وهل الحرب إلا عدو منتظر، وعدة وعتاد، ومران واستعداد، وملاقاة وصبر، وظفر أو جزع وضجر. ورمضان ميدان عراك لذا كان لا بد من معرفة من تقاتل وتنازل.
سُئِلَ أحد الصالحين يومًا: من عدوك؟
فقال: "نظرت في أعدائي فرأيت أن الذي سبني وانتهرني وانتقص ثن عرضي، ليس عدوي! لأنه يهدي إلي من حسناته وأحط عليه من سيئاتي، أما عدوي فهو ذلك الذي إذا رآني على طاعة الله أغراني بمعصيته، فوجدت أنهم: النفس والدنيا والشيطان والهوى، فأعددت العدة لقتالهم واتقاء شرورهم".
والشيطان عدو سافر قرر القرآن عداوته فقال الله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [يوسف من الاية:5] وبيّن أن في طاعته مهلكة، فقال عز وجل: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَاب السَّعِير} [فاطر:6]، ونهى عن اتباع مسالكه: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة من الآية:168] فهلا أعلنتم النفير لعدو {يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة من الآية:268]، ولا يريد إلا {أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة من الآية:91]، ويجعل من كل ذاكرٍ لله ساهٍ لاهٍ فـ {وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} [المائدة من الآية:91]، أقسم بأغلظ يمين {فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص من الآية:82]، فلا يثنيه عنك حد ولا يرده دونك سد {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف من الآية:27]، إلا أنهم لا سلطان لهم علي المؤمنين {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف من الآية:27]، فتسربل بثوب الايمان كنفًا وعزًا ودع {الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم من الآية:83]، توسوس لهم {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} [النمل من الآية:24]، فكان لهم بئس الدليل {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} [النمل من الآية:24]، والنار {لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر من الآية: 43]، إلا {عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات من الآية: 40]، فالعبودية لله حصن أمان {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر من الآية:42] لأنهم اتخذوا الشيطان عدوًا، وأقبلوا إلى الرحمن عَدْوًا، لسان حال الواحد منهم {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ} [طه من الآية:84].
وحتى نقنص النصر في معركتنا القديمة الحديثة مع الشيطان كان لا بد من معرفة خططه وخطواته، فمن عادة القادة في الحروب أن يرسلوا العيون فيما يسمي حديثًا بـ (المخابرات) لتطلع على عدد العدو وعدته وكشف خططه، لتتسنى مجابهته وتحقيق النصر عليه، فـ (الحرب خدعة).
ومن خطوات الشيطان التي عرفنا عليها استظهار القرآن واستنباط أحكامه ومن السنة، واقتفاء أثرها والسير على منهاجه صلى الله عليه وسلم:
١- تسمية الأشياء بغير أسمائها ليلبس على الناس دينهم، فيلبس الباطل ثوب الحق والحق ثوب الباطل.
يقول ابن الجوزي رحمه الله: "وما زال الشياطين يوحون الى أوليائهم ليلبسوا على الناس دينهم، فيسمون الأشياء بغير أسمائها، كما سموا الخمر بأم الأفراح..." بتصرف.
فانظر -رعاك الله- الخمر التي سماها رسول الله أم الخبائث سموها أم الأفراح، أو نسبوها افتراء إلى الروح التي هي هبة الرحمن للإنسان فيسموها بالمشروبات الروحية، وحديثًا سموها بمسميات رنانة، وجعلوها في آنية وقوارير فاخرة، تخطف العيون وتذهل الألباب، فهذه فودكا وتلك شمبانيا وذاك ويسكي، وكلها في نهاية الأمر خمر: «كلُّ مُسكِرٍ خَمرٌ، وَكُلُّ خَمرٍ حرامٌ» (صحيح مسلم: [2003]).
وفي القرآن شاهد على مثل ذلك، فالشجرة التى نهى الله آدم وحوء عليهما السلام عن الأكل منها، سماها ابليس شجرة الخلد والملك الذي لا يبلى، فقال لهما ودلهما بغرور: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ} [طه من الآية:120]، ليلبس الباطل ثوبًا براقًا يخطف الأنظار.
وأذكر أني تحدثت إلى بعض أرباب العلمانية فسألته: هل تسمى فكرك تحررًا كما تحبون أن تسموه؟
فقال: لا، وسكت برهة، ثم قال: سمه: تلقائية.
أقسم أني شعرت وكأن شيطانًا يملي عليه ما يقول، فكلما اهترأ اسم جددوا لهذيانهم اسم.. وكما يلبس الباطل ثوب الحق يوحي كذلك إلى أوليائه ليلبسوا الحق ثوب الباطل.
فاسمع إلى فرعون لما جاءه موسى وهارون بدعوة ربه {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ} [طه من الآية 44]، أوحى إليه الشيطان أن يصد الناس عن دعوة موسى وهارون عليهما السلام بقوله كما جاء في القرآن: {قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ} [طه من الآية:63].
فانظر كيف حول مقام النبوة إلى مقام السحر والكهانه، ثم شرع في تشويه النية والقصد، واتهام نيتهما بأنهما لا يريدان سوى الآرض والسلطة محولًا القضية الدينية إلى قضية سياسية محضة ليستعدي عليهما الناس، وكم من فراعين في أمتنا اليوم يسلكون مسلك زعيمهم فرعون موسى ويتبعون ما أوحى الشيطان لهم وله من قبلهم، ثم تراه قد زاد في غيّه وكِبرَه ساعة أن سمى كفره ومبارزته ربه بالمعصية واستعباد الناس له من دون الله بـ (الطريقة المثلى).
وفي زماننا الالتزام تطرف، والعفة رجعية، والقوانين الوضعية دساتير هي أم القوانين، وكتاب الله وراء ظهورهم {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة من الآية:50] نسأل الله العافية.
بينما الرشوة هدية، والوساطة خدمة، والعري مدنية، والتحلل تحرر، والغش في التجارة شطارة، والربا فائدة، والنصب فهلوة... وهكذا، حتى أصبحنا في دخن وغبش في الرؤيا، يصدق الكاذب ويكذب الصادق، يخون الأمين ويؤتمن الخائن، وينطق الرويبضة، ويجهل العالم، ويفتي الجاهل ويتصدر المجلس وهو مفلس.