من مظاهر الرحمة في شخصية النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~في ميدان التشريع، أن أحكامه الشرعية تتسم بالمرونة، وقابلية تشريعاته للتجديد [1]، والتمشي مع مقتضيات العصر والحاجات والمسائل المستجدة، رحمة بالناس ..
فتعاليم نبينا محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ بسيطة وسهلة ومرنة .. وهي تتسم بالتطور الخصب [2] كما يقول توماس آرنولد، "وإن بساطة هذه التعاليم ووضوحها لهي على وجه التحقيق؛ من أظهر القوى الفعالة في الدين وفي نشاط الدعوة إلى الإسلام.." [3] ..
ويقول الدكتور "إيزيكو انسابا توحين" أحد علماء القانون:
" إن الإسلام يتمشى مع مقتضيات الحاجات الظاهرة فهو يستطيع أن يتطور دون أن يتضاءل خلال القرون ، ويبقى محتفظاً بكل ما لديه من قوة الحياة والمرونة . فهو الذي أعطا العالم أرسخ الشرائع ثباتاً، وشريعته تفوق كثيرًا الشرائع الأوربية" [4] .
فالتشريع الإسلامي بعيد عن الجمود رغم تخرصات الكثير من الحاقدين..وتحمل ذاتيته قوة التجدد لما يمتلكه من مرونة في استيعاب التحولات الاجتماعية ، فقد ثبتت مكانته العالية ورفعة شأنه .
ومن هنا ظهر الإسلام في مرحلتنا المعاصرة كشريعة عالمية إنسانية، وكحل أمثل من الحلول المشتركة التي تطرحها فكرة مستقبل الإنسان والمجتمع ..
ويقول "دافيد دي سانتيلانا" :
"لما كان الشرع الإسلامي يستهدف منفعة المجموع، فهو بجوهره شريعة تطورية غير جامدة خلافًا لشريعاتنا [5] من بعض الوجوه. ثم إنها علم ما دامت تعتمد على المنطق الجدلي.. وتستند إلى اللغة.. إنها ليست جامدة، ولا تستند إلى مجرد العرف والعادة، ومدارسها الفقهية العظيمة تتفق كلها على هذا الرأي. فيقول أتباع المذهب الحنفي أن القاعدة القانونية ليست بالشيء الجامد الذي لا يقبل التغيير. إنها لا تشبه قواعد النحو والمنطق. ففيها يتمثل كل ما يحدث في المجتمع بصورة عامة.." [6]
------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] للباحث : دراسة تحت عنوان : التجديد والمجددون في الإسلام ( تحت الطبع )
[2] la propagande chretienne et ses adversaires musulmans, pp. 17-18
[3] المصدر السابق
[4] انظر: عبد المجيد بن عزيز الزنداني وآخرون: شرح كتاب الإيمان، 222
[5] يقصد الشريعة الوضعية .
[6] انظر: سير توماس أرنولد (إشراف) : تراث الإسلام ، ص 433 – 434
المقال التالى