من الأخلاق القبيحة المنتشرة في كثير من الأوساط سوء معاملة الخدم والعمال، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى الضرب والتعذيب، وإن هذا لأمر منكر جدًّا في الإسلام، وكان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن التعرُّض بأي إيذاء للخدم والأرقاء والضعفاء بشكل عامٍّ؛ وقد روى مسلم عَنْ زَاذَانَ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما وَقَدْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا، قَالَ: فَأَخَذَ مِنَ الأَرْضِ عُودًا أَوْ شَيْئًا، فَقَالَ: مَا فِيهِ مِنَ الأَجْرِ مَا يَسْوَى هَذَا؛ إِلاَّ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ، أَوْ ضَرَبَهُ، فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ".
ففي هذا الموقف نجد أن ابن عمر رضي الله عنهما لا يحتسب في عتق هذا العبد أيَّ أجرٍ، وذلك لأنه لطمه، فكان لزامًا عليه أن يعتقه تكفيرًا عن الذنب الكبير الذي وقع فيه، ولم يكن هذا العتق بذلك تفضُّلاً ولا مِنَّة؛ إنما كان إنقاذًا للنفس من عقاب الله عز وجل، وقد تكرَّر الموقف نفسه مع أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه؛ فقد روى مسلم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَمًا لِي، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا: "اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ". فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ. فَقَالَ: "أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ"، أَوْ "لَمَسَّتْكَ النَّارُ".
وروى مسلم عَنْ هِلاَلِ بْنِ يَسَافٍ، قَالَ: عَجِلَ شَيْخٌ فَلَطَمَ خَادِمًا لَهُ، فَقَالَ لَهُ سُوَيْدُ بْنُ مُقَرِّنٍ رضي الله عنه: عَجَزَ عَلَيْكَ إِلاَّ حُرُّ وَجْهِهَا، "لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مِنْ بَنِي مُقَرِّنٍ مَا لَنَا خَادِمٌ إِلاَّ وَاحِدَةٌ، لَطَمَهَا أَصْغَرُنَا، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُعْتِقَهَا".
فلْيرحم كلٌّ منَّا خادمه، ولْيعلم أنه كما ابتُلِي الخادمُ بخدمة الآخرين ابتُلِي القادرون بالإحسان إليه.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المقال السابق
المقال التالى