عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

تحت قسم أعمال القلوب
الكاتب د. عبد السميع الأنيس
تاريخ الاضافة 2016-06-15 12:27:31
المشاهدات 661
أرسل الى صديق اطبع حمل المقال بصيغة وورد ساهم فى دعم الموقع Bookmark and Share

   

لذَّة ترك الطعام عند الصائمين أجمل من لذَّته عند الآكلين! والمحب العاشِق يَترك طعامه وشرابه اضطرارًا، وهكذا يَنبغي أن يكون حال الصَّائم.

فما أجمل الصَّوم عندما يكون بدافع الحبِّ والاحتساب والرضا! يترك فيه الصَّائم طعامَه وشرابه من أجل الله سبحانه؛ حبًّا فيه، وامتثالًا لأمره، وطلبًا لمرضاته، ورغبة لما عنده، والصوم بهذا المعنى يُنسي الصائم آلامَ الجوع والعطش!

ولعلَّ في قول رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ما يشير إلى ذلك، فقد قال: «والَّذي نفسي بيده، لخُلُوفُ فَم الصَّائم أطيبُ عند الله من رِيح المسك؛ إنَّما يذَرُ شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، فالصِّيامُ لي، وأنا أجزي به؛ كلُّ حسنةٍ بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ، إلَّا الصِّيام، فهو لي وأنا أجزي به».

إن الحب الدنيوي يشغل صاحبَه عن الطَّعام والشراب، ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في كتاب (شعب الإيمان) للبيهقي عن الإمام الجنيد البغدادي أنَّه قال: دفع السري السقطي إليَّ رقعة، وقال: "هذا خير لك من سبعمائة فضة!"، فإذا فيها:

ولما ادَّعيتُ الحبَّ قالت: كذبتني *** فما لي أرى الأعضاءَ منك كواسيَا؟!
فما الحبُّ حتى يلصق القلب بالحشا *** وتذبل حتى لا تجيب المناديا
وتنحل حتى لا يُبقِّ لك الهوى *** سوى مقلةٍ تَبكي بها أو تناجيا

 

وهذه الأبيات مثال على حبٍّ دنيوي، يرى صاحبه أنَّ الحبَّ الصادق ينبغي أن يشغل الإنسان عن طعامه وشرابِه حتى يذبل فلا يجيب من يناديه، وينحل حتى لا يبقى من أعضائه عضو سليم سوى العين للبكاء والمناجاة!

 

وقد لاحظتُ أنَّ عددًا من الصائمين يؤدِّي هذه العبادة المباركة بدافع العادَة، المصحوبة بالملَل والكسل، وليس بدافع الحبِّ الصادق، والشوق المقلق! وربما لا يخطر على باله أن الله تعالى قد شرَّفه به، وأكرمه بأدائه، فهو نوع من أنواع شُكر المنعم على نعمة البدن.

وقد جاء عن الإمام جعفر الصَّادق رضي الله عنه أنه قال: "الصلاة قربان كل تَقي، والحج جِهاد كل ضعيف، وزكاة البدن الصيام".

والصوم عندما يؤدَّى بدافع الحب والاحتساب، تَظهر آثاره وأنواره في سلوك الصائم، وفي مفردات حياته انضباطًا ونظامًا. وهو بهذا المعنى يحافِظ على صفاء المجتمع ونقائه، ويُعدُّ من الأساليب النَّاجحة في القضاء على الجرائم التي تهدِّد أمنه واستقراره.




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق