دماء طاهرة زكية تلك التي سالت على وجهه
سالت من تلك الرباعية المكسورة في فم طالما كان يلهج بذكر مولاه والدعوة إلى سبيل رضاه
اختلطت تلك الدماء بدماء ذلك الجرح الغائر الذي غرست فيه حلقات المغفر المعدني الذي يرتديه
بيده الشريفة مسح الدماء عن وجهه
لم يرجف قلبه لمنظر الدماء ولا ارتعدت نفسه خوفًا على مصيره ولم يشغله مآل تلك الجروح النازفة
شيء آخر ذاك الذي كان يشغله في تلك اللحظة
شيء يُعد فرعًا لمشاعر الحرص التي بلغت درجة كادت تذبحه وفيها وجهه ربه قائلًا: {لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين}
ولعل تلك المشاعر اختلطت بحزن أسيف وهو يشهد مقابلة دعوته بذلك البغي ومجازاة حرصه بهذا النكران العنيف
- كيفَ يُفلِحُ قومٌ خضَّبوا وجهَ نبيِّهِم بالدَّمِ وَهوَ يَدعوهم إلى اللَّهِ؟!
- كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وأدموا وجهه وهو يدعوهم إلى ربهم؟!
هكذا تساءل في عجب
هل يفلح أُناس واجهوا الإحسان بالجحود والنكران وقابلوا دعوة الرحمن بالسيف والسنان؟؟!
سؤال منطقي وطبيعي في مواجهة تلك الجرائم الشنيعة التي اقترفوها في حقه بأبي هو وأمي
لكن الإجابة كانت درسًا لا يُنسى
درسًا لكل صاحب رسالة ولكل من تحمل تكاليف البلاغ وواجهته المصاعب والأهوال في ذلك السبيل
{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}
هكذا قضى الملك
وهكذا بيَّن وحكم
ليس لك من الأمر شيء
لست أنت من ستقضي في مصيرهم أو تعلم مآلهم
نعم هم ظالمون معتدون
هم مجرمون لدماء نبيهم سفاكون
لكن ما يدريك لعل الله يتوب عليهم
يا إلهي!!
مع كل هذا الجرم الذي اقترفوه وتأتي تلك الكلمة
يتوب عليهم؟!!
بعد أن قتلوا سبعين من صناديد الصحابة وأدموا وجه سيد ولد آدم وآذوه
نعم إذا شاء الله
ولعله يعذبهم
هذا في علمه ومن شأنه
لست أنت –على قدرك ومنزلتك- من ستحكم في أمرهم أو تفصل في مآل مصيرهم
حقك في الدنيا محفوظ وإن لصاحب الحق مقالًا
وظلمهم متقرر معلوم وقد بيَّنه الله في غير موضع
لكن يبقى المصير بيده لا بيدك
ويظل في النهاية البلاغ مهمتك والهداية بغيتك والقاعدة ماثلة أمام عينيك لا تتغير ولا تتبدل
{ليس لك من الأمر شيء}
المقال السابق
المقال التالى