قضى اللهُ عز وجل أن يجعل الناس درجات متفاوتة في الدنيا؛ ففيهم الحاكم والمحكوم، وفيهم السَّيِّد والخادم، وفيهم القوي والضعيف، وهكذا يستطيع بعضهم أن يُسَخِّر الآخرين في الأعمال، فينصلح حال الأرض بذلك، وقد قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32]، وهذا الرفع للبعض ليس محاباة لهم؛ إنما هو ابتلاءٌ واختبار، فقد قال تعالى: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [الأنعام: 165]؛ ومن هنا فعلى الأغنياء والأسياد أن يعلموا أن الله يختبرهم في خُدَّامهم؛ فالخادم أضعف من أن يردَّ على سيِّده، ومن الناحية الأخرى فالخادم كثير العمل، وبالتالي فيمكن أن يكون كثير الخطأ؛ لذا لزم على السَّيِّد أن يكون كثير العفو عنه؛ لأنه لو عاقبه على كل خطأ -ولو بالكلمات أو النظرات- فقد يظلُّ الخادم تعيسًا أبد دهره؛ لذا كان من السُّنَّة النبوية العفو عن الخادم، وعدم الوقوف مع كل أخطائه؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمْ أَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمْ أَعْفُو عَنِ الخَادِمِ؟ فَقَالَ: «كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً».
والخادم لن يخطأ في اليوم -على الأغلب- سبعين مرَّة، فمعنى هذا دوام العفو عنه، وقد روى مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: «خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ، وَاللهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟».
فليكن هذا سلوكنا مع الخدم في البيوت، ومع حُرَّاسها، وهم في النهاية أخوة لنا؛ وقد قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وهو يصف الخدم -وذلك كما روى البخاري عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه-: «.. هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ..».
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المقال السابق
المقال التالى