الكرامةُ ابتلاءٌ: وكذلك الكراماتُ امتحانٌ وابتلاءٌ، كالمُلْكِ والسُّلطانِ والمالِ، قال تعالى عنْ نبيِّه سليمان لمَّا رأى عِرش بلقيس عنده كما أخبرنا الله عز وجلّ: {هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل:40]، فهو سبحانه يُسْدِي النعمة ليرى منْ قبِلها بقبُولٍ حسن، وشكرها وحفظها، وثمَّرها وانتفع ونفع بها، ومنْ أهلها وعطَّلها، وكفرهاً وصرفها في مُحاربةِ المعطي، واستعان بها في مُحادّةِ الواهبِ جلِّ في عُلاهُ.
فالنِّعمُ ابتلاءٌ من اللهِ وامتحانٌ، يظهرُ بها شُكْرُ الشكُورِ وكُفرُ الكفورِ. كما أنَّ المحنَ منهُ سبحانه، فهو يبتلي بالنعمِ كما يبتلي بالمصائبِ قال تعالى: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر:15-16]، أي ليس كلُّ منْ وسَّعْتُ عليهِ وأكرمتُه ونعَّمتُه، يكونُ ذلك إكراماً مني له، ولا كلُّ منْ ضيَّقتُ عليهِ رزقه وابتليتُه، يكونُ إهانةً مني له.
الكنوزُ الباقيةُ: إنَّ المواهب الجزيلة والعطايا الجليلة، هي الكنوزُ الباقيةُ لأصحابها، الراحلةُ معهمْ إلى دارِ المقامِ، من الإسلامِ والإيمانِ والإحسانِ والبر والتقُّى والهجرةِ والجهادِ والتوبة والإنابةِ: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177].
المقال السابق
المقال التالى