عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

تحت قسم انصر نبيك
الكاتب حسان العماري
تاريخ الاضافة 2012-09-27 13:47:40
المشاهدات 1507
أرسل الى صديق اطبع حمل المقال بصيغة وورد ساهم فى دعم الموقع Bookmark and Share

   


الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه يليق بجلاله وعظمته، اللهم لك الحمد أنت أحق من ذُكر وأحقّ من عبِد، لك الحمد أنت أجود من سئِل وأوسع من أعطى وأرأف من ملَك، أنت المليك لا شريك لك، أنت الفرد الذي لا ندّ لك، كلّ شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصَى إلا بعلمك، تُطاع فتشكر، وتُعصى فتغفِر، القلوب لك مُفضية، والسرّ عندك علانية، والحلال ما أحللت، والحرام ما حرّمت، والدين ما شرعت، والأمر أمرك، والخلق خلقك، ونحن عبيدك بنو إمائك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرا إلى يوم الدين.

أمَّا بَعْد:

عباد الله:

إن من أسس العقيدة الإسلامية التي يجب أن يتربى عليها المسلم ويعتقد ويؤمن بها..الإيمان بجميع الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام إيماناً راسخاً ثابتاً لا يتزعزع، وقد وصف القرآن الكريم إيمان المؤمنين بقوله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285].

ويجب على المؤمن عدم التفريق بين الرسل أو بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهو يؤمن بهم جميعاً دون تفريق.

والله سبحانه وتعالى يأمر نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ويأمرنا معه بذلك في كتابه العزيز: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:84].

والنبوة فضل واختيار إلٰهي، وهي هبة ربانية يهبها لمن يشاء وهي اصطفاء من الله تبارك وتعالى لأفضل خلقه وصفوة عباده، فيختارهم الله لحمل الرسالة ويصطفيهم من بين سائر البشر، قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج:75].

والحكمة من إرسال الأنبياء والرسل جميعاً واحد وهو توحيد الله ودلالة الخلق عليه، ونشر الطمأنينة والسكينة بين الشعوب وإرساء قواعد الحق والعدل والخير والكرامة لهذا الإنسان الذي أستعبده الشيطان أو تعرض للظلم والقهر من أخيه الإنسان، أو استعبدته الشهوات والشبهات، ثم بعد ذلك دلالة الناس إلى اليوم الآخر وبيان أن هذه الدنيا ليست بدار مقر وإقامة فتصحح الاعتقادات وتزداد الطاعات وتستقيم السلوكيات والمعاملات.

قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل:36]

وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم:5].

وقال تعالى في شأن خاتم الأنبياء والرسل عليه السلام: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب:45-46].

وورد في الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدلّ أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم» [من حديث طويل رواه مسلم].

عباد الله:

ومن رحمة الله بنا أن بعث فينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمرنا بالإيمان به وتصديقه وإتباعه، والإقتداء به والانتصار له ومحبته وتقديمه على النفس والمال والولد، فعلى يديه كمل الدين، وبه ختمت الرسالات صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164].

وقال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128].

حريصُ عليكم -يا عباد الله- رحيمُ بكم مشفقُ عليكم يتمنى سعادتكم وراحتكم فهل بعد ذلك يقابل بالبعد والجفاء وبعدم الإقتداء به والسير على سنته؟

إن الإيمان ينفث في قلب المؤمن حب هذا الرسول صلى الله عليه وسلم وإتباعه لأن أثر ذلك سيكون على الفرد والمجتمع والأمة عظيماً وواضحاً وجلياً فلا سعادة للفرد ولا حياة للمجتمع ولا عزة لهذه الأمة إلا بالتسليم لشرعه والإقتداء به، قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69].

قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].

وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النور:54].

وهل محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلا من محبة الله تعالى؟! وهل طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا من طاعة الله عز وجل؟!

{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31].

كما جعل سبحانه التسليم لمنهجه وسنته وحكمه دلالة وعلامة على الإيمان الحق الصادق: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65].

وجاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: عن نبي الهدى صلى الله عليه وسلم قال: «فو الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده». لذلك أدرك الصحابة وأدركت الأمة على فترات من تاريخها فضل الرسول صلى الله عليه وسلم عليها بل، وعلى العالم كله وجنت ثمار محبته في الدنيا سعادة ً وراحة ويقين وعزة ونصر، وتمكين ويوم القيامة لن يكون جزائها وثوابها إلا الجنة إن صدقت في ذلك قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً} [الفتح:من الآية:17].

واسمع إن شئت لما رواه البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي».

إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست مجرد كلمات ومدائح تلقى من فترة لأخرى بل هي عمل واستقامة واقتداء وبذل وتضحية لهذاالدين، وهي كذلك محبة وشوق وحنين وحب لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أحبه وحن إليه كل شيء حتى الحجر والشجر والصخر والحصى والطير والحيوان...

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة فقالت امرأة من الأنصار أو رجل: يا رسول الله ألا نجعل لك منبراً؟ قال: «إن شئتم»، فجعلوا له منبرا فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمها إليه تئن أنين الصبي الذي يسكن قال كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها" [رواه البخاري].

وزاد في سنن الدارمي بسند صحيح قال: «أما و الذي نفس محمد بيده لو لم التزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة حزناً على رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فأمر به فدفن.. وعن أنس رضي الله عنه قال صعد النبي صلى الله عليه وسلم جبل أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فرجف بهم الجبل، فقال: «اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان» [رواه البخاري].

قال بعض العلماء.. إنما اهتز فرحاً و طرباً و شوقاً للقاء رسول صلى الله عليه وسلم و صحبه.. وانظروا إلى هذا الحب وهذا الشوق من صحابته رضي الله عنهم أجمعين..

وروى الطبراني عن عائشة رضي الله عنها قالت: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فاذكرك فما اصبر حتى أتي فأنظر إليك و إذا ذكرت موتي و موتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين و أني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى نزل جبريل عليه السلم بهذه الآية: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69] [قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح إلا عبد الله بن عمران و هو ثقة].

وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أطلب سعد بن الربيع فقال لي إن رأيته فأقرئه مني السلام وقل له يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف تجدك؟» قال فجعلت أطوف بين القتلى فأتيته وهو بآخر رمق وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم فقلت يا سعد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك أخبرني كيف يجدك؟ فقال وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام قل له يا رسول الله أجد ريح الجنة. وقل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله أن يخلص إلى رسول صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف، وفاضت روحه من وقته" [رواه البخاري].

لقد أحبه الصحابة وتمنوا حتى تقبيله ومس جسده وهم في أحلك الظروف وأصعب الأزمات روى ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر وفي يده قدح يعدل به القوم فمر بسواد بن غزية حليف بني علي ابن النجار وهو مستنتل من الصف فطعن في بطنه بالقدح وقال استو يا سواد فقال يا رسول الله: "أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فاقدني" فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقال: «استقد»، قال: "فاعتنقه فقبل بطنه"، فقال: «ما حملك على هذا يا سواد؟»قال: "يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك"، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير" [رواه ابن إسحاق وقال الهيثمي في المجمع رواه الطبراني ورجاله ثقات].

عباد الله:

لماذا كل هذا الحب؟ سؤال يطرح نفسه ولكن لماذا نستغرب أو لماذا نندهش؟ فهو رجل كل شيء في الكون يحبه، السماء بمن فيها والأرض بمن عليها كل يحبه ويشتاق إليه فما أعظمه من رجل وما أجله من نبي وما أعزه من رسول صلى الله عليه وسلم هدى الله به من الظلالة وبصر به من العمى برسالة سعدت البشرية وظهر العدل واختفى الظلم وعرف الإنسان غايته وهدفه ومصيره..

كأن الثريا علقت في جبينه *** وفي جيده الشِّعرى وفي وجهه القمرُ
عليه جلال المجد لو أن وجهه *** أضاء بليلٍ هلَّل البدو والحضرُ


وإن من مقتضيات هذا الحب أيضا أن يكثر المسلم من ذكره والصلاة والسلام عليه وأن يتمني رؤيته والشوق إلى لقائه وسؤال الله اللحاق به على الإيمان، وأن يجمع بينه وبين حبيبه في مستقر رحمته. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأنه سيوجد في هذه الأمة من يودّ رؤيته بكل ما يملكون فأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أشد أمتي لي حباً، ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله».

وروى أحمد عن أنس بن مالك قال: قال صلى الله عليه وسلم: «يقدم عليكم غداً أقوام هم أرق قلوباً للإسلام منكم» قال: فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى الأشعري، فلما دنو من المدينة جعلوا يرتجزون يقولون: "غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه فلما أن قدموا تصافحوا فكانوا هم أول من أحدث المصافحة".

وانظروا إلى هذا الحب عباد الله.. عن أنس رضي الله عنه قال: "دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال عندنا -أي: نام عند الظهر نوم القيلولة- فعرق عليه الصلاة والسلام في نومه، فجاءت أُمّي صحابية تحب الرسول صلى الله عليه وسلم فجاءت أُمّي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها -تأخذ من عرق جبين الرسول وتضعه في القارورة- فاستيقظ الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟» قالت: "هذا عرقك، نجعله في طيبنا، وإنه أطيب الطيب" لأن عرق الرسول صلى الله عليه وسلم كان أطيب من جميع أنواع الطيب، كان له رائحة مثل رائحة المسك وأشد من رائحة المسك. [هذا الحديث في الصحيحين]

ومن حبهم له صلى الله عليه وسلم تفضيلهم إياه على أهليهم وذويهم بل أيضاً على أنفسهم؛ وهذا ما أمر الله به المسلمين جميعاً، أخرج الطبراني عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: "لما كان يوم أُحد حاص أهل المدينة حيصة وقالوا: قُتِل محمد، حتى كثرت الصوارخ في ناحية المدينة، فخرجت امرأة من الأنصار فاستقبلت بأبيها وابنها وزوجها وأخيها، فلما مرَّت على أحدهم قالت: "من هذا؟" قالوا: "أبوك، أخوك، زوجك، ابنك"، -وقد قتلوا جميعاً- وهي تقول: "ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم" يقولون: "أمامك"، حتى دُفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بناحية ثوبه، ثم قالت: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا أبالي إذا سلمت من عطب"...

فهل من عودة صحيحة إلى هديه والسير على منهجه؟ وهل من حب صادقاً له ولسيرته؟

قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..


الخطبة الثانية:

عباد الله:

ومن مقتضيات حب محمد صلى الله عليه وسلم الدفاع عنه والذبُّ عن سنته وهديه، والتصدي للمغرضين والمنافقين والمنهزمين والمستشرقين والمستغربين والحاقدين الذين يعملون على النيل من قدره وعرضه والتشكيك في منهاجه وسبيله.

قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِ‌مِينَ}[الفرقان:31].

وهؤلاء المجرمون لا يقتصر وجودهم على حياته، بل يتكاثرون بعد مماته، لينظر الله إلى فعل أتباعه ومدعي محبته والغيورين على هديه وسنته. إنْ تخاذلنا عن نصرة نبينا صلى الله عليه وسلم.. فإن الله ناصر نبيه.. معلٍ ذكره.. رافعٌ شأنه.. معذب الذين يؤذنه في الدنيا والآخرة.. في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: " يقول الله تعالى: «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب».. فكيف بمن عادى الأنبياء؟ يقول الله جل الله: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:61] وقال الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً} [الأحزاب:57].

إن الهجمة على رسولنا صلى الله عليه وسلم ليست من قبيل حرية الرأي والحرية الفكرية كما يقولون بل هي هجمة مبرمجة ومرتبة للنيل من الإسلام ورسول هذه الأمة وتظهر من وقت لآخر ومن بلد لآخر، تارة بصور مسيئة وتارة بكلمات وتارة بمشاهد تمثيلية وأفلام كما حدث هذه الأيام من الإساءة إليه بفلم سينمائي وما ذلك إلا لإغاضة المسلمين وزعزعت دينهم وعقيدتهم وحبهم لرسولهم ولكن هيهات أن ينالوا من عرضه وشرفه ودينه وقد عصمه الله حياً وميتاً.

وعلى المسلمين أن يُظهروا حبه والدفاع عنه باتباع دينه والالتزام بسنته والدعوة إلى هداه، ولا يمكن أن يكون الدفاع عنه بقتل المُستأمنين والمُعَاهدِين ولو كانوا يهوداً أو نصارى، أو الاعتداء على مُمتلكاتهم بالتلف والإحراق والنهب، أو زعزعت الأمن وإقلاق السكينة وتخويف الآمنين.

وليست هذه الأعمال من أخلاق المسلمين ولا يمكن أن نجرم أمم وشعوب ودول بسبب فساد بعض أبنائها وجرأتهم على رسولنا، ونستهدف كل شخص منهم بسبب هذه الحماسة والعاطفة الجياشة والتي ينبغي أن يتحكم بها الشرع والعقل، ولسنا كذلك غوغائيين حتى تكون هذه الطرق والسلوكيات الخاطئة هي التعبير السليم عن حبه صلى الله عليه وسلم.

فهناك وسائل كثيرة؛ مثل المظاهرات والاحتجاجات السلمية، وهناك دور الصحف والإذاعات، وهناك مقاطعة المنتجات، واستخدام الإنترنت والحوارات والنقاشات والتواصل مع العالم، وهناك الأعمال الدبلماسية واستدعاء السفراء، وتقديم الاحتجاجات والمطالبة بسن قوانين تُجرّم مثل هذه الأعمال، وهناك وسائل أخرى كإظهار حقائق هذا الدِّين وما قدم للبشرية ونشر سنته صلى الله عليه وسلم ودعوة المجتمع رجالاً ونساءا صغاراً وكباراً حكاماً ومحكومين للإقتداء به، وهناك وسائل فضح المتآمرين والحاقدين وتعريتهم وغير ذلك، وعلى الحكام وولاة أمور المسلمين أن يقوموا بدورهم في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شرف لهم ومنقبة عالية وعمل عظيم يَلقون به ربهم؛ وذلك بالسعي لامتلاك أسباب القوة السياسية والاقتصادية والإعلامية والعسكرية ما يدافعون بها عن دينهم وينتصرون لنبيهم.

وإن هذه الهجمة لن تقف عند هذا الحد، ولكن ما ينبغي أن نسأل أنفسنا: أين موقفنا وكيف هو التزامنا بمنهجه وسُنّته وشرعه والشوق للقائه؟ فأعلنوا للعالم حبكم لنبيكم وتمسكوا بسنته وعلموا أولادكم حبه وحب صحابته الذين يتعرضون أيضاً لهجمة خبيثة وحقد دفين لهدم الدين وأركانه، ولكن بوسائل مختلفة وطرق ملتوية.. ولكن هيهات فالحق يعلو ولا يعلى عليه والله متم نوره ولو كره الكافرون. قال تعالى: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:40].

ألا يا محب المصطفى زد صبابة *** وضمخ لسان الذكر منك بطيبه
ولا تعبأن بالمبطلين فإنما *** علامة حب الله حب حبيبه


هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].


اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
 



                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق