مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثيرًا ما يُثْنِي على أصحابه ويمدحهم؛ فإنه أمرنا بالحذر من مدح الناس؛ خاصة في وجودهم؛ لأن الإكثار من المدح قد يُؤَدِّي إلى إصابة الممدوح بالعُجب، كما أنه قد يُقَال من باب النفاق والتزلُّف للناس؛ لهذا كان من السُّنَّة الامتناع عن المدح إلا عند الضرورة، والتقليل منه إذا حدث، والحرص على عدم الكذب فيه أو المبالغة، وقد روى مسلم عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، قَالَ: قَامَ رَجُلٌ يُثْنِي عَلَى أَمِيرٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ، فَجَعَلَ الْمِقْدَادُ رضي الله عنه يَحْثِي عَلَيْهِ التُّرَابَ، وَقَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ نَحْثِيَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ».
وروى البخاري عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «وَيْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيكَ -ثَلاَثًا- مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلاَنًا، وَاللَّهُ حَسِيبُهُ، وَلاَ أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ».
وروى البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي مَدْحِهِ، فَقَالَ: «أَهْلَكْتُمْ -أَوْ قَطَعْتُمْ- ظَهَرَ الرَّجُلِ».
فلنحرص على عدم فتنة الناس بمدحهم في وجوههم، ولو فعلنا لذلك فلنلتزم بالآداب النبوية في المدح، ومنها الصدق في المدح، وعدم المبالغة، ومعرفة أن هذا المدح لا يُؤَثِّر على تقوى الممدوح.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المقال السابق
المقال التالى