قال الشيخ ابن عثيمين: حسن الخلق في معاملة الخالق يجمع ثلاثة أمور:
- 1. تلقِّي أخبار الله تعالى بالتصديق.
- بحيث لا يقع عند الإنسان شك أو تردد في تصديق خبر الله تعالى وخبر رسوله صلى الله عله وسلم؛ لأن خبر الله سبحانه وتعالى صادر عن علم وهو أصدق القائلين كما قال تعالى عن نفسه: { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا }.
- كأخبار يوم القيامة، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أن الشمس تدنو من الخلائق يوم القيامة بقدر ميل) ، سواء كان ميل المكحلة أو ميل المسافة، هذه المسافة بين الشمس ورؤوس الخلائق قليلة، ومع ذلك فإن الناس لا يحترقون بحرّها مع أن الشمس لو تدنو الآن من الدنيا مقدار أنملة لاحترقت الدنيا، فقد يقول قائل كيف تدنو من رؤوس الخلائق يوم القيامة بهذه المسافة ثم يبقى الناس؟.
- فما هو أدب المؤمن مع ربه ونبيه تجاه هذا الحديث؟ فالأدب مع هذا الحديث أن نقبله ونصدق به، وأن لا يكون في صدورنا حرج منه، ولا ضيق، ولا تردد، وأن نعلم أن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا فهو حق.
- ولا يمكن أن نقيس أحوال الآخرة على أحوال الدنيا لوجود الفارق العظيم. فإذا كان كذلك فإن المؤمن يقبل مثل هذا الخبر بانشراح وطمأنينة ويتسع فهمه له وبأدبه مع ربه ونبيه صلى الله عليه وسلم يحسن خلقه ويسدد سعيه فالسداد في التعامل مع الأقوال والأفعال المتلقاة عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لازمه صلاح العمل وغفران الذنب
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
- 2. وتلقِّي أحكام الله بالتنفيذ والتطبيق.
- إن الأدب مع الله في المعاملة مع أحكامه أن يتلقاها الإنسان بالقبول والتنفيذ والتطبيق فلا يرد شيئًا من أحكام الله، فإذا ردّ شيئًا من أحكام الله، فهذا سوء الأدب مع الله سواء ردها منكرًا حكمها، أو ردها مستكبرًا عن العمل بها، أو ردها متهاونًا بالعمل بها، فإن ذلك مناف لحسن الأدب مع الله -عز وجل-.
- مثاله: الصلاة لا شك أنها ثقيلة على بعض الناس، وهي ثقيلة على المنافقين، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر) ، لكن الصلاة بالنسبة للمؤمن قرة عينه وراحة نفسه، فحسن الأدب مع الله -عز وجل- بالنسبة للصلاة، أن تؤديها وقلبك منشرح مطمئن وعيناك قريرتان.
- مثال آخر: الصوم لا شك أنه شاقّ على الإنسان؛ لأن الإنسان يترك فيه المألوف من طعام وشراب ونكاح، وهذا أمر شاقّ، ولكن المؤمن حسن الأدب مع ربه -عز وجل- يقبل هذا التكليف بانشراح صدر وطمأنينة، وتتسع له نفسه فتجده يصوم الأيام الحارة الطويلة وهو بذلك راضٍ منشرح الصدر؛ لأنه حسن الأدب مع ربه. أما سوء الأدب مع الله فأن يقابل مثل هذه العبادة بالضجر والكراهية ولولا أنه يخشى من أمر لا تُحمد عقباه لكان لا يلتزم بالصيام.
- 3. وتلقِّي أقدار الله بالصبر والرضا.
- مثاله: فإن أقدار الله منها ما يلائم الإنسان ومنها ما لا يلائمه، فمثلا: المرض، والفقر، والمصائب عموما لا تلائم الإنسان.
- فحسن الأدب مع الله نحو أقداره أن ترضى بما قدر الله لك، وأن تطمئن إليه، وأن تعلم أن الله سبحانه وتعالى ما قدره لك إلا لحكمة وغاية محمودة يستحق عليها الشكر، وعلى هذا فإن حسن الأدب مع الله نحو أقداره هو أن الإنسان يرضى ويستسلم ويطمئن. ولهذا امتدح الله تعالى الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون. وقال: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }.
- · فهذه ثلاث أشياء عليها مدار حسن الأدب مع الله عز وجل.اهـ بتصرف
المقال السابق
المقال التالى