إن المحب يسعى دائما لرضى حبيبه فتجده يبادر للقيام بأي عمل يعلم في قرارة نفسه وفي قلبه أن محبوبه يحبّه حتى ولو لم يطلبه منه فكيف سيكون حالنا إذا كان المحبوب هو الله عز وجلّ الربّ الكريم الرحمن الرحيم اللطيف الخبير الودود البرّ سبحانه؟!
كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر الترمذي في كتاب الدعوات:
«اللَّهُمَّ ارزُقني حُبَّكَ، وحُبَّ مَنْ يَنْفَعُني حُبُّهُ عندَك، اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَني مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ، اللَّهُمَ مَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغاً لِي فِيمَا تُحِبُّ»
ارزقني حبك لأنه لا سعادة لقلبي، ولا لذة، ولا نعيم، ولا صلاح إلا بأن تكون أحب إليّ من كل شيء مما سواك، وارزقني حُبَّ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم باتباعه، لا ينفعني عندك إلا حُبُّه، وارزقني حبَّ أوليائك كالملائكة، والأنبياء، والمؤمنين لأنهم القدوة والصحبة الصالحة ولن تنفعني صحبة أهل الدنيا ولا أهل الغفلة ولا المسوّفين.
علينا أن نعرف أولًا ماذا يحبّ الله عز وجلّ؟ قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه" والعبادات في الإسلام هي مما افترضه الله تعالى علينا ومنها الصيام وقد قال عنه جلّ جلاله "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" وفي هذا دليل على مكانة الصوم عند الله تعالى ومكانة الصائمين وأجرهم ولعل هذه المكانة نابعة من كون الصيام لا رياء فيه وإنما هو خالص لوجه الله تعالى فقد يصلي الإنسان رياء وقد ينفق رياء وقد يحج رياء لكن الصوم أبعد العبادات عن الرياء والنفاق والله أعلم.
فإذا كنا حقًا نسعى لمحبة الله تعالى ولحبّ ما يحبه ولحبّ كل عمل يقرّبنا إلى حبه فعلينا أن نهيئ أنفسنا وقلوبنا وأرواحنا لعمل يحبه الله تعالى فنُقبل عليه بحبّ ألا وهو الصيام بمقاصده العظيمة صيام الجوارح عن المعاصي وصيام القلب عن الحرام وعن الشهوات وصيام البدن في نهار رمضان عن الطعام والشراب وما أحلّه الله، صيام يتقرّب الصائم به إلى ربّه الذي افترضه عليه ليكون في عداد من يحبهم الله جلّ جلاله كما وعدنا سبحانه وتعالى.
والتهيئة لشهر رمضان يكون بصيام بضعة أيام من كل شهر كما أوصانا نبينا صلى الله عليه وسلم منها صيام الاثنين والخميس أو الأيام البيض من كل شهر ولا زال أمامنا في شعبان متسعا من الوقت لهذه النافلة العظيمة نتقرب بها إلى الله حتى يحبّنا كما قال سبحانه في تتمة الحديث القدسي: "ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" فإن لم تحرّكنا هذه الجائزة العظيمة للتقرب إلى الله تعالى فلنتأمل ثمرات محبة الله جلّ جلاله لمن تقرّب إليه بالنوافل: "فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأُعطينّه، ولئن استعاذني لأُعيذنّه"
هذه وعود الله الحقّ جلّ وعلا ألا تدفعنا طائعين مختارين مقبلين بقلوبنا على الله لنحقق الشرط فننال الوعد؟!
أقبِل على رمضان بحبّ من افترضه عليك وارتضاه لك لا كارهًا للمشقة ولا للظمأ ولا للجوع ولا لطول ساعات الصيام في حرّ الصيف، ولا لأنك اعتدت الصيام مع الصائمين، أقبِل عليه بحبّ يُقبل الله تعالى عليك بمحبته التي بها سعادتك في الدنيا والآخرة... ورمضان دورة تدريبية وفرصة لترويض النفس على حبّ الطاعات فاخرج منه محبّا لجميع العبادات التي افترضها الله تعالى عليك ولجميع النوافل والأوامر الإلهية لتؤديها بحبّ لأنك تحب الله عز وجلّ حقًا وصدقًا وتسعى لكل عمل يقرّبك من حبّه لا تجعل عباداتك مجرد طقوس وحركات ليس لها معنى وهدف اجعلها براهين محبة لله عز وجلّ واحرص على كل عمل صالح ترجو ثوابه من الله عز وجلّ..
وللحديث بقية إن شاء الله.
اللهم أعنا على القيام بفرائضك كما تحب وترضى ووفقنا يا ربنا للتقرب إليه بما تحب واجعلنا ممن تحبهم ويحبونك يا ذا الجلال والإكرام