فصل في قضائه على من أقر بالزنا
ثبت في صحيح البخاري ومسلم أن رجلا من أسلم جاء إلى النبي فاعترف بالزنا فأعرض النبي حتى شهد على نفسه أربع مرات فقال النبي أبك جنون قال لا قال أحصنت نعم فأمر به فرجم في المصلى فلما أذلقته الحجارة فر فأدرك فرجم حتى مات فقال النبي خيرا وصلى عليه ..وفي لفظ لهما أنه قال له أحق ما بلغني عنك قال وما بلغك قال بلغني أنك وقعت بجارية بني فلان فقال نعم قال فشهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي فقال أبك جنون قال لا قال أحصنت قال نعم ثم أمر به فرجم
وفي لفظ لهما فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي فقال أبك جنون قال لا أحصنت قال نعم قال اذهبوا به فارجموه ..وفي لفظ للبخاري أن النبي قال لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال لا يا رسول الله أنكتها لا يكني قال نعم فعند ذلك أمر برجمه
وفي لفظ لأبي داود أنه شهد على نفسه أربع مرات كل ذلك يعرض عنه فأقبل في الخامسة أنكتها قال نعم قال حتى غاب عنك ذلك في ذلك منها قال نعم قال كما يغيب الميل المكحلة والرشاء في البئر قال نعم قال فهل تدري ما الزنى قال نعم أتيت منها ما يأتي الرجل من امرأته حلالا قال فما تريد بهذا القول قال أريد أن تطهرني قال فأمر به فرجم
السنن أنه لما وجد مس الحجارة قال يا قوم ردوني إلى رسول الله فإن قومي وغروني من نفسي وأخبروني أن رسول الله غير قاتلي ..وفي صحيح مسلم فجاءت الغامدية فقالت يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني وأنه ردها كان من الغد قالت يا رسول الله لم تردني لعلك أن تردني كما رددت ماعزا فوالله لحبلى قال إما لا فاذهبي حتى تلدي فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت هذا قد قال اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز فقالت يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها الدم على وجهه فسبها فقال رسول الله مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت ..
وفي صحيح البخاري أن رسول الله قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وإقامة الحد ..وفي الصحيحين أن رجلا قال له أنشدك بالله إلا قضيت بيننا الله فقام خصمه وكان أفقه منه فقال صدق اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي فقال قال إن ابني كان عسيفا على هذا فزني بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم وإني أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله المائة والخادم رد عليك وعلى ابنك مائة وتغريب عام واغد يا أنيس على امرأة هذا فاسألها فإن اعترفت فارجمها فرجمها
وفي صحيح مسلم عنه الثيب بالثيب جلد مائة والرجم والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب
فتضمنت هذه الأقضية رجم الثيب وأنه لا يرجم حتى يقر أربع مرات وأنه إذا أقر دون لم يلزم بتكميل نصاب الإقرار بل للإمام أن يعرض عنه ويعرض له بعدم تكميل إقرار زائل العقل بجنون أو سكر ملغى لا عبرة به وكذلك طلاقه وعتقه وأيمانه ..وجواز إقامة الحد في المصلى وهذا لا يناقض نهيه أن تقام الحدود في المساجد
وأن الحر المحصن إذا زنا بجارية فحده الرجم كما لو زنا بحرة ..وأن الإمام يستحب له أن يعرض للمقر بأن لا يقر وأنه يجب استفسار المقر في محل لأن اليد والفم والعين لما كان استمتاعها زنا استفسر عنه دفعا لاحتماله ..وأن الإمام له أن يصرح باسم الوطء الخاص به عند الحاجة إليه كالسؤال عن الفعل ..وأن الحد لا يجب على جاهل بالتحريم لأنه سأله عن حكم الزنا فقال أتيت منها ما يأتي الرجل من أهله حلالا .. وأن الحد لا يقام على الحامل وأنها إذا ولدت الصبي أمهلت حتى ترضعه وتفطمه وأن يحفر لها دون الرجل وأن الإمام لا يجب عليه أن يبدأ بالرجم ..وأنه لا يجوز سب أهل المعاصي إذا تابوا وأنه يصلى على من قتل في حد الزنى وأن إذا استقال في أثناء الحد وفر ترك ولم يتمم عليه الحد فقيل لأنه رجوع وقيل توبة قبل تكميل الحد فلا يقام عليه كما لو تاب قبل الشروع فيه وهذا اختيار ، وأن الرجل إذا أقر أنه زنى بفلانة لم يقم عليه حد القذف مع حد الزنى وأن ما قبض من المال بالصلح الباطل باطل يجب رده وأن الإمام له أن يوكل في استيفاء الحد وأن الثيب لا يجمع عليه بين الجلد والرجم لأنه لم يجلد ماعزا ولا الغامدية ولم أنيسا أن يجلد المرأة التي أرسله إليها وهذا قول الجمهور وحديث عبادة خذوا قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة والرجم منسوخ فإن هذا كان في أولالأمر عند نزول حد الزاني ثم رجم ماعزا والغامدية ولم يجلدهما وهذا كان بعد حديث بلا شك وأما حديث جابر في السنن أن رجلا زنا فأمر به النبي فجلد الحد ثم أنه محصن فأمر به فرجم فقد قال جابر في الحديث نفسه إنه لم يعلم بإحصانه فجلد علم بإحصانه فرجم رواه أبو داود
وفيه أن الجهل بالعقوبة لا يسقط الحد إذا كان عالما بالتحريم فإن ماعزا لم يعلم عقوبته القتل ولم يسقط هذا الجهل الحد عنه وفيه أنه يجوز للحاكم أن يحكم بالإقرار في مجلسه وإن لم يسمعه معه شاهدان نص عليه فأن النبي لم يقل لأنيس فإن اعترفت بحضرة شاهدين فارجمها وأن الحكم إذا كان حقا محضا لله لم يشترط الدعوى به عند الحاكم وأن الحد إذا وجب على امرأة جاز للإمام أن يبعث إليها من يقيمه عليها ولا يحضرها النسائي على ذلك صونا للنساء عن مجلس الحكم ..وأن الإمام والحاكم والمفتي يجوز له الحلف على أن هذا حكم الله عز وجل إذا تحقق وتيقنه بلا ريب وأنه يجوز التوكيل في إقامة الحدود وفيه نظر فإن هذا استنابة النبي وتضمن تغريب كما يغرب الرجل لكن يغرب معها محرمها إن أمكن وإلا فلا وقال مالك لا تغريب النساء لأنهن عورة
المقال السابق
المقال التالى