عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

 

عام الوفود
 
9 هـ
 
فُتحت مكة، وأسلمت ثقيف، وكانت تبوك، واستتب الأمن شمالاً وجنوبًا، وبات الإسلامُ ملأ المسامع والأبصار، وأقبل الناس من كل فج عميق يدخلون في دين الله أفواجًا . وصدق الله تعالى :
 
" إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) " [ النصر]
 
 
 
 
 
 
 
في زحام الوفود التي جاءت من كل حدَب صوب لتدخل  في دين الله أفواجًا..كانت لنا هذه الوقفة مع وفد من الوفود :
 
 ففي العام العاشر جاء ثلاثةُ نفر من غسان، فقدموا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَأَسْلَمُوا،  وَقَالُوا : لَا نَدْرِي أَيَتْبَعُنَا قَوْمُنَا أَمْ لا ؟ وَهُمْ يُحِبّونَ بَقَاءَ مُلْكِهِمْ وَقُرْبَ قَيْصَرَ، وكانت غسان موالية للرومان،  فَأَجَازَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ـ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ـ بِجَوَائِزَ، وأكرمهم، وعلمهم، وفقههم، ثم انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ، فَقَدِمُوا عَلَى قَوْمِهِمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهم في دخول الإسلام، وحينئذٍ كتم الثلاثةُ إسلامهم، حَتّى مَاتَ مِنْهُمْ رَجُلانِ عَلَى الْإِسْلامِ، وَأَدْرَكَ الثّالِثُ مِنْهُمْ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ ـ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ـ عَامَ الْيَرْمُوكِ [ 15 هـ ـ636م]، فَلَقِيَ أَبَا عُبَيْدَةَ بن الجراح؛ فَأَخْبَرَهُ بِإِسْلامِهِ وسبقه؛ فَكَانَ يُكْرِمُهُ[1].
 
 
 
 
 
 
 
وثمة موقف طريف حدث مع هؤلاء النفر لما قدموا المدينة، حيث قابلوا أبا بكر يسألونه عن كيفية لقاء محمد، فقال أبوبكر : من أنتم ؟ فقالوا : رهط من غسان، قد قدمنا على محمد، نسمع من كلامه ونرتاد لقومنا .
 
قال  أبو بكر: فانزلوا حيث ينزل الوفد!
 
قالوا : وأين ينزل الوفد ؟
 
قال: دار رملة بنت الحارث
 
[ وقد كان النبيُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستقبل بعض الوفود بهذه الدار لشرفها، وسعتها ] .
 
ثم قال أبو بكر لرهط الغسسانة : ثم ائتوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكلموه !
 
فقالوا :  ونقدر عليه كلما أردنا ؟
 
[ وقد ظنوا أنه يصنع كما يصنع الملوك من الاحتجاب عن الرعية ...]
 
فتبسم المسلم وقال : لعمري إنه ليطوف بالأسواق ويمشي وحده[2] !
 
صلى الله عليه ما أعظم تواضعه !
 
 
 
 
 
 قال الرهط : كنا قومًا نسمع كلام النصارى وصفتهم رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ  [أي في الكتب السماوية السابقة] وأنه يمشي وحده لا شرطة معه..
 
قلتُ : وفي ذلك خبرٌ في البخاري :
 
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ : قَالَ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قُلْتُ : أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي التَّوْرَاةِ قَالَ : أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ، بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ :
 
(" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا"، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ، وَلا سَخَّابٍ فِي الأسْوَاقِ، وَلا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ... " الحديث[3].
 
 
 
 
 
 
 
ثم قال الرهط : من أنت لك الجنة ؟
 
قال : أنا أبو بكر بن أبي قحافة
 
فقالوا :  أنت فيما يزعم النصارى تقوم بهذا الأمر بعده ؟
 
قال أبو بكر  : الأمر إلى الله عز وجل ؟
 
 
 
 
 
 
 
 ثم مضى الوفد إلى دار رملة بنت الحارث للقاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال لهم: "أنتم الغسانيون" ؟
 
قالوا : نعم .
 
 قال:" قدمتم مرتادين لقومكم، فما انتفعتم بعلم من كان معكم من أهل الكتاب؟"
 
فقالوا : يا محمد لم نر أحدا منهم اتبعك فوقفنا عنك لذلك، ونحن الآن على غير ما كنا عليه فالإم تدعو ؟
 
 قال : "أدعو إلى الله، وحده لا شريك له ، وخلع ما دُعي من دونه، وأني رسول الله "!
 
 
 
توصية عملية :
 
اسع في الخير كما سعى هؤلاء النفر . وتعلمْ من تواضع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
 
---------------------
 
 
[1]انظر : زاد المعاد 3 / 585
 
[2]  سليمان بن موسى الكلاعي : الاكتفاء، (2 / 291)
 
[3]البخاري : 1981



                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق