الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم وبعد:
فهذه رسالتي التى بين أيديكم وهى بعنوان: (شذوذ الأنام عن هدى خير الأنام) وما دفعنى للكتابة هو ما رأيته من اختلاط الأفكار لدى العوام مما يسمعونه ممن هم مفترض فيهم أنهم من الخواص، فأصبحنا نجد تضادًا فى الآراء وليس اتساعًا فى الآراء.
وما أحوجنا إلى فهم ديننا الحنيف، الفهم الذى يجعلنا نلتزم به قلبًا وقالبًا وليس شكلاً فقط فارغًا من أي مضمون. إن نظرنا بفهم جيد فيما تضمنته شريعة الإسلام، نجد أنها الشريعة الوسط التي تنحرف عن أي ميل أو زيغ {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة من الآية:143]، والوسطية هنا هى: النقطة التى بين طرفين، فديننا ليس هو التطرف والغلو فى فهم النصوص وحمل التأويل على أشد الآراء «بلغَهُ أنَّ رِجالًا يقولُ أحدُهم: أمَّا أنا فأصومُ ولا أفطرُ. ويقولُ الآخرُ: وأمَّا أنا فأقومُ ولا أنامُ. ويقولُ الآخرُ: أمَّا أنا فلا آكلُ اللَّحمَ، ويقولُ الآخرُ:أمَّا أنا فلا أتزوَّجُ النِّساءَ. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لكنِّي أصومُ وأُفطرُ، وأقومُ وأنامُ، وآكلُ اللَّحمَ، أتزوَّجُ النِّساءَ. فمَنْ رغِبَ عن سنَّتي فليس منِّي» (منهاج السنة [4/29]) وهذا هو ما يسمى بالإفراط .
وديننا ليس هو دين التفريط فيما نراه اليوم من تسيب وانحلال وفقد للقيم والأخلاق والسنن والفرائض، وهو ما يتبناه فقهاء السلطان والجاه والمال حتى أوصلونا إلى ما يسمى بالعلمانية.
وما بين هذا وذاك نجد أناسًا قد تاهوا من هذا الفكر وذاك؛ لأنهم ليس لديهم القدرة على التمييز بين الآراء وأصبح كل يتبع هواه وما تميل إليه نفسه.
على أن الفريق صاحب اتجاه التفريط: واضح أمام أي صاحب فطرة سليمة فيبتعد عنه وينكره، أما أصحاب الفريق الآخر فهؤلاء هم الأكثر تأثيرًا لدى العامة إما بالسلب أو الإيجاب؛ فقد ينجذب إليهم بعض الناس وقد ينفر البعض الآخر من الطريقة الخاطئة التى يدعون بها إلى الدين. وأكثر هؤلاء هم من الصبية الذين يمرون بمرحلة المراهقة؛ وهى مرحلة تقلب فى الأمزجة والأفكار وهى مرحلة حب إظهار الذات وإثبات الوجود بأي شكل حتى وإن ظهر بمظهر العالم المخالف للآخرين، وأخطر ما في الأمر عندما يصل هذا الفهم بهؤلاء الصبية إلى أنه يبدع كل من قصر فى سنة من السنن أو أخذ برأي فى مسألة محل اجتهاد.
وبدلاً من أن ينشغل هؤلاء بتلقي العلم فى هذه المرحلة العمرية (التى تتسم بسرعة الحفظ) نجد منهم من اقتصر على إطلاق اللحية وتقصير الثياب وغطاء الرأس، وبدأ يحارب كل من لم يفعل هذه الأمور الشكلية وأضاع مجهودًا كبيرًا كان من الأجدى أن يوجهه إلى فاعلي نواقض الإسلام أو تاركي الصلاة أو المفطرين فى شهر رمضان، ومن لم ترتدي الحجاب أو رواد المقاهي والمخدرات.
وهؤلاء لم يميزوا بين المرحلة التى نعيشها، سواء من حيث الزمان أو المكان أو فئة الناس الذين نحن معهم وهل نحن فى دولة تمكين للدين فيها فننطلق للدعوة إلى المستحبات والسنن والنوافل أم أننا فى مرحلة غربة شديدة تحتاج أشد ما تحتاج إلى الوحدة بين الصف المسلم الذى يحارب من جميع الجهات من عدو خارجي ومن عدو داخلي كلهم اجتمعوا على تفريق المسلمين وإبادتهم؟ ما أحوجنا إلى معرفة الهدف الصحيح لتحقيقه فى المكان الصحيح والزمان الصحيح.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم.
المقال السابق
المقال التالى