عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

 

وفاة أبو طالب، وتجرء الناس على النبي صلى الله عليه وسلم
 
إنك لا تهدي من أحببت ..
 
عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ  :
 
أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ :
 
"أَيْ عَمِّ ! قُلْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ " !
 
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ  : يَا أَبَا طَالِبٍ تَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟
 
 فَلَمْ يَزَالا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ : عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ  !
 
فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: " لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ "[1]،  ثم نَزَلَتْ :
 
{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }التوبة113 .
 
 
 
أهون عذاب أهل النار !
 
وعن الْعَبَّاس بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ
 
قَالَ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ:  مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ ؟
 
 فقَالَ : "هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ"[2].
 
وقال أيضًا :"لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ النَّارِ، يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ "[3]
 
***
 
ولما مات العم، نالت قريشٌ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء المشركين ، فنثر على رأسه ترابًا ودخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيته والتراب على رأسه فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول لها :" لا تبكي يا بنية فإن الله مانع أباك "[4].
 
مفردات المشهد :
 
سفيه .. وتراب .. وداعية !
 
 
 
أما السفيه
 
 فما أكثر السفهاء الذين يعترضون دعوة الحق ورجال الحق ! هذا السفيه لم يحركه سفهه إلى ذلك الصنيع الوضيع إلا لمجرد رؤيته لشخص الداعية، وكأن صورة النبي وهيئة الرجل الصالح أمامه تثير غضبه الأهوج، وتستفز مشاعره الخبيثة؛ التي تتمخض عن قبح الفعال وسوء المقال .
 
إن شأن السفهاء لن يتغير في مجابهة الدعوة، وهم الذراع اليمنى لمعسكر الباطل، فكم لاقى الأنبياء من سفهاء الأمم ! وكم من أنظمة ظالمة سخّرت السفهاء في إيذاء المؤمنين ! فكان من هؤلاء السفهاء، سفيه بدرجة جلاد يسلخ ظهور الدعاة، وسفيه بدرجة قائد جيش، سكير، عربيد، أغرق الأُمة في نكسات الهزائم، وفي هزائم النكسات، ومنهم سفيه بدرجة كاتب أو مُخرج يصنع سينما الإباحية، وفن المجون، وتصاوير البغاء ـ حتى جعلوا من الشباب دمى ً بهيمية، تتقن الخلاعة، وتتخلق بالميوعة، فنشأ الجيل المهزوم نفسيًا قبل أن يهزمه الأعداء ويأسره في عربات، تدور في شوارع دولة الباطل وكأنهم القرود.
 
 
 
وويح السفهاء ! مع وضاعة أنفسهم، ونزالة قدرهم، تراهم أشد الناس ِكبرًا، وأقواهم في غمط الناس، وغمص إنسانية الإنسان، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :
 
"  إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ وَازْدَرَى النَّاسَ"[5].
 
وهم دومًا قواد الحملات الإعلامية ضد الحق، فيشوهون معالم الجادة، ويضلون الناس عن المحجة :
 
"سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " [البقرة:142]
 
قال الله تعالى :
 
"قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً .." [الأنعام:140]
 
فيا ويح من قتل أبناء الأمة الشرفاء، بل يا ويح من قتلوا الشعوب فذبحو الأطفال وهتكوا الأعراض ودنسوا المقدسات وأكلوا الأرزاق .
 
يارب !
 
" رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ" [الأعراف:155]
 
إنهم سبب الهلاك والدمار ، إنهم سوس الحضارات، وسرطانات القيم .
 
فلا تهلكنا – يا أرحم الرحمين – بما فعل السفهاء !
 
 
 
وأما التراب ..
 
فهو وسيلة الإيذاء، وتُصنع من التراب كل وسائل الإيذاء،  ففي وقت تكون الوسيلة حجارة – وهي من التراب - تنزل على جسد الداعية كما حدث لخير البرية في رحلة الطائف، وقد تكون الوسيلة سياطًا – هي من نُبت الأرض - ، تنتقل بين أيادي الظالمين عبر قنوات الأزمنة، من أُبي بن خلف إلى حمزة البسيوني وما بينهما وما بعدهما وما قبلهما،  وقد تكون وسيلة ضرب الدعوة سجنٌ – هو من التراب - ، وهو سجن واحد ذلك السجن الذي حُبس فيه يوسف وهُدد به موسى، وحُصر فيه محمد، وجُلد فيه ابن حنبل، ومات فيه ابن تيمية، وشُنق فيه العلماء . 
 
قال الباطل :
 
" لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ " [الشعراء29]
 
فقال الحق :
 
ومالي لا أُسجن في الدنيا بسجن الآخرة ـ و" الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ "ـ  "وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ " [إبراهيم12]
 
" رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ  ..." [يوسف33]
 
 
 
وأما الداعية ..
 
فهو بطل الصراع في الدنيا والآخرة، أكرِم به رفعة ! فما أعظمه، وهو يواجه جحافل الباطل، ثابتًا راسخًا، قائلاً في ثقة :
 
" إن الله مانع أباك " !
 
إن تراب الدنيا لو اجتمع فلن يطمر نور الشمس، وإن وسائل الإيذاء لو اجتمعت فلن تُطفئ دعوة الله :
 
"يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" [التوبة:32]
 
يأبى الله ..
 
 فالصبر الصبر ! والثقةَ الثقةَ !
 
 
 
توصية عملية  :
 
لا تجعل من إقبال الجماهير على دعوتك مقياسًا لنجاح منهجك، واعلم ـ كذلك ـ أن التفاف الناس حولك ليس معناه أنك على حق، بل هو مظهر من مظاهر نجاح حركتك بين الناس . إن تصفيق الجموع الغفيرة لك؛ لا يعني بالضرورة أنك نجحت في إصلاح فسادهم، أو تقويم اعوجاجهم .
 
 
 
 
-----------------------
 
[1]البخاري: (3595)
 
[2]البخاري (3594)
 
[3]البخاري ( 3596)
 
[4] ابن هشام 1/416
 
[5] أخرجه أحمد (8 / 389) وصححه الألباني في السلسة ( 1626)



                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق