كأن الثريا علقت في جبينه *** وفي جيده الشِّعرى وفي وجهه القمرُ
عليه جلال المجد لو أن وجهه *** أضاء بليلٍ هلَّل البدو والحضرُ
وإن من مقتضيات هذا الحب أيضا أن يكثر المسلم من ذكره والصلاة والسلام عليه وأن يتمني رؤيته والشوق إلى لقائه وسؤال الله اللحاق به على الإيمان، وأن يجمع بينه وبين حبيبه في مستقر رحمته. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأنه سيوجد في هذه الأمة من يودّ رؤيته بكل ما يملكون فأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أشد أمتي لي حباً، ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله». وروى أحمد عن أنس بن مالك قال: قال صلى الله عليه وسلم: «يقدم عليكم غداً أقوام هم أرق قلوباً للإسلام منكم» قال: فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى الأشعري، فلما دنو من المدينة جعلوا يرتجزون يقولون: "غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه فلما أن قدموا تصافحوا فكانوا هم أول من أحدث المصافحة". وانظروا إلى هذا الحب عباد الله.. عن أنس رضي الله عنه قال: "دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال عندنا -أي: نام عند الظهر نوم القيلولة- فعرق عليه الصلاة والسلام في نومه، فجاءت أُمّي صحابية تحب الرسول صلى الله عليه وسلم فجاءت أُمّي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها -تأخذ من عرق جبين الرسول وتضعه في القارورة- فاستيقظ الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟» قالت: "هذا عرقك، نجعله في طيبنا، وإنه أطيب الطيب" لأن عرق الرسول صلى الله عليه وسلم كان أطيب من جميع أنواع الطيب، كان له رائحة مثل رائحة المسك وأشد من رائحة المسك. [هذا الحديث في الصحيحين] ومن حبهم له صلى الله عليه وسلم تفضيلهم إياه على أهليهم وذويهم بل أيضاً على أنفسهم؛ وهذا ما أمر الله به المسلمين جميعاً، أخرج الطبراني عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: "لما كان يوم أُحد حاص أهل المدينة حيصة وقالوا: قُتِل محمد، حتى كثرت الصوارخ في ناحية المدينة، فخرجت امرأة من الأنصار فاستقبلت بأبيها وابنها وزوجها وأخيها، فلما مرَّت على أحدهم قالت: "من هذا؟" قالوا: "أبوك، أخوك، زوجك، ابنك"، -وقد قتلوا جميعاً- وهي تقول: "ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم" يقولون: "أمامك"، حتى دُفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بناحية ثوبه، ثم قالت: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا أبالي إذا سلمت من عطب"... فهل من عودة صحيحة إلى هديه والسير على منهجه؟ وهل من حب صادقاً له ولسيرته؟ قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.. الخطبة الثانية: عباد الله: ومن مقتضيات حب محمد صلى الله عليه وسلم الدفاع عنه والذبُّ عن سنته وهديه، والتصدي للمغرضين والمنافقين والمنهزمين والمستشرقين والمستغربين والحاقدين الذين يعملون على النيل من قدره وعرضه والتشكيك في منهاجه وسبيله. قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ}[الفرقان:31]. وهؤلاء المجرمون لا يقتصر وجودهم على حياته، بل يتكاثرون بعد مماته، لينظر الله إلى فعل أتباعه ومدعي محبته والغيورين على هديه وسنته. إنْ تخاذلنا عن نصرة نبينا صلى الله عليه وسلم.. فإن الله ناصر نبيه.. معلٍ ذكره.. رافعٌ شأنه.. معذب الذين يؤذنه في الدنيا والآخرة.. في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: " يقول الله تعالى: «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب».. فكيف بمن عادى الأنبياء؟ يقول الله جل الله: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:61] وقال الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً} [الأحزاب:57]. إن الهجمة على رسولنا صلى الله عليه وسلم ليست من قبيل حرية الرأي والحرية الفكرية كما يقولون بل هي هجمة مبرمجة ومرتبة للنيل من الإسلام ورسول هذه الأمة وتظهر من وقت لآخر ومن بلد لآخر، تارة بصور مسيئة وتارة بكلمات وتارة بمشاهد تمثيلية وأفلام كما حدث هذه الأيام من الإساءة إليه بفلم سينمائي وما ذلك إلا لإغاضة المسلمين وزعزعت دينهم وعقيدتهم وحبهم لرسولهم ولكن هيهات أن ينالوا من عرضه وشرفه ودينه وقد عصمه الله حياً وميتاً. وعلى المسلمين أن يُظهروا حبه والدفاع عنه باتباع دينه والالتزام بسنته والدعوة إلى هداه، ولا يمكن أن يكون الدفاع عنه بقتل المُستأمنين والمُعَاهدِين ولو كانوا يهوداً أو نصارى، أو الاعتداء على مُمتلكاتهم بالتلف والإحراق والنهب، أو زعزعت الأمن وإقلاق السكينة وتخويف الآمنين. وليست هذه الأعمال من أخلاق المسلمين ولا يمكن أن نجرم أمم وشعوب ودول بسبب فساد بعض أبنائها وجرأتهم على رسولنا، ونستهدف كل شخص منهم بسبب هذه الحماسة والعاطفة الجياشة والتي ينبغي أن يتحكم بها الشرع والعقل، ولسنا كذلك غوغائيين حتى تكون هذه الطرق والسلوكيات الخاطئة هي التعبير السليم عن حبه صلى الله عليه وسلم. فهناك وسائل كثيرة؛ مثل المظاهرات والاحتجاجات السلمية، وهناك دور الصحف والإذاعات، وهناك مقاطعة المنتجات، واستخدام الإنترنت والحوارات والنقاشات والتواصل مع العالم، وهناك الأعمال الدبلماسية واستدعاء السفراء، وتقديم الاحتجاجات والمطالبة بسن قوانين تُجرّم مثل هذه الأعمال، وهناك وسائل أخرى كإظهار حقائق هذا الدِّين وما قدم للبشرية ونشر سنته صلى الله عليه وسلم ودعوة المجتمع رجالاً ونساءا صغاراً وكباراً حكاماً ومحكومين للإقتداء به، وهناك وسائل فضح المتآمرين والحاقدين وتعريتهم وغير ذلك، وعلى الحكام وولاة أمور المسلمين أن يقوموا بدورهم في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شرف لهم ومنقبة عالية وعمل عظيم يَلقون به ربهم؛ وذلك بالسعي لامتلاك أسباب القوة السياسية والاقتصادية والإعلامية والعسكرية ما يدافعون بها عن دينهم وينتصرون لنبيهم. وإن هذه الهجمة لن تقف عند هذا الحد، ولكن ما ينبغي أن نسأل أنفسنا: أين موقفنا وكيف هو التزامنا بمنهجه وسُنّته وشرعه والشوق للقائه؟ فأعلنوا للعالم حبكم لنبيكم وتمسكوا بسنته وعلموا أولادكم حبه وحب صحابته الذين يتعرضون أيضاً لهجمة خبيثة وحقد دفين لهدم الدين وأركانه، ولكن بوسائل مختلفة وطرق ملتوية.. ولكن هيهات فالحق يعلو ولا يعلى عليه والله متم نوره ولو كره الكافرون. قال تعالى: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:40].
ألا يا محب المصطفى زد صبابة *** وضمخ لسان الذكر منك بطيبه
ولا تعبأن بالمبطلين فإنما *** علامة حب الله حب حبيبه
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.