية نفسه وزوجه وأبنائه من النار وهذا لن يتأتى إلا بدفعهم إلى تعلم وتفقه أمور الدين

بل إن الله تبارك وتعالى فى موطن آخر يأمر الزوج بأن يعلم أهل بيته الصلاة وأن يصبر عليهم فى هذا الأمر فما بالك أن الزوج قد أمر بالصبر على الزوجة فى تعلميها الصلاة التى هى من أهم العبادات فما الحال بالنسبة لما هو أدنى من ذلك

قال تعالى:ـ

"وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا"([10])

 

الخطوة الثانية الهجر فى المضجع

ومعنى ذلك أن يدير الزوج ظهره لزوجته فى الفراش إلى يناما فيه بحيث لا يكون بينهما ما يكون بين الزوجين فى فراشهما من تعانق وأحضان وجماع

ولأن المرأة لا تطيق ذلك عادة فبعضهن تنتظر ساعة النوم لتنعم به بين ذراعى زوجها وعكوف الزوج عنها فى تلك الحالة ربما كان مؤثرا فيها مشعرا لها أنها على خطأ فراجعت نفسها

 

لما الهجر فى المضجع

أمر الله تبارك وتعالى الزوج أن يهجر زوجته فى نفس المضجع الذى يناما فيه سويا فلا يترك لها مكان النوم ويذهب للنوم فى مكان آخر لأن  نومه بجوارها معتزلا إياها يكون له أثر أكبر فى نفسها لأنها تمنى نفسها بين الحين والحين فى عودة الزوج إليها وتظل قلقة فى نومها لكن إن غادر الزوج فراش الزوجة علمت الزوجة بحتمية العزلة وكان واقع هذا الأمر عندها اقل إيلاماً لها

 

الخطوة الثالثة الضرب؟

والضرب المعنى هنا ليس كما يجهل البعض فيسيء التأديب به إنما اشترط فى الضرب عدة شروط إن خرج الزوج عنها اعتبر آثما وللزوجة أن تشكوه إلى ولى الأمر حتى وإن كانت مخطئه معه لأنه يكون بتعديه قد خرج عما هو متاح من سبل تأديب الزوج لزوجته وهى كالتالى

 

الشرط الأول

ألا يكون الضرب إلا بعد استنفاد الطرق الأخرى التى سبق الحديث عنها من وعظ وإرشاد وهجر فلا يجوز للزوج أن يتعدى إلى الضرب إلا بعد أن يفشل فى إعادة الزوجة إلى صوابها

الشرط الثانى

أن يكون ضربا خفيفا ليس مبرحا فلا يكسر العظم ولا يجرح اللحم بل إن شئت فقل ضرب بلا ضرب وإن صح التعبير وهذا كناية عن الإقلال فى هذا الأمر

الشرط الثالث

أن يتجنب الأماكن التى يحصل الإيذاء فيها بضرب البدن كالوجه مثلا وما شابه ذلك حتى لا يحدث بها إيذاء أو ضرر وهذا هو الثابت من عموم الأدلة الشرعية المتعلقة بهذا الأمر

عن حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل ما حق المرأة على زوجها قال:

"تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت"([11])

 

وجه الدلالة

أمره صلى الله عليه وسلم للصحابي لما سأله عن الزوجة أجابه صلى الله عليه وسلم بأنك ... ولا تضرب الوجه والنهى المطلق كما نعلم أنه يفيد التحريم أى يحرم عليك ضرب الوجه .. الحديث

 

 

الشرط الرابع

إيقاف العقوبات كلها فى حالة رجوع الزوجة عن عصيانها لزوجها وذلك إذا رجعت الزوجة عن عصيانها فإنه يحرم على زوجها أن يمسها بأى نوع من سائر أنواع العقوبات التى سبق ذكرها

قال تعالى:ـ

"فإن أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا"([12])

 

وجه الدلالة

يحذر الله تبارك وتعالى الزوج من التمادى فى العقاب بعد دخول الزوجة فى طاعة زوجها منذراً الزوج بأن الله هو العلي الكبير وفى ذلك إعلان بأن الله تبارك وتعالى سينتقم للزوجة من زوجها فى حالة تعديه عليها بلا عصيان منها.

 

علاج نشوز الزوج

دلت الآية الكريمة بشأن هذا الصدد أن الزوجة إن رأت من زوجها إعوجاجا أو ضيقا لكبر سنها مثلا أو لمرض بها فلها أن تتفق مع الزوج على أن تظل معه كزوجة وتسقط بعضا من الحقوق التى لها على زوجها كجزء من نفقتها مثلا أو كسوتها أو ما إلى غير ذلك .

الصلح خير

عبر ربنا تبارك وتعالى بقوله "وَالصُّلْحُ خَيْرٌ"

 

دليل على أن مصالحة المرأة لزوجها فى تلك الحالة أفضل من التطليق

وليس فى ذلك ظلم بالنسبة للمرأة بل العكس هو الصحيح إذ أنها فى حال مرضها أو كبرها وعجزها عن تحقيق رغبات ومتطلبات زوجها لم يسمح للزوج أن يكون ذلك مبررا فى أن يطلقها ولكن أعطى لهما الفرصة فى أن تظل له كزوجة على أن تخفف بعضا من حقوقها الموضوعة فى عنقه.

 

علاج نشوز الطرفين

الوضع هنا قارب على الهلاك والأسرة مهددة فكلا الطرفين أصبح عاجزا عن أن يلبى احتياجات الطرف الآخر وضاقت السبل بينهما فى إقامة حياة أسرية سعيدة

هنا نرى أن الشارع الحكيم يحافظ على بنيان الأسرة لأبعد الحدود ويدعو الزوجين إلى استدعاء من ينيب عنهما فى اتخاذ القرار فى الإبقاء على الحياة الزوجية أو على أن الحياة بينهما يجب أن تتوقف عند هذا الحد فأمر ربنا تبارك وتعالى الزوجين بأن يستدعيا حكمين

 

قال تعالى:ـ

"وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا"([13])

 

وجه الدلالة

أمر ربنا تبارك ولى الأمر حينما يعلم بحدوث خلاف بين الزوجين أن يأمرهما بالذهاب إلى القاضى ليفصل بينهما وينهى الظالم منهما عن ظلمه ويدفعه إلى العودة للصواب

 

فإن عجز عن التوفيق بينهما

فإن عجز عن ذلك استدعى حكما من أهل الزوج وآخر من أهل الزوجة ليسمعا من الطرفين بهدوء وطمأنينة ولاحظ معى هذا الأمر جيدا

 

ما فائدة الاستماع لكلا الزوجين

ربما كان الأمر تافها لا يستدعى حدوث مشكلة فى الأصل وربما كانت النفوس مشحونة بالضيق أو بالمشكلات بين الزوجين فيكون حديثهما مع الحكمين بمثابة إفضاء لما فى نفسيهما من ضيق . وبعدها تعود الأمور إلى ما كانت عليه .

 

الواقع العملى أثبت ذلك

هذا ما أثبته الواقع العملى فى كثير من الأحيان يأتى الزوج والزوجة إلى السؤال عن حكم الطلاق بينهما وعن الأمور التى ستحدث بعد الطلاق والحقوق والواجبات المتبادلة بين الطرفين وبعد محاولة للإصلاح بين الطرفين والاستماع لكل منهما عما فى نفسه من جهة الطرف الآخر نجد أن الأمر لا يستدعى كل ذلك وبالتالى وبمجرد القول بأننا لا نرى أسبابا لوقوع الخلاف بينكما يقر الزوج بذلك وكذلك الزوجة ويعودان أليفين بعد أن أتيا للسؤال كخصمين

جاء أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فقالت:ـ

تصير إلي وأنفق عليك فكان إذا دخل عليها قالت:ـ

أين عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة فقال:ـ

على يسارك في النار إذا دخلت فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان فذكرت له ذلك فضحك فأرسل ابن عباس ومعاوية فقال ابن عباس:ـ

لأفرقن بينهما فقال معاوية:ـ

ما كنت لأفرق بين شخصين من بني عبد مناف فأتياهما فوجداهما قد أغلقا عليهما أبوابهما فرجعا([14])

 

صفات الحكمين

يجب أن يكون الحكمان على تقوى وصلاح وورع وأن تكون لديهما الرغبة فى الإصلاح ويكونا على درجة كبيرة من العدل والخبرة فى أمور الحياة بحيث يقر كل َحكَمٍ بخطأ من هو نائب عنه

فلا يجوز أن يكونا من السفهاء أو الذين ليست لهم خبرة فى أمور الحياة أو ليسا على درجة من الإيمان فبدلا من أن يسعيا للصلح والتوفيق وهذا هو الغرض من المجيء بهما فإنهما سيعمدان إلى التفريق وليس لأجل ذلك أُتيا بهما

الشرع يؤيد الصلح

عبر ربنا تبارك وتعالى بقوله:ـ " إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما"

فدل ذلك على أن الزوجين والحكمين إن سعيا إلى الصلح بجد واجتهاد فإن الله تبارك وتعالى سيؤلف بين قلبىٍ الزوج والزوجة وإن الغرض من التحكيم فى الأصل هو السعى للصلح وليس إلى التفريق

 

 

الطلاق بيد الرجل

جعل الله سبحانه وتعالى القوامة على البيت بيد الرجل لا بيد المرأة لأن المرأة مضطربة الرأى ضعيفة التفكير فاقدة مزية التثبت عند نزول المكروه وحدوث الغضب  تفرح وتحزن لأقل الأسباب بخلاف الرجل الذي يستطيع أن يتحمل الأعباء والمشاق ولا يؤدي عملاً من الأعمال إلا بعد فكر وترو  فكان الطلاق بيده لأنه الأقدر على المحافظة على استمرار الحياة الزوجية

ونظراً لكونه صاحب السيطرة والأمر والنهي في بيته لأنه عماده ورب العائلة وهو الذي يتحمل أعباء المعيشة الزوجية

كما أن الرجل إذا تزوج المرأة وعاشرها المعاشرة لزمه كل المهر  فإذا كان الطلاق بيد المرأة كانت الطامة الكبرى والمصبية العظمى على الرجل لأنه يدفع المهر اليوم وتطلق المرأة نفسها منه غداً من غير ترو أو تدبر

لهذا جعل الله الطلاق بيد الرجل لا بيد المرأة لأن المرأة دائماً تحكم عاطفتها ولا تحكم عقلها ولا تتأمل في
العواقب. ([15])

أما تفويض المرأة في طلاق نفسها وجعل العصمة بيدها فهو بمثابة توكيل للزوجة لتطلق نفسها متى شاءت من الزوج

وكم سمعنا عن أحداث يندى لها جبين المسلم بسبب تهاون الرجل في حقه الذي منحه له العليم الخبير فتهاون في أمر نفسه مع زوجته وسلم لها القيادة فأصبحت هي الآمرة الناهية وصاحبة العصمة وجعلت من الرجل ألعوبة تلعب بها متى شاءت وكيف شاءت .

وليس معنى تفويض المرأة في تطليق نفسها من الزوج أن الزوج لا يمكن إيقاع الطلاق على الزوجة ، بل إننا كما قلنا إن ذلك بمثابة توكيل للزوجة وليس سلباً لحق الرجل ، فله أن يوقع الطلاق كيفما شاء ووقت أن يشاء بدون الرجوع إلى الزوجة صاحبة العصمة.

 

 

لماذا جعل الله الطلاق ثلاثا

قال الله تعالى :

"الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ" ([16])

 

وجه الدلالة

أن الله سبحانه وتعالى ذكر عدد الطلقات  ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ فدل ذلك على أن هذا العدد لا يجوز مجاوزته بأي حال من الأحوال

وإذا كان القرآن الكريم قال : ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ فإن   الرسول صلى الله عليه وسلم قد سئل وأين الثالثة يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم ]أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ[ ([17])

والحكمة في جعل الطلاق ثلاثاً أن المرأة في غالب أحوالها تفعل ما لا يوافق رغبة الزوج وقد يكون محباً لها مفتوناً بجمالها لا يرغب في فراقها خاصة إذا رزق منها الولد فإذا جرى الأمر على مقتضى قولهم :

النساء عود لا يعدلهن إلا الطلاق  وكان الطلاق مرة واحدة فإن الرجل يقع في أمرين أحلاهما مر ، وهما : حاجته إليها وسوء خلقها ، فكان لطف الله بالزوج والزوجة فشرع الرخصة في تعدد الطلاق حتى يمكن أن يؤدبها أو يعدل عوج أخلاقها بتطليقها طلقة واحدة رجعية لئلا تذوق مرارة الفراق وألم الطلاق  فتثوب إلى رشدها وترجع إلى زوجها  ولما كان الطلاق وتهديد المرأة به قد يكون هو الدواء الشافي والبلسم الكافي ، ولما كانت هي أيضا صعبة المراس والطبع يغلب عليها دائماً حدد الشارع الطلاق ولم يجعله هملاً لاعتبارين:ـ

 

الاعتبار الأول :

عدم استرسال الزوج فيه واعتياده عليه لأن النطق به مؤلم موجع القلب إذ فيه الفرقة وفساد تدبير الأمور وتعب الذرية إذا كانت هناك ذرية .

 

الاعتبار الثاني:

إن تحديد عدد الطلقات رادع للزوج وزاجر له إذا وقع منه لعلمه أن الطلقة الثالثة هي التي لا مطمع بعدها إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره ثم يطلقها وتعتد منه وذلك طبعاً من غير اشتراط على الزوج الثاني بالطلاق ، وفي ذلك من الألم ما فيه ([18]) ،

وكما يقال  ليس هناك شيء أثقل على جبلة الفحولة من التناوب على الحليلة .

كما أن الطلاق ثلاثاً هو الموافق للسنة وفيه فتح للباب أمام الحياة الزوجية للعودة بعد الأولى أو الثانية

 

ليس كل طلاق يعتد به

إن التشريع الإسلامى لم يعتد بكل طلاق يتلفظ به الزوج وذلك مراعاة لحال الزوج المطلق وقت تلفظه بالطلاق فكانت هناك مسائل وصور عديدة لا يقع فيها الطلاق ولا يعتد به حتى وإن تلفظ به الزوج

طلاق الغضبان

اختلف الفقهاء فى وقوع طلاق الغضبان من عدمه على عدة مذاهب وبيان هذا فيما يلي:ـ

مذهب الحنفية:

ذهب الحنفية في حكم طلاق الغضبان أن الغضب إذا خرج الإنسان عن حالته الطبيعية  وغلب عليه القول أو الفعل وهو لا يدري فإن   طلاقه لا يقع . ([19])

مذهب المالكية:

المالكية يرون أن الغضب الشديد الذي يخرج الإنسان عن إدراكه لا يقع به الطلاق  بخلاف ما لم يخرجه الغضب من حالة الاعتدال إلى حالة الهذيان ([20])

مذهب الشافعية:

مذهبهم أن طلاق الغضبان واقع أياً كان نوع الغضب سداً للذرائع . ([21])

مذهب الحنابلة:

مذهب الحنابلة هو عدم وقوع طلاق الغضبان.([22])

سبب اختلاف الفقهاء

سبب اختلاف الفقهاء هو اختلافهم فى تأويل النصوص الشرعية الواردة فى هذا الصدد وهو حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا طلاق فى إغلاق" ([23])

 

وجه الدلالة

إن الرجل لا يعتد بطلاقه إن تلفظ به حال إغلاق عقله أى شدة غضبه وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم ]إغلاق[ أى أغلق العقل على صاحبه فلا يعى ما يقول

واختلاف الفقهاء إنما يرجع إلى أى غضب يعتد به شرعا ويعد الطلاق وقتها كأن لم يكن

الترجيح

الذي يرجح فى تلك المسألة أن طلاق الغضبان لا يعتد به شرعا ما دام لا يعى ما يقول ووصل وقت تلفظه به إلى حالة عصبية لم يصل إليها من قبل ولا يعرف ماذا يجري على لسانه من كلمات فمثل هذا لا يقع طلاقه

 

أخيرا أيها القارئ المتعقل

وبعد كل ما تقدم فإنك تلاحظ معى أن الشريعة الإسلامية حرصت على بنيان الأسرة فى أطر شرعية وأبقت على كيان الأسرة لأبعد مدى لكن إذا استحالت السبل واستحكمت الأمور وأصبح الفراق هو الحل الوحيد فليس من العدل والإنصاف أن نبقى بنيان الأسرة مرتبطا من الظاهر متقطعة أوصاله من الباطن ويجبر الزوجان على البقاء فى بيت واحد وكلاهما يبغض الآخر ولا يقبل العيش معه

ناهيك عن الانحرافات التى قد تحدث بسبب هذا الأمر وأقصد الانحرافات الجنسية من الطرفين

ناهيك عن أن بعض المجتمعات الغربية بدءوا منذ فترات طويلة فى المناداة بوقوع الطلاق فى زواجهم نظرا لما عانته الأسرة الغربية من تفكك وانحلال سلوكى وأخلاقى بسبب عدم وجود نظام كهذا


 
--------------------------------------------------------------------------------
 
([1]) سورة الروم : آية 21

([2]) سورة النساء : 34

[3]ـ سورة النساء:128

[4]ـ النساء:35

[5] ـ صحيح البخارى جـ 5 صـ 1958 حديث رقم 4802 وهذا سنده حدثنا مُسَدَّدٌ حدثنا يحيى عن عُبَيْدِ اللَّهِ قال حدثني سَعِيدُ بن أبي سَعِيدٍ عن أبيه ...

[6] ـ صحيح مسلم جـ 2 صـ 1090 حديث رقم 1467 وهذا سنده حدثني محمد بن عبد اللَّهِ بن نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ حدثنا عبد اللَّهِ بن يَزِيدَ حدثنا حَيْوَةُ أخبرني شُرَحْبِيلُ بن شَرِيكٍ أَنَّهُ سمع أَبَا عبد الرحمن الْحُبُلِيَّ يحدث

[7] ـ الأحاديث المختارة جـ 5 صـ 266

[8] ـ سورة النحل آية 125

[9] ـ من الآية 6 من سورة التحريم

[10] ـ من الآية 132 من سورة طه

[11] ـ سنن النسائي الكبرى جـ 5 صـ 373 حديث رقم 9171 وهذا سنده أخبرنا عبدة بن عبد الله قال أنا يزيد قال أنا شعبة عن أبي قزعة

[12] ـ من الآية 34 سورة النساء

[13] ـ سورة النساء آية 34

[14] ـ تفسير ابن كثير جـ 1 صـ 493 وما بعدها

([15]) فلسفة التشريع الإسلامي للشيخ على أحمد الجرجاوي 2/56

([16]) سورة البقرة : آية 229

[17] ـ أخرجه أبو داوود والدار قطنى وانظر خلاصة البدر المنير جـ 2 صـ 219

([18]) فلسفة التشريع الإسلامي للشيخ على أحمد الجرجاوي 2/58

([19]) حاشية ابن عابدين 3/244

([20]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/366

[21] ـ  تحفة المحتاج 8/32

[22] ـ  إعلام الموقعين 3/53

[23] ـ تهذيب التهذيب جـ 7 صـ 63 وذكر بن ماجة عبيد بن أبي صالح عن صفية بنت شيبة عن عائشة بحديث لا طلاق في إغلاق وعنه ثور بن يزيد الحمصي هكذا وقع عند بن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير عن أبي إسحاق عن ثور ورواه أبو يعلى الموصلي عن أبي بكر بن أبي شيبة بسنده فقال عن عبيدة بن سفيان بدل عبيد بن أبي صالح ووقع عن أبي داود من حديث إبراهيم بن سعد عن بن إسحاق عن ثور عن محمد بن عبيد بن أبي صالح عن صفية وهذا هو الصواب وكذا ذكره بن أبي حاتم وغيره
 




                      المقال السابق




Bookmark and Share


أضف تعليق