5- عدم الوثوق ممن نقل الحديث أو الدليل :
فاطمة بنت قيس رضي الله عنها طلَّقها زوجها آخر ثلاث تطليقات ، فأرسل إليها وكيله بشعير نفقة لها مدة العدة ، و لكنها سخطت الشعير و أبت أن تأخذه ، فارتفعا إلى النبي صلى الله عليه و سلّم فأخبرها النبي : أنه لا نفقة لها و لا سكنى ، و ذلك لأنه أبانها ، و المبانة ليس لها نفقة و لا سكنى على زوجها إلا أن تكون حاملاً ؛ لقوله تعالى : ( وَ أُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) .
عمر رضي الله عنه ـ ناهيك عنه فضلاً و علماً ـ خفيت عليه هذه السُّنَّة ، فرأى أن لها النفقة و السكنى ، و ردَّ حديث فاطمة باحتمال أنها قد نسيت ، فقال : أنترك قول ربنا لقول امرأة لا ندري أذكرت أم نسيت ؟ ، و هذا معناه أنَّ أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لم يطمئن إلى هذا الدليل ، و هذا كما يقع لعمر و من دونه من الصحابة و من دونهم من التابعين ، يقع أيضاً لمَن بعدهم من أتباع التابعين ، و هكذا إلى يومنا هذا بل إلى يوم القيامة ، أن يكون الإنسان غير واثق من صحة الدليل . و كم رأينا من أقوال لأهل العلم فيها أحاديث يرى بعض أهل العلم أنها صحيحة فيأخذون بها ، و يراها الآخرون ضعيفة ، فلا يأخذون بها ، نظراً لعدم الوثوق بنقلها عن رسول الله صلى الله عليه و سلّم .
6- نسيان الحديث :
و جلَّ من لا ينسى ، كم من إنسان ينسى حديثًا ، بل قد ينسى آية ، رسول الله صلى الله عليه و سلّم « صلَّى ذات يوم في أصحابه فأسقط آية نسياناً » ، و كان معه أُبي بن كعب رضي الله عنه ، فلمَّا انصرف من صلاته قال : « هلا كنت ذَكَّرتنيها » ، و هو الذي ينزل عليه الوحي ، و قد قال له ربه : ( سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ مَا يَخْفَى ) الأعلى 6-7 .
و من هذا ـ أي مما يكون الحديث قد بلغ الإنسان و لكنه نسيه ـ قصة عمر بن الخطاب مع عمار بن ياسر رضي الله عنهما حينما أرسلهما رسول الله صلى الله عليه و سلّم في حاجة ، فأجنبا جميعًا عمار و عمر ؛ أما عمار فاجتهد و رأى أن طهارة التراب كطهارة الماء ، فتمرغ في الصعيد كما تمرغ الدابة ، لأجل أن يشمل بدنه التراب ، كما كان يجب أن يشمله الماء و صلَّى ، أما عمر رضي الله عنه فلم يصل ، ثم أتيا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلّم فأرشدهما إلى الصواب ، و قال لعمار : « إنَّما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا » - و ضرب بيديه الأرض مرة واحدة ، ثم مسح الشمال على اليمين ، و ظاهر كفيه ووجهه - . و كان عمار رضي الله عنه يحدث بهذا الحديث في خلافة عمر ، و فيما قبل ذلك ، و لكن عمر دعاه ذات يوم وقال له: ما هذا الحديث الذي تحدث به؟ فأخبره وقال: أما تذكر حينما بعثنا رسول الله في حاجة فأجنبنا ، فأما أنت فلم تصل ، و أما أنا فتمرغت في الصعيد ، فقال النبي صلى الله عليه و سلّم : « إنما كان يكفيك أن تقول كذا و كذا » . و لكن عمر لم يذكر ذلك و قال : اتق الله يا عمار ، فقال له عمار : إن شئت بما جعل الله عليَّ من طاعتك أن لا أُحدِّث به فعلت ، فقال له عمر : نوليك ما توليت - يعني فحدِّث به الناس - فعمر نسي أن يكون النبي صلى الله عليه و سلّم جعل التيمم في حال الجنابة كما هو في حال الحدث الأصغر ، و قد تابع عمر على ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، و حصل بينه و بين أبي موسى رضي الله عنهما مناظرة في هذا الأمر ، فأورد عليه قول عمار لعمر ، فقال ابن مسعود : ألم تر أن عمر لم يقنع بقول عمار ، فقال أبو موسى : دعنا من قول عمار ، ما تقول في هذه الآية ؟ - يعني آية المائدة - ، فلم يقل ابن مسعود شيئاً ، و لكن لا شك أن الصواب مع الجماعة الذين يقولون أن الجُنُب يتيمم ، كما أن المحدث حدثاً أصغر يتيمم ، و المقصود أنَّ الإنسان قد ينسى فيخفى عليه الحكم الشرعي ، فيقول قولاً يكون به معذوراً لكن مَن علِم الدليل فليس بمعذور . هذان سببان .
المقال السابق
المقال التالى