غزوة أحد زمنها في منتصف شوال من السنة الثالثة للهجرة، مكانها سفح جبل أحد الذي يقع في الشمال من المدينة.
لم تهدأ قريش ولم ترتح بعد هزيمتها في بدر. لأن الهزيمة التي لحقت بهم في بدر كانت قاسية جدا عليهم، وعقدوا العزم على الانتقام من محمد وأصحابه، وأقسم أبو سفيان ألا يترك الماء يمس جسده ما لم يثأر لأهله الذين قضى عليهم أبطال الإسلام في بدر، وتمكن في خلال عام أن يجمع من قريش وحلفائها من ثقيف وقبائل كنانة وأهل تهامة والأحابيش (أي غير العرب الذين تحبشوا أي تجمعوا) حوالي ثلاثة آلاف مقاتل بينهم سبعمائة دارع ومائتي فرس وثلاثة آلاف بعير. وخرج معهم سبع عشرة امرأة تقودهن هند بنت عتبة زوج أبي سفيان، ومعهن الدفوف والطبول لتحريض الرجال على القتال والثأر لقتلى بدر.
وكانت قوات المشركين قد تجمعت في أكمة (عينين) قرب جبل أحد شمال المدينة، وجعلوا خالد بن الوليد على الميمنة وعكرمة بن أبي جهل على الميسرة، ودفعوا اللواء الأكبر إلى عبد العزي طلحة بن طلحة. ولما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم بقدوم هذا الجيش استشار أصحابه فيما يفعل، فأشار الشبان ومن لم يحضر بدرا عليه بالخروج لملاقاة جيش الأعداء، وأشار بعض الصحابة أن يتحصن المسلمون بالمدينة وأن يتولوا الدفاع عنها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يميل إلى هذا الاتجاه لكن الاتجاه الأول حظي بتأييد أغلب المسلمين، وعلى هذا خرج الرسول صلى الله عليه وسلم على رأس ألف من أصحابه ثم انسحب منهم ثلاثمائة يقودهم زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، فبقي مع النبي صلى الله عليه وسلم سبعمائة رجل، اختار منهم خمسين راميا بقيادة عبد الله بن جبير وأوقفهم على الجبل لحماية ظهر المسلمين من خالد بن الوليد وأتباعه.
وبدأت المعركة بالمبارزة كالعادة فخرج من قريش طلحة بن أبي طلحة فبرز له علي فقتله، فتبعه أخوه عثمان فصرعه حمزة، فخرج أخوهما أسعد فقتله علي فتقدم الأخ الرابع مسافع فصرعه عاصم بن ثابت، ثم التقى الطرفان حيث أبلى المسلمون بلاءا حسنا وخاصة أبو دجانة سماك بن خرشة وعلي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب الذي اعتبرته قريش عدوها الأول فحملته دم معظم قتلى بدر، وكانت هند بنت عتبة وعدت العبد الحبشي وحشي بالعتق من الرق إن هو قتل حمزة وفعلا تمكن من قتله لمهارته في رمي السهام ومع ذلك انتصر المسلمون وهم قلة وتقهقر المشركون وهم كثرة. ثم تحول سير المعركة لصالح المشركين الذين انتهزوا فرصة انشغال المسلمين بجمع الغنائم، وخاصة الرماة الذين خالفوا أوامر النبي صلى الله عليه وسلم فتركوا مواقعهم طمعا في المشاركة بجمع الغنائم، وبقي عبد الله بن جبير ومعه عشرة رماة فقط.
فالتف خالد بن الوليد عليهم من وراء الجبل وقتلهم جميعا، وانكشف المسلمون فأصابهم العدو وكانت محنة كبيرة أصيب فيها النبي صلى الله عليه وسلم في فكه وفمه. وازداد الأمر صعوبة لما شاع مقتل النبي صلى الله عليه في المعركة فانسحب بعض المسلمين إلى المدينة وتشتت البعض الآخر في ميدان المعركة. ولكن كعب بن مالك صاح بأعلى صوته: "يا معشر المسلمين، ابشروا هذا رسول الله".
فاندفع المسلمين فرحين بالنبأ السار، وكانت المعركة توشك أن تكون لصالح المشركين لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجاله بالتجمع في موضع معين في أعلى جبل أحد، حتى لا ينفرد بهم المشركون ويقضون عليهم نهائيا، فلم يستطع المشركون الالتفاف حولهم وكان التعب قد أنهكهم. وأيقن أبو سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل في المعركة فنادى المسلمين "يوم بيوم، والموعد العام المقبل ببدر" فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقول: "نعم هو بيننا وبينكم موعد".
وهكذا توقف القتال، وانسحب المشركون من المعركة مكتفين بهذا النصر المؤقت بعد أن قتل منهم ثلاثة وعشرين رجلا فقط، وقد مثلت قريش بقتلى المسلمين بطريقة وحشية فيها جدع الأنوف وقطع الآذان وبقر البطون. وكانت ذروة الانتقام ما أقدمت به هند بنت عتبة والتي اندفعت في حقد وكراهية، وبقرت بطن حمزة بن عبد المطلب، وقيل أن وحشي بقر بطنه، و أخرجت كبده تلوكها بأسنانها ولفظتها. وأسفرت موقعة أحد عن هزيمة مؤقتة للمسلمين الذين عادوا إلى المدينة بعد أن فقدوا أكثر من سبعين شهيدا دفنوا في أرض المعركة، منهم حمزة بن عبد المطلب، عبد الله بن جحش، مصعب بن عمير، أوس بن منذر، أياس بن أوس، سعد بن الربيع، وغيرهم من خيرة الصحابة رضوان الله عليهم جميعا.
وفي طريق العودة، وعند الروحاء على بعد 70 كلم، أدرك المشركون الخطأ الكبير الذي وقعوا فيه، فقد كان يتوجب عليهم قطف ثمرة الانتصار بالقضاء نهائيا على المسلمين، لذلك قرروا العودة وأخذ المسلمين على حين غرة وهم يبكون قتلاهم.
لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد فطن لما يقومون به، وكان أذكى منهم وأسرع ففي اليوم التالي عمد إلى تظاهرة عسكرية وصلت إلى بعد حوالي عشرة كيلومترات من المدينة فأوهم المشركين بخروجه للثأر من وقعة أحد. لذلك عدلوا عن قرارهم وعادوا إلى مكة المكرمة بعد أن إنتظرهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ورجع إلى المدينة بعد أن رفع معنويات المسلمين. وقد استفاد المسلمون درسا من هذه الهزيمة فتعلموا أهمية طاعة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، ولن ينتصر أبدا من أراد ابتغاء عرض الدنيا.
وبعد عام على الهزيمة خرج النبي صلى الله عليه وسلم في المسلمين ونزل بدر في شعبان /4 هـ - 626 م لملاقاة المشركين بقيادة أبي سفيان حسب الموعد بينهما. لكن أبا سفيان خاف وجبن بعد مسيرة يومين وتراجع بجيش فيه أكثر من ألفي رجل إلى مكة المكرمة فانتظرهم المسلمون ثمانية أيام ثم رجعوا إلى المدينة وقد ارتفعت معنوياتهم في بدر الثانية التي محت آثار هزيمة أحد.
المقال السابق
المقال التالى