أضرار الخلاف :
1- الخلاف يغير القلوب و يقتل الأخوة و المحبة :
كما قال النبي صلى الله عليه و سلم ، فيما رواه مسلم عن وَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَ يَقُولُ : « اسْتَوُوا وَ لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبكُمْ ، ليليني مِنْكُم أولُوا الْأَحْلَامِ وَ النُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ » . قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ : فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلَافا . رَوَاهُ مُسلم
و في رواية أخرى ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : « لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَ النُّهَى ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَلَاثًا ، وَ إِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ » .
( هيشات الأسواق ) : أي اختلاطها و المنازعة و الخصومات و ارتفاع الأصوات و اللغط و الفتن التي فيها .
2- و الخلاف هو سبب الهلاك كما قال النبي صلى الله عليه و سلم :
وَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَجُلًا قَرَأَ وَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَقْرَأُ خِلَافَهَا ، فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَعَرَفْتُ فِي وَجهه الْكَرَاهِيَة فَقَالَ : « كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ فَلَا تَخْتَلِفُوا ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قبلكُمْ اخْتلفُوا فهلكوا » . رَوَاهُ البُخَارِيّ
الخلاف وقع بين اليهود النصارى ، فأخبرنا الله بأنَّه سبحانه من يحسم هذا الخلاف بينهم يوم القيامة ، فقال : ( وَ قَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَ قَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) .
3- و كان عمر رضي الله عنه ينهى عن الخلاف :
اختلف أُبّي بن كعب و ابن مسعود في الصلاة في الثوب الواحد ، إذ قال أُبّي : الصلاة في الثوب الواحد جميل و حسن ، و قال ابن مسعود : إنِّما كان ذلك و الثياب قليلة ، فخرج عمر مغضبًا ، فقال : اختلف رجلان من أصحاب رسول الله ممن ينظر إليه و يؤخذ عنه ، وقد صدق أُبّي و لم يال >> مافهمت الكلمة و لا عرفت أصححها ابن مسعود ، و لكني لا أسمع أحدًا يختلف فيه بعد مقامي هذا ، و إلا فعلت به كذا و كذا .
أقوال العلماء في آداب الخلاف :
و أهمها أن نفرق بين الخطأ و الإثم ، فربما يجتهد العالم و يخطأ ، فلا نتهمه بالبدعة والضلال طالما أنَّه أخذ بضوابط الاجتهاد .
و علينا أن نفرق بين الخطأ و الإثم ، قال شيخ الإسلام في الفتاوى : " و أهل الضلال يجعلون الخطأ و الإثم متلازمين ، و الذين يقولون بأن المجتهد المخطئ آثم ، فهم أتباع بشر المريسي و كثير من المعتزلة البغداديين و القدرية ؛ لأن الخطأ و الإثم عندهم متلازمة " .
و يقول أيضاً : " و من جعل كل مجتهد في طاعة أخطأ في بعض الأمور ، مذموماً معيباً ممقوتاً ، فهو مخطأ ضال مبتدع " .
و لذلك فليحذر الذين يجرحون كبار العلماء و يتهمونهم بالبدعة و الضلال ، فقد قالوا : " لحوم العلماء مسمومة ، و عادة الله في هتك أعراض منتقصيهم معلومة ، و من وقع فيهم بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب " .
و كان إبراهيم بن ادهم يقول : " كنَّا إذا رأينا الشاب يتكلم مع المشايخ في المسجد ، أيسنا من كل خير عنده " . أي : يناظرهم و يجادلهم ، فإذا كان اليهود والنصارى و البوذيون يجلون و يقدرون علمائهم إلى درجة التقديس .
و قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء رحمه الله تعالى : " و لو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مغفوراً له ، قمنا عليه و بدعناه و هجرناه ، لما سلم معنا لا ابن نصر ، و لا ابن منده، و لا من هو أكبر منهما ، والله هو هادي الخلق إلى الحق و هو أرحم الراحمين ، فنعوذ بالله من الفضاضة " .
و الله سبحانه و تعالى لم يعطِ أي إنسان عصمة من الخطأ ، « كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون » . أخرجه الترمذي و ابن ماجه و حسنه الألباني
و قال عبد الرحمن بن مهدي : " من يبرئ نفسه من الخطأ فهو مجنون " . الآداب الشرعية
و قال الإمام مالك : " و من ذا الذي لا يخطئ " . الآداب الشرعية
و أحيانًا ينخدع الناس في بعض أهل الدين من رواد المساجد ، فيظنونه عالمًا و يستفتونه ، و نريد أن نفرق بين العالم والعابد أو بين الواعظ و العابد .
و قد فرق العلماء بين العالم و العابد ، يقول ربيعة بن عبد الرحمن: " إن من إخواننا من نرجو بركة دعائه ، و لو شهد عندنا بشهادة ما قبلناها " . الآداب الشرعية - ابن فلح
و قال أبو الزناد : " أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم شيء من الحديث ، يقال: ليسوا من أهله " . صحيح مسلم بشرح النووي
قال عبد الله بن المبارك : قلت لسفيان الثوري : " إن عبَّاد بن كثير من تعرف حاله ، و إذا حدَّث جاء بأمر عظيم ، فترى أقول للناس : لا تأخذوا عنه ؟ ، قال سفيان : بلى. قال عبد الله : فكنت ، إذا كنت في مجلس ذُكِر فيه عباد ، أثنيت عليه في دينه ، و أقول: لا تأخذوا عنه " . صحيح مسلم بشرح النووي