عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

تحت قسم المرونة والتجديد
تاريخ الاضافة 2007-11-29 09:29:35
المشاهدات 2440
أرسل الى صديق اطبع حمل المقال بصيغة وورد ساهم فى دعم الموقع Bookmark and Share

   

هذا وصيانة الثابت في الشرع والحفاظ عليه واجب من الواحبات، تماماً كما التجديد والاجتهاد في المرن مأمور به ! وسوف نتناول  الثابت وحفظه ، و المرن و تجديده ؛ من خلال ثلة من الأمثلة المتنوعة من سنة النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~:

أولاً:  يتمثل الثبات في رفضه ~ صلى الله عليه و سلم ~ التهاون أو التنازل في كل ما يتصل بتبليغ الوحي أو يتعلق بكليات الدين، و قيمه، وأسسه العقائدية والأخلاقية .. ومهما حاول المحاولون أن يُثنوا عنانه عن شيء من ذلك بالمساومات أو التهديدات، أو غير ذلك من أنواع التأثير على النفس البشرية ، فموقفه هو الرفض الحاسم ، الذي علمه إياه القرآن في مواقف شتى .. فحين عرض عليه المشركون أن يلتقوا في منتصف الطريق ، فيقبل شيئاً من عبادتهم ويقبلوا شيئاً من عبادته ؛ أن يعبد آلهتهم مدة ، و يعبدوا إلهه مدة ! كان الجواب الحاسم ؛ من رسول الله ~ صلى الله عليه و سلم ~ يحمله الوحي الصادق ، في سورة قطعت كل المساومات و حسمت كل المفاوضات، و هي قوله تعالى : ]قُلْ يَأَيّهَا الْكَافِرُونَ (1) لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ(3) وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مّا عَبَدتّمْ (4) وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ(5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ[[ سورة الكافرون] .

و هكذا تعلم ~ صلى الله عليه و سلم ~ من وحي الله : أن لا تنازل و لا تساهل في أمور العقيدة و ما يتصل بها. وفي مقابل ذلك ؛ نجد مرونة واسعة في مواقف السياسة والتخطيط و مواجهة الأعداء ؛ بما يتطلبه الموقف المعين ، من حركة ووعي و تقدير لكل الجوانب والملابسات ، دون تزمت أو جمود.. نجده في معركة الأحزاب( شوال 5 هـ\  مارس627م) ..  مثلاً يأخذ برأي "سلمان الفارسي "  في حفر الخندق حول المدينة ، و يشاور بعض رؤساء الأنصار في إمكان إعطاء غطفان جزءاً من ثمار المدينة ، ليردهم و يفرقهم عن حلفائهم ، كسباً للوقت إلى أن يتغير الموقف .. و يقول لـ "نعيم بن مسعود الأشجعي" – وقد أسلم و أراد الانضمام إلى المسلمين - : " إنما أنت رجل واحد ، فخذل عنا ما استطعت" [1] .. فيقوم الرجل بدور له شأنه في التفريق بين تحالف القبائل المحاربة للدولة الإسلامية ..وفي يوم الحديبية (في ذي القعدة 6هـ  مارس628 م)  تتجلى المرونة النبوية بأروع صورها ..تتجلى في قوله في ذلك اليوم : " و الله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها" [2] . و في قبوله ~ صلى الله عليه و سلم ~ أن يكتب في عقد الصلح : " باسمك اللهم " بدل : " بسم الله الرحمن الرحيم " [3] .. وهي تسمية رفضتها قريش ..! و في قبوله من الشروط ما في ظاهره إجحاف بالمسلمين ، و إن كان عاقبته الخير .. كل الخير ..

و السر في هذه المرونة هنا ، و التشدد في المواقف السابقة:أن المواقف الأولى تتعلق بالتنازل عن العقيدة و المبدأ ، فلم يقبل فيها أي مساومة أو تساهل ، و لم يتنازل قيد أنملة عن دعوته .. أما المواقف الأخيرة فتتعلق بأمور جزئية ، و بسياسات وقتية ، أو بمظاهر شكلية ، فوقف فيها موقف المتساهل [4] ..

  

هكذا يتجلى الهدي النبوي في ضرورة التمسك بالثوابت الإيمانية العقدية ، وضرورة التجديد والاجتهاد في طرائق السياسة وخطط الإصلاح .

ثانيًا:  يتمثل الحفاظ على الثابت في رفضه ~ صلى الله عليه و سلم ~ كل دروب الابتداع فيما يتعلق بالعبادات، والمناسك، و صور التقرب إلى الله تعالى، لأن الأصل في العبادات الحظر والتوقيف ، فلا يُعبد الله إلا بما شرعه و أذن به، لا بما تستحسنه العقول، وتستسيغه الأهواء ، فهذا هو باب الغلو وأصل التحريف و التزييف في الدين .. و لا غرو أن أغلق الرسول ~ صلى الله عليه و سلم ~ هذا الباب بإحكام و إصرار بمثل قوله :

" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد " [5  .

"... وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " [6] .

 و تتمثل المرونة في تشجيع الابتكار والاختراع في أمور الدنيا – المعينة على الدين – مثل أدوات  الحرب التي تدخل في قوله تعالى:

 ]وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ[ [الأنفال : 60 ]   و مثل سائر الصناعات الحربية و المدنية المختلفة ؛ التي تشير إليها الآية الكريمة : ‏]‏ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ َ  [ [الحديد: 25] . و لهذا رأيناه ~ صلى الله عليه و سلم ~   يحفر الخندق حول المدينة في معركة الأحزاب، ويستخدم المنجنيق في معركة الطائف، و يحث على الإنتاج الحربي  حتى يجعل صانع السهم كالمجاهد الرامي في استحقاق المثوبة عند الله ، و يحذر الأمة أن تكتفي بالزرع وتتبع أذناب البقر [7] . .

 ولعل حديث النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ الذي يقول فيه :

 ".. أنتم أعلم بأمر دنياكم " [8] .

 يفتح الباب في هذا المجال ، للاجتهاد والتجديد .

وبهذا تتجلى صفة المرونة في التشريع والمشرع، كمظهر من مظاهر الرحمة في التشريع.

 

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------

 

[1] تاريخ ابن خلدون 2\440 ، والفصول في السيرة 1\163، ومختصر سيرة الرسول 1\131.

[2] صحيح ـ البخاري (2\974 ) و أبو داود ( 2\93) و أحمد (4\323)، وابن حبان ( 16\211)

[3] ابن كثير : البداية و النهاية 4\175،وابن جرير : تاريخ الطبري 2\122 ، و مختصر سيرة الرسول

[4] انظر:  يوسف القرضاوي : الخصائص العامة  للإسلام ، ص ص 209 – 212 .

[5] صحيح ـ عن عائشة : رواه البخاري (2\ 959)، ومسلم (3\ 1343).

[6] صحيح ـ من حديث العرباض بن سارية : رواه أبو داود (2\ 610)، والترمذي (5\ 44)، وأحمد(4\ 126)، والدارمي في سننه(1\ 57)، والحاكم في المستدرك (1\ 174)، وصححه الألباني في الجامع الصغير(432)، والمشكاة (2\ 36) والصحيحة(6\ 238) وصحيح الترغيب (1\10).

[7] انظر : يوسف القرضاوي : الخصائص العامة  للإسلام  ص216 ، 217 

[8] صحيح ـ من حديث أنس : رواه مسلم (4\ 1836).




                      المقال السابق




Bookmark and Share


أضف تعليق