فصل في حكمه بالولد للفراش وأن الأمة تكون فراشا وفيمن استلحق بعد موت أبيه
ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن في غلام فقال سعد هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه انظر إلى شبهه وقال عبد بن زمعة هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي من فنظر رسول الله فرأى شبها بينا بعتبة فقال هو لك يا عبد بن زمعة الولد وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة فلم تره سودة قط فهذا الحكم النبوي أصل في ثبوت النسب بالفراش وفي أن الأمة تكون فراشا بالوطء وفي الشبه إذا عارض الفراش قدم عليه الفراش وفي أن أحكام النسب تتبعض فتثبت من وجه دون وهو الذي يسميه بعض الفقهاء حكما بين حكمين وفي أن القافة حق وأنها من الشرع فأما ثبوت النسب بالفراش فأجمعت عليه الأمة وجهات ثبوت النسب أربعة الفراش والبينة والقافة فالثلاثة الأول متفق عليها واتفق المسلمون على أن يثبت به الفراش واختلفوا في التسري فجعله جمهور الأمة موجبا للفراش واحتجوا بحديث عائشة الصحيح وأن النبي قضى بالولد لزمعة وصرح بأنه صاحب الفراش وجعل ذلك للحكم بالولد له فسبب الحكم ومحله إنما كان في الأمة فلا يجوز إخلاء الحديث وحمله على الحرة التي لم تذكر ألبتة وإنما كان الحكم في غيرها فإن هذا يستلزم ما اعتبره الشارع وعلق الحكم به صريحا وتعطيل محل الحكم الذي كان لأجله وفيه ثم لو لم يرد الحديث الصحيح فيه لكان هو مقتضى الميزان الذي أنزله الله تعالى الناس بالقسط وهو التسوية بين المتماثلين فإن السرية فراش حسا وحقيقة وحكما أن الحرة كذلك وهي تراد لما تراد له الزوجة من الإستمتاع والإستيلاد ولم يزل قديما وحديثا يرغبون في السراري لاستيلادهن واستفراشهن والزوجة إنما سميت لمعنى هي والسرية فيه على حد سواء
وقال أبو حنيفة لا تكون الأمة فراشا بأول ولد ولدته من السيد فلا يلحقه الولد إلا إذا فيلحقه حينئذ بالإستلحاق لا بالفراش فما ولدت بعد ذلك لحقه إلا أن ينفيه ولد الأمة لا يلحق السيد بالفراش إلا أن يتقدمه ولد مستلحق ومعلوم أن النبي ألحق الولد بزمعة وأثبت نسبه منه ولم يثبت قط أن هذه الأمة ولدت له قبل ذلك غيره سأل النبي عن ذلك ولا استفصل فيه قال منازعوهم ليس لهذا التفصيل أصل في كتاب ولا سنة ولا أثر عن صاحب ولا تقتضيه الشرع وأصوله قالت الحنفية ونحن لا ننكر كون الأمة فراشا في الجملة ولكنه ضعيف وهي فيه دون الحرة فاعتبرنا ما تعتق به بأن تلد منه ولدا فيستلحقه فما ذلك لحق به إلا أن ينفيه وأما الولد الأول فلا يلحقه إلا بالإستلحاق ولهذا إنه إذا استلحق ولدا من أمته لم يلحقه ما بعده إلا باستلحاق مستأنف بخلاف والفرق بينهما أن عقد النكاح إنما يراد للوطء والإستفراش بخلاف ملك اليمين الوطء والإستفراش فيه تابع ولهذا يجوز وروده على من يحرم عليه وطؤها بخلاف عقد قالوا والحديث لا حجة لكم فيه لأن وطء زمعة لم يثبت وإنما ألحقه النبي أخا لأنه استلحقه فألحقه باستلحاقه لا بفراش الأب قال الجمهور إذا كانت الأمة موطوءة فهي فراش حقيقة وحكما واعتبار ولادتها السابقة صيرورتها فراشا اعتبار ما لا دليل على اعتباره شرعا والنبي لم يعتبره في فراش فاعتباره تحكم وقولكم إن الأمة لا تراد للوطء فالكلام في الأمة الموطوءة التي اتخذت سرية وفراشا كالزوجة أو أحظى منها لا في أمته التي هي أخته من الرضاع ونحوها وقولكم إن وطء زمعة لم يثبت حتى يلحق به الولد ليس علينا جوابه بل جوابه على من بلحوق الولد بزمعة وقال لابنه هو أخوك وقولكم إنما ألحقه بالأخ لأنه استلحقه باطل فإن المستلحق إن لم يقر به جميع لم يلحق بالمقر إلا أن يشهد منهم اثنان أنه ولد على فراش الميت وعبد لم يكن له جميع الورثة فإن سودة زوجة النبي أخته وهي لم تقر به ولم تستلحقه وحتى لو به مع أخيها عبد لكان ثبوت النسب بالفراش لا بالإستلحاق فإن النبي صرح عقيب بإلحاق النسب بأن الولد للفراش معللا بذلك منبها على قضية عامة تتناول هذه الواقعة وغيرها
ثم جواب هذا الإعتراض الباطل المحرم أن ثبوت الأمة فراشا بالإقرار من الواطيء أو وارثه كاف في لحوق النسب فإن النبي به بقوله ابن وليدة أبي ولد على فراشه كيف وزمعة كان صهر النبي وابنته فكيف لا يثبت عنده الفراش الذي يلحق به النسب وأما ما نقضتم به علينا أنه إذا استلحق ولدا من أمته لم يلحقه ما بعده إلا بإقرار فهذا فيه قولان لأصحاب أحمد هذا أحدهما والثاني أنه يلحقه وإن لم يستأنف ومن رجح القول الأول قال قد يستبرئها السيد بعد الولادة فيزول حكم الفراش فلا يلحقه ما بعد الأول إلا باعتراف مستأنف أنه وطئها كالحال في أول ومن رجح الثاني قال قد يثبت كونها فراشا أولا والأصل بقاء الفراش حتى يثبت ما إذ ليس هذا نظير قولكم إنه لا يلحقه الولد مع اعترافه بوطئها حتى يستلحقه من هذا الإعتراض قول بعضهم إنه لم يلحقه به أخا وإنما جعله له عبدا ولهذا فيه بلام التمليك فقال هو لك أي مملوك لك وقوى هذا الإعتراض بأن في بعض ألفاظ هو لك عبد وبأنه أمر سودة أن تحتجب منه ولو كان أخا لها لما أمرها منه فدل على أنه أجنبي منها قال وقوله الولد للفراش تنبيه على عدم لحوق بزمعة أي لم تكن هذه الأمة فراشا له لأن الأمة لا تكون فراشا والولد إنما هو وعلى هذا يصح أمر احتجاب سودة منه قال ويؤكده أن في بعض طرق الحديث احتجبي فإنه ليس لك بأخ قالوا وحينئذ فتبين أنا أسعد بالحديث وبالقضاء النبوي منكم
قال الجمهور الآن حمي الوطيس والتقت حلقتا البطان فنقول والله المستعان أما قولكم لم يلحقه به أخا وإنما جعله عبدا يرده ما رواه محمد بن إسماعيل البخاري في في هذا الحديث هو لك هو أخوك يا عبد بن زمعة وليس اللام للتمليك وإنما هي كقوله الولد للفراش فأما لفظة قوله هو لك عبد فرواية باطلة لا تصح أصلا أمره سودة بالإحتجاب منه فإما أن يكون على طريق الإحتياط والورع لمكان الشبهة أورثها الشبه البين بعتبة وإما أن يكون مراعاة للشبهين وإعمالا للدليلين فإن دليل لحوق النسب والشبه بغير صاحبه دليل نفيه فأعمل أمر الفراش بالنسبة إلى لقوته وأعمل الشبه بعتبة بالنسبة إلى ثبوت المحرمية بينه وبين سودة وهذا من الأحكام وأبينها وأوضحها ولا يمنع ثبوت النسب من وجه دون وجه فهذا الزاني النسب منه بينه وبين الولد في التحريم والبعضية دون الميراث والنفقة والولاية وقد يتخلف بعض أحكام النسب عنه مع ثبوته لمانع وهذا كثير في الشريعة فلا من تخلف المحرمية بين سودة وبين هذا الغلام لمانع الشبه بعتبة وهل هذا إلا الفقه وقد علم بهذا معنى قوله ليس لك بأخ لو صحت هذه اللفظة مع أنها لا تصح ضعفها أهل العلم بالحديث ولا نبالي بصحتها مع قوله لعبد هو أخوك وإذا جمعت كلام النبي وقرنت قوله هو أخوك بقوله الولد للفراش وللعاهر الحجر تبين لك ما ذكروه من التأويل وأن الحديث صريح في خلافه لا يحتمله بوجه والله أعلم أن منازعينا في هذه المسألة الزوجة فراشا لمجرد العقد وإن كان بينها وبين الزوج بعد المشرقين ولا سريته التي يتكرر استفراشه لها ليلا ونهارا فراشا
فصل
واختلف الفقهاء فيما تصير به الزوجة فراشا على ثلاثة أقوال أحدها أنه نفس العقد وإن علم أنه لم يجتمع بها بل لو طلقها عقيبه في المجلس وهذا أبي حنيفة والثاني أنه العقد مع إمكان الوطء وهذا مذهب الشافعي وأحمد والثالث أنه العقد مع الدخول المحقق لا إمكانه المشكوك فيه وهذا اختيار شيخ ابن تيمية وقال إن أحمد أشار إليه في رواية حرب فإنه نص في روايته فيمن قبل البناء وأتت امرأته بولد فأنكره أنه ينتفي عنه بغير لعان وهذا هو الصحيح به وإلا فكيف تصير المرأة فراشا ولم يدخل بها الزوج ولم يبن بها لمجرد بعيد وهل يعد أهل العرف واللغة المرأة فراشا قبل البناء بها وكيف تأتي بإلحاق نسب بمن لم يبن بامرأته ولا دخل بها ولا اجتمع بها بمجرد إمكان ذلك الإمكان قد يقطع بانتفائه عادة فلا تصير المرأة فراشا إلا بدخول محقق وبالله وهذا الذي نص عليه في رواية حرب هو الذي تقتضيه قواعده وأصول مذهبه والله واختلفوا أيضا فيما تصير به الأمة فراشا فالجمهور على أنها لا تصير فراشا إلا وذهب بعض المتأخرين من المالكية إلى أن الأمة التي تشترى للوطء دون الخدمة التي يفهم من قرائن الأحوال أنها إنما للتسري فتصير فراشا بنفس الشراء والصحيح أن الأمة والحرة لا تصيران فراشا إلا
فصل
فهذا أحد الأمور الأربعة التي يثبت بها النسب وهو الفراش الثاني الإستلحاق وقد اتفق أهل العلم على أن للأب أن يستلحق فأما الجد فإن كان موجودا لم يؤثر استلحاقه شيئا وإن كان معدوما وهو كل الورثة صح إقراره وثبت المقر به وإن كان بعض الورثة وصدقوه فكذلك وإلا لم يثبت نسبه إلا أن يكون أحد فيه والحكم في الأخ كالحكم في الجد سواء والأصل في ذلك أن من حاز المال يثبت النسب واحدا كان أو جماعة وهذا أصل مذهب أحمد والشافعي لأن الورثة قاموا مقام وحلوا محله وأورد بعض الناس على هذا الأصل أنه لو كان إجماع الورثة على النسب يثبت النسب للزم إذا اجتمعوا على نفي حمل من أمة وطئها الميت أن يحلوا في نفي النسب كما حلوا محله في إلحاقه وهذا لا يلزم لأنا اعتبرنا جميع الورثة من الورثة فلم يجمع الورثة على نفيه فإن قيل فأنتم اعتبرتم في ثبوت النسب إقرار جميع الورثة والمقر هاهنا إنما هو عبد لم تقر به وهي أخته والنبي ألحقه بعبد باستلحاقه ففيه دليل على استلحاق وثبوت النسب بإقراره ودليل على أن استلحاق أحد الأخوة كاف قيل سودة لم تكن منكرة فإن عبدا استلحقه وأقرته سودة استلحاقه وإقرارها وسكوتها على هذا الأمر المتعدي حكمه إليها من خلوته بها إياها وصيرورته أخا لها تصديق لأخيها عبد وإقرار بما أقر به وإلا لبادرت الإنكار والتكذيب فجرى رضاها وإقرارها مجرى تصديقها هذا إن كان لم يصدر منها صريح فالواقعة واقعة عين ومتى استلحق الأخ أو الجد أو غيرهما نسب من لو أقر مورثهم لحقه ثبت نسبه ما لم يكن هنا وارث منازع فالإستلحاق مقتض لثبوت النسب غيره من الورثة مانع من الثبوت فإذا وجد المقتضي ولم يمنع مانع من اقتضائه عليه حكمه ولكن هاهنا أمر آخر وهو أن إقرار من حاز الميراث واستلحاقه هل هو خلافة عن الميت أو إقرار شهادة هذا فيه خلاف فمذهب أحمد والشافعي رحمهما أنه إقرار خلافة فلا تشترط عدالة المستلحق بل ولا إسلامه بل يصح ذلك من والدين وقالت المالكية هو إقرار شهادة فتعتبر فيه أهلية الشهادة وحكى ابن عن مذهب مالك أن الورثة إذا أقروا بالنسب لحق وإن لم يكونوا عدولا والمعروف مذهب مالك خلافه
فصل
الثالث البينة بأن يشهد شاهدان أنه ابنه أو أنه ولد على فراشه من زوجته أو أمته شهد بذلك اثنان من الورثة لم يلتفت إلى إنكار بقيتهم وثبت نسبه ولا يعرف في نزاع
فصل
الرابع القافة حكم رسول الله وقضاؤه باعتبار القافة وإلحاق النسب بها ، ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت دخل علي رسول الله ذات يوم تبرق أسارير وجهه فقال ألم تري أن مجززا المدلجي نظر آنفا إلى زيد بن وأسامة بن زيد وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه بعضها من بعض فسر النبي بقول القائف ولو كانت كما يقول المنازعون من أمر كالكهانة ونحوها لما سر بها ولا أعجب بها ولكانت بمنزلة الكهانة وقد صح وعيد من صدق كاهنا قال الشافعي والنبي أثبته علما ولم ينكره ولو كان خطأ لأنكره لأن في ذلك قذف ونفي الأنساب انتهى كيف والنبي قد صرح في الحديث الصحيح بصحتها واعتبارها فقال في ولد الملاعنة إن به كذا وكذا فهو لهلال بن أمية وإن جاءت به كذا وكذا فهو لشريك بن سحماء فلما به على شبه رميت به قال لولا الأيمان لكان لي ولها شأن وهل هذا إلا اعتبار للشبه وهو عين فإن القائف يتبع أثر الشبه وينظر إلى من يتصل فيحكم به لصاحب الشبه وقد النبي الشبه وبين سببه ولهذا لما قالت له أم سلمة أو تحتلم المرأة فقال مم الشبه وأخبر في الحديث الصحيح أن ماء الرجل إذا سبق ماء المرأة كان الشبه له وإذا سبق ماءه كان الشبه لها فهذا اعتبار منه للشبه شرعا وقدرا وهذا أقوى ما يكون من الأحكام أن يتوارد عليه الخلق والأمر والشرع والقدر ولهذا تبعه خلفاؤه في الحكم بالقافة قال سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عمر في وطئها رجلان في طهر فقال القائف قد اشتركا فيه جميعا فجعله بينهما
قال الشعبي وعلي يقول هو ابنهما وهما أبواه يرثانه ذكره سعيد أيضا /وروى الأثرم بإسناده عن سعيد بن المسيب في رجلين اشتركا في طهر امرأة فحملت فولدت يشبههما فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فدعا القافة فنظروا فقالوا نراه يشبههما فألحقه بهما وجعله يرثهما ولا يعرف قط في الصحابة من خالف عمر وعليا رضي الله عنهما في ذلك بل حكم عمر بهذا المدينة وبحضرته المهاجرون والأنصار فلم ينكره منهم منكر
قالت الحنفية قد أجلبتم علينا في القافة بالخيل والرجل والحكم بالقيافة تعويل على الشبه والظن والتخمين ومعلوم أن الشبه قد يوجد من الأجانب وينتفي عن الأقارب قصة أسامة وزيد ونسيتم قصة الذي ولدت امرأته غلاما أسود يخالف لونهما فلم النبي من نفيه ولا جعل للشبه ولا لعدمه أثرا ولو كان للشبه أثر لاكتفى به ولد الملاعنة ولم يحتج إلى اللعان ولكان ينتظر ولادته ثم يلحق بصاحب الشبه بذلك عن اللعان بل كان لا يصح نفيه مع وجود الشبه بالزوج وقد دلت السنة الصريحة على نفيه عن الملاعن ولو كان الشبه له فإن النبي قال أبصروها جاءت به كذا وكذا فهو لهلال بن أمية وهذا قاله بعد اللعان ونفي النسب عنه فعلم لو جاء على الشبه المذكور لم يثبت نسبه منه وإنما كان مجيئه على شبهه دليلا كذبه لا على لحوق الولد به قالوا وأما قصة أسامة وزيد فالمنافقون كانوا يطعنون في نسبه من زيد لمخالفة لون أبيه ولم يكونوا يكتفون بالفراش وحكم الله ورسوله في أنه ابنه فلما شهد القائف وافقت شهادته حكم الله ورسوله فسر به النبي لموافقتها حكمه ولتكذيبها المنافقين لا أنه أثبت نسبه بها فأين في هذا إثبات النسب بقول القائف قالوا وهذا معنى الأحاديث التي ذكر فيها اعتبار الشبه فإنها إنما اعتبرت فيه بنسب ثابت بغير القافة ونحن لا ننكر ذلك قالوا وأما حكم عمر وعلي فقد اختلف عمر فروي عنه ما ذكرتم وروي عنه أن القائف لما قال له قد اشتركا فيه قال وال شئت فلم يعتبر قول القائف قالوا وكيف تقولون بالشبه ولو أقر أحد الورثة بأخ وأنكره الباقون والشبه موجود لم النسب به وقلتم إن لم تتفق الورثة على الإقرار به لم يثبت النسب
قال أهل الحديث من العجب أن ينكر علينا القول بالقافة ويجعلها من باب الحدس من يلحق ولد المشرقي بمن في أقصى المغرب مع القطع بأنهما لم يتلاقيا طرفة ويلحق الولد باثنين مع القطع بأنه ليس ابنا لأحدهما ونحن إنما ألحقنا الولد القائف المستند إلى الشبه المعتبر شرعا وقدرا فهو استناد إلى ظن غالب ورأي وأمارة ظاهرة بقول من هو من أهل الخبرة فهو أولى بالقبول من قول المقومين وهل مجيء كثير من الأحكام مستندا إلى الأمارات الظاهرة والظنون الغالبة وأما وجود الشبه بين الأجانب وانتفاؤه بين الأقارب وإن كان واقعا فهو من أندر شيء والأحكام إنما هي للغالب الكثير والنادر في حكم المعدوم وأما قصة من ولدت امرأته غلاما أسود فهو حجة عليكم لأنها على أن العادة التي فطر الله عليها الناس اعتبار الشبه وأن خلافه يوجب ريبة في طباع الخلق إنكار ذلك ولكن لما عارض ذلك دليل أقوى منه وهو الفراش كان للدليل القوي وكذلك نقول نحن وسائر الناس إن الفراش الصحيح إذا كان قائما يعارض بقافة ولا شبه فمخالفة ظاهر الشبه لدليل أقوى منه وهو الفراش غير مستنكر المستنكر مخالفة هذا الدليل الظاهر بغير شيء
وأما تقديم اللعان على الشبه وإلغاء الشبه مع وجوده فكذلك أيضا هو من تقديم أقوى على أضعفهما وذلك لا يمنع العمل بالشبه مع عدم ما يعارضه كالبينة تقدم اليد والبراءة الأصلية ويعمل بهما عند عدمهما وأما ثبوت نسب أسامة من زيد بدون القيافة فنحن لم نثبت نسبه بالقيافة والقيافة آخر موافق لدليل الفراش فسرور النبي وفرحه بها واستبشاره لتعاضد أدلة النسب لا لإثبات النسب بقول القائف وحده بل هو من باب الفرح بظهور أعلام الحق وتكاثرها ولو لم تصلح القيافة دليلا لم يفرح بها ولم يسر وقد كان النبي ويسر إذا تعاضدت عنده أدلة الحق ويخبر بها الصحابة ويحب أن يسمعوها من المخبر لأن النفوس تزداد تصديقا بالحق إذا تعاضدت أدلته وتسر به وتفرح وعلى هذا فطر عباده فهذا حكم اتفقت عليه الفطرة والشرعة وبالله التوفيق وأما ما روي عن عمر أنه قال وال أيهما شئت فلا تعرف صحته عن عمر ولو صح عنه لكان عنه فإن ما ذكرنا عنه في غاية
مع أن قوله وال أيهما شئت ليس بصريح في إبطال قول القائف ولو كان صريحا في قوله لكان في مثل هذا الموضع إذا ألحقه باثنين كما يقوله الشافعي ومن وافقه
وأما إذا أقر أحد الورثة بأخ وأنكره الباقون فإنما لم يثبت نسبه لمجرد الإقرار إذا كان هناك شبه يستند إليه القائف فإنه لا يعتبر إنكار الباقين ونحن لا القافة على بني مدلج ولا نعتبر تعدد القائف بل يكفي واحد على الصحيح بناء على خبر وعن أحمد رواية أخرى أنه شهادة فلا بد من اثنين ولفظ الشهادة بناء على اللفظ فإن قيل فالمنقول عن عمر أنه ألحقه بأبوين فما تقولون فيما إذا ألحقته القافة هل تلحقونه بهما أو لا تلحقونه إلا بواحد وإذا ألحقتموه بأبوين فهل يختص باثنين أم يلحق بهم وإن كثروا وهل حكم الإثنين في ذلك حكم الأبوين أم ماذا قيل هذه مسائل فيها نزاع بين أهل العلم فقال الشافعي ومن وافقه لا يلحق بأبوين يكون للرجل إلا أب واحد ومتى ألحقته القافة باثنين سقط قولها وقال الجمهور بل باثنين ثم اختلفوا فنص أحمد في رواية مهنا بن يحيى أنه يلحق بثلاثة وقال صاحب ومقتضى هذا أنه يلحق بمن ألحقته القافة به وإن كثروا لأنه إذا جاز إلحاقه جاز إلحاقه بأكثر من ذلك وهذا مذهب أبي حنيفة لكنه لا يقول بالقافة فهو بالمدعين وإن كثروا وقال القاضي يجب أن لا يلحق بأكثر من ثلاثة وهو قول محمد الحسن
وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين وهو قول أبي يوسف فمن لم يلحقه بأكثر من قال قد أجرى الله سبحانه عادته أن للولد أبا واحدا وأما واحدة ولذلك يقال ابن فلان وفلان ابن فلانة فقط ولو قيل فلان ابن فلان وفلان لكان ذلك منكرا قذفا ولهذا إنما يقال يوم القيامة أين فلان ابن فلان وهذه غدرة فلان ابن فلان يعهد قط في الوجود نسبة ولد إلى أبوين قط ومن ألحقه باثنين احتج بقول عمر الصحابة له على ذلك وبأن الولد قد ينعقد من ماء رجلين كما ينعقد من ماء والمرأة ثم قال أبو يوسف إنما جاء الأثر بذلك فيقتصر عليه
وقال القاضي لا به ثلاثة لأن أحمد إنما نص على الثلاثة والأصل ألا يلحق بأكثر من واحد وقد قول عمر على إلحاقه باثنين مع انعقاده من ماء الأم فدل على إمكان انعقاده من ثلاثة وما زاد على ذلك فمشكوك فيه قال الملحقون له بأكثر من ثلاثة إذا جاز تخليقه من ماء رجلين وثلاثة جاز خلقه من أربعة وخمسة ولا وجه لاقتصاره على ثلاثة فقط بل إما أن يلحق بهم وإن كثروا أن لا يتعدى به أحد ولا قول سوى القولين والله أعلم
فإن قيل إذا اشتمل الرحم على ماء الرجل وأراد الله أن يخلق منه الولد انضم عليه انضمام وأتمه حتى لا يفسد فكيف يدخل عليه ماء آخر قيل لا يمتنع أن يصل الماء إلى حيث وصل الأول فينضم عليهما وهذا كما أن الولد ينعقد من ماء الأبوين سبق ماء الرجل ماء المرأة أو بالعكس ومع هذا فلا يمتنع وصول الماء الثاني إلى وصل الأول وقد علم بالعادة أن الحامل إذا توبع وطؤها الولد عبل الجسم ما لم يعارض ذلك مانع ولهذا ألهم الله سبحانه الدواب إذا حملت لا تمكن الفحل أن ينزو عليها بل تنفر عنه كل النفار وقال الإمام أحمد إن الوطء يزيد في سمع الولد وبصره وقد شبهه النبي بسقي الزرع ومعلوم أن سقيه يزيد ذاته والله أعلم فإن قيل فقد دل الحديث على حكم استلحاق الولد وعلى أن الولد للفراش فما تقولون لو الزاني ولدا لا فراش هناك يعارضه هل يلحقه نسبه ويثبت له أحكام النسب قيل هذه مسألة جليلة اختلف أهل العلم فيها فكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى أن من الزنى إذا لم يكن مولودا على فراش يدعيه صاحبه وادعاه الزاني ألحق به قول النبي الولد للفراش على أنه حكم بذلك عند تنازع الزاني وصاحب الفراش تقدم وهذا مذهب الحسن البصري رواه عنه إسحاق بإسناده في رجل زنى بامرأة فولدت فادعى ولدها فقال يجلد ويلزمه الولد وهذا مذهب عروة بن الزبير وسليمان
ذكر عنهما أنهما قالا أيما رجل أتى إلى غلام يزعم أنه ابن له وأنه زنى بأمه يدع ذلك الغلام أحد فهو ابنه واحتج سليمان بأن عمر بن الخطاب كان يليط أولاد بمن ادعاهم في الإسلام وهذا المذهب كما تراه قوة ووضوحا وليس مع الجمهور من الولد للفراش الولد عبل الجسم ما لم يعارض ذلك مانع ولهذا ألهم الله سبحانه الدواب إذا حملت لا تمكن الفحل أن ينزو عليها بل تنفر عنه كل النفار وقال الإمام أحمد إن الوطء يزيد في سمع الولد وبصره وقد شبهه النبي بسقي الزرع ومعلوم أن سقيه يزيد ذاته والله أعلم فإن قيل فقد دل الحديث على حكم استلحاق الولد وعلى أن الولد للفراش فما تقولون لو الزاني ولدا لا فراش هناك يعارضه هل يلحقه نسبه ويثبت له أحكام النسب قيل هذه مسألة جليلة اختلف أهل العلم فيها فكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى أن من الزنى إذا لم يكن مولودا على فراش يدعيه صاحبه وادعاه الزاني ألحق به قول النبي الولد للفراش على أنه حكم بذلك عند تنازع الزاني وصاحب الفراش تقدم وهذا مذهب الحسن البصري رواه عنه إسحاق بإسناده في رجل زنى بامرأة فولدت فادعى ولدها فقال يجلد ويلزمه الولد وهذا مذهب عروة بن الزبير وسليمان بن ذكر عنهما أنهما قالا أيما رجل أتى إلى غلام يزعم أنه ابن له وأنه زنى بأمه يدع ذلك الغلام أحد فهو ابنه واحتج سليمان بأن عمر بن الخطاب كان يليط أولاد بمن ادعاهم في الإسلام وهذا المذهب كما تراه قوة ووضوحا وليس مع الجمهور من الولد للفراش هذا المذهب أول قائل به والقياس الصحيح يقتضيه فإن الأب أحد الزانيين وهو كان يلحق بأمه وينسب إليها وترثه ويرثها ويثبت النسب بينه وبين أقارب أمه مع زنت به وقد وجد الولد من ماء الزانيين وقد اشتركا فيه واتفقا على أنه ابنهما المانع من لحوقه بالأب إذا لم يدعه غيره فهذا محض القياس وقد قال جريج للغلام زنت أمه بالراعي من أبوك يا غلام قال فلان الراعي وهذا إنطاق من الله لا يمكن الكذب فإن قيل فهل لرسول الله في هذه المسألة حكم قيل قد روي عنه فيها حديثان نحن شأنهما