هو نعيم بن مسعود بن عامر يكنى أبا سلمة الأشجعى

وكان صاحب صبوة، وخدين متعةن كان ينشدهما أكثر ما ينشدهما عند يهود يثرب فكان كلما تاقت نفسه لقينة أو هفا بسمعة لوتر شد رحاله من منازل قومة في نجد ويمم وجهه شطر المدينة حيث يبذل المال ليهودها بسخا ليبذلوا له المتعة بسخاء.

ولما أكرم الله الإنسانية بإرسال رسوله (صلى الله عليه وسلم) بدين الحق والهدى كان نعيم بن مسعود مرخيا للنفس عنانها فأعرض عن الدين الجديد إعراضا شديدا خوفا من أن يحول دونه ودون متعه ولذاته.

قصة إسلامه:

خرجت غطفان من نجد بعدتها وعديدها بقيادة عيينة بن حصن الغطفانى وكان في طليعة رجال غطفان نعيم بن مسعود

وفى أرض المعركة تسلل نعيم بن مسعود من معسكر قومة تحت جنح الظلام ومضى يحث الخطى إلى رسول الله فلما رآه الرسول ماثلا أمامه قال: نعيم بن مسعود، قال: نعم قال: ما الذي جاء بك قال: جئت لأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبد الله ورسوله، وأن ما جئت به الحق.

وكان نعيم (رضي الله عنه) يتميز بصفات جليلة قلما تتوفر في رجال غير صحابة رسول الله (صلي الله عليه وسلم) ومن هذه الصفات الفطنة والذكاء، وقد استطاع أن يوقع الخلاف بين الحيين قريظة وغطفان في وقعة الخندق، فخالف بعضهم بعضا، ورحل الأحزاب عن المدينة.

وكانت تربية الرسول صلى الله عليه وسلم سببا في تحويل حياة نعيم بن مسعود من حياة المجون والعبث والخلاعة إلى حياة الجد والعمل لدرجة أن يصبح هو حامل لواء غطفان يوم فتح مكة، ومعروف أنه لا يأخذ الراية إلا من يأخذها بحقها، ويكون على أتم الاستعداد أن يضحى بحياته من أجلها.

من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:

عندما أراد أبو سفيان بن حرب أن ينصرف يوم أحد نادى بيننا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول نلتقي بها فنقتتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب قل نعم إن شاء الله فافترق الناس على ذلك ثم رجعت قريش فخبروا من قبلهم بالموعد وتهيؤوا للخروج فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج وقدم نعيم بن مسعود الأشجعي مكة فقال له أبو سفيان إني قد واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقي ببدر وقد جاء ذلك الوقت وهذا عام جدب وإنما يصلحنا عام خصب غيداق وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج فيجتريء علينا فنجعل لك عشرين فريضة يضمنها لك سهيل بن عمرو على أن تقدم المدينة فتخذل أصحاب محمد قال نعم ففعلوا وحملوه على بعير فأسرع السير فقدم المدينة فأخبرهم بجمع أبي سفيان لهم وما معه من العدة والسلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد فنصر الله المسلمين وأذهب عنهم الرعب واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن رواحة وحمل لواءه علي بن أبي طالب وسار في المسلمين وهم ألف وخمسمائة وكانت الخيل عشرة أفراس وخرجوا ببضائع له.(1)

موقفه المشهود في غزوة الأحزاب:

ومن مواقفه مع الرسول بعد إسلامه كان له موقف مشرف سوف يظل التاريخ يذكره لهذا الصحابي الجليل في غزوة الأحزاب، وكان هذا الموقف أحد أسباب النصر علي قريش وحلفائها فنعيم بن مسعود الغطفاني أتى رسول الله فأسلم. وقال: إن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت يا رسول الله. قال إنما أنت فينا رجل واحد فاخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة

فأتى قريظة - وكان نديما لهم في الجاهلية - فقال لهم: قد عرفتم ودي إياكم. قالوا صدقت. قال: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم به أموالكم وأولادكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم فلا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه فقالو: لقد أشرت بالرأي.

ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان ومن معه: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقا أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموه علي. قالو: نفعل. قال: تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد: وأرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين قريش وغطفان رجلا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم. فأرسل إليهم: نعم. فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون رهنا منكم من رجالكم فلا تفعلوا.

ثم خرج فأتى غطفان فقال: يا معشر غطفان أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني. قالو: صدقت ما أنت عندنا بمتهم قال: فاكتموا عني. قالو: نفعل. ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم.

فلما كانت ليلة السبت من شوال وكان من صنع الله لرسوله أنه أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقالو: إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمد. فأرسلوا إليهم أن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا وقد كان بعضنا أحدث فيه حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك.

فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان: والله لقد حدثكم نعمي بن مسعود بحق. فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله ما ندفع إليكم رجلا من رجالنا فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا.

فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم لحق ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوه. وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم. فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهن. فأبوا عليهم. وخذل الله بينهم.(2)

ودعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أصحابه وصفهم صفوفا يوم حنين ووضع الرايات والألوية في أهلها فسمى حامليها وقال وكان في أشجع رايتان واحدة مع نعيم بن مسعود والأخرى مع معقل بن سنان.

وروي نعيم بن مسعود عن رسول الله ( صلي الله عليه وسلم )

قال نعيم بن مسعود قال رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) "لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا كلهم يزعم أنه نبي"(3)

الوفاة:

سكن نعيم بن مسعود المدينة ومات في خلافة عثمان وروى عنه ابنه سلمة ابن نعيم. وقيل: بل قتل ابن مسعود في الجمل الأول قبل قدوم علي مع مجاشع بن مسعود السلمي وحكيم بن جبلة.(4)

المصادر:

1- الطبقات الكبرى [ جزء 2 - صفحة 59 ]

2- تاريخ الإسلام [ جزء 1 - صفحة 241 ]

3- كنز العمال [ جزء 14 - صفحة 221 ]

4- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 476 ]