يمر بكل مسلم مواقف صعبة في حياته عندما يتمسك بكلمة الحق وأداء الأمانة ويزداد صعوبة الموقف عندما يجد أن المناخ العام حوله ضده لأسباب متنوعة فيهتز البعض في تمسكه بالحق وأحياناً ينقلب البعض على نفسه ولايبقى غير قلة قليلة تتمسك بالحق يصدق فيهم قول النبى صلى الله عليه وسلم: «يأتي زمان على أمتي القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر».
و الغالب أن الإنسان بطبعه البشري ينظر إلى القوة الظاهرة للباطل والظلم وغالبًا ما يتوقف صاحب الحق يفكر في مآلات تمسكه بالحق إذا كان غالب من حوله ضده.
وللمسلم في ذكرى الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة المنورة دروس كثيرة وعبر لاتحصى تحتاج إلى مجلدات لشرحها ولكني أتوقف مع إشارة من درس مهم جداً يحتاجه كل مسلم في زمننا هذا في عمله وعلاقاته وحياته.
ألا وهو معية الله لعبده عندما يلتزم بالحق وما أمرالله به.
وقد وضح القرآن الكريم هذه المعية بألفاظ واضحة بدأت بتبيان موقف الغالبية وقتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوة الحق ومؤامراتهم من القتل إلى النفى إلى الأسر.
وذلك فى قول الحق: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
ثم كانت الهجرة من مكة والقوم كلهم يجتمعون للفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه ويتتبعونهم في كل مكان حتى دخلا غار ثور وهنا تتحرك النفس البشرية فيقول أبو بكر: يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما» .
الله أكبر، اثنين، رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق، وكفار قريش يطاردونهم بكل أسلحتهم ولكن هيهات أن ينالوا منهم فالله معهم رب السموات والأرض معهم مالك الملك معهم فماذا يضرهم كيد العبيد؟
وهنا تنصرف الغالبية الحاقدة على الحق مدحورة وينتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم و تنزل الآيات: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40]، ما أجمل أن الله معنا في المحنة والشدة وما أسعد من تمسك بها فلن يُخيب الله رجاؤه أبداً.
ولكن هل هذه المعية العظيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق فقط لا إنما هي لكل مؤمن تقي صابر صادق فالآيات نزلت: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل: 128] وإن الله مع الصابرين، فالله سبحانه وتعالى ماكان ليترك عبده أبداً طالماً أنه في حالة العبودية له وحده سبحانه وتعالى.
والمتمسك بالحق فى حالة عبودية لأن الله هو الحق وأمرنا بالحق ولايضيع الله صاحب حق أبداً حتى وإن اشتدت عليه المحنة فالله لن يضيعه فقد خرج النبي محمد صلى الله عليه وسلم من بلده ووطنه مكة، وهى أحب البلاد إليه امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى ولم يتركه أعداء الحق فحاولو النيل منه بكل الطرق وأحاطوا به ولكنه خرج من بين أيديهم سالماً منتصراً بفضل الله.
ويبقى أن صاحب الحق فى كل مكان وزمان دائماً منتصر حتى ولو لم يمتثل الناس للحق فيكفيه أن انتصر على نفسه وثبت على الحق وذلك أكبر انتصار في زمن انقلب فيه الباطل بالفتنة إلى حق وانقلب فيه الحق بالفتنة إلى باطل ومن اللافت في أيامنا هذه أن طواغيت الباطل يصنعون لأنفسهم انتصارات زائفة بالظلم والطغيان والتزييف كي يقنعوا من حولهم أنهم منتصرون رغم أنهم يعلمون حقيقة فشلهم وأن المنتصر هو الثابت على الحق لا الذى باع الحق.
وأخيراً ما أعظم هجرة النبي الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فلو أراد الله أن يحمله ملك من الملائكة من مكة إلى المدينة لحمله بأسرع مما لايتخيله إنسان ولكن الله أعطانا درس عظيم على يد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بتحمله المشاق والمحن والتعب والسفر أيام وليالي من مكة إلى المدينة في الصحراء القاحلة حتى وصل المدينة لنتعلم نحن الصبر على الحق حتى نصل إلى الجنة.
المقال السابق
المقال التالى