من آفات النفس تقديم سوء الظن وتأخير العذر وتأخير حسن الظن بالناس، هذه الآفة قد تفرق جماعة أو حتى مجتمع أو تفرق بين أخوين أو حبيبين أو تتسبب في قطع رحم، وكان من الأولى من بداية خيط الشر أن يستعيذ الإنسان بالله رب العالمين من همزات الشياطين ويحسن ظنه بالناس، فلا فائدة ستعود عليه من سوء ظنه إلا وجع القلب وضيق الصدر ثم ما يترتب على سوء الظن من مشكلاتٍ ومآلات كلها شر.
قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 12] .
يقول الإمام النووي رحمه الله :
"إعلم أن سوء الظن حرامٌ مثل القول، فكما يحرم أن تُحَدِّث غيرَك بمساوئ إنسان، يحرم أن تحدث نفسك بذلك وتسيئ الظن به، قال الله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ}، وروينا في صحيحي (البخاري: 6064) و(مسلم: 2563) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث»، والأحاديث بمعنى ما ذكرته كثيرة، والمراد بذلك عقد القلب وحكمه على غيرك بالسوء، فأما الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الإنفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل» (البخاري: 5269) (مسلم: 127)
قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر. قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرًا أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطر من غير تعمد لتحصيله، ثم صرفه في الحال، فليس بكافر، ولا شئ عليه.
وسبب العفو ما ذكرناه من تعذر اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه، فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حرامًا، ومهما عرض لك هذا الخاطر بالغيبة وغيرها من المعاصي، وجب عليك دفعه بالإعراض عنه، وذكر التأويلات الصارفة له عن ظاهره " انتهى.
"الأذكار" (344-346) باختصار.
المقال السابق
المقال التالى