عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

اتخاذُه صلى الله عليه وسلم الكتابة وسيلةً في التعليم والتبليغ ونحوِهما

ومن أساليبه صلى الله عليه وسلم أيضاً التعليمُ عن طريق الكتابة ، وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كُتّابٌ أكثرُ من خمسةَ عشر كاتباً ، يكتبون عنه القرآن ، وكُتّابٌ آخرون خَصَّهم بكتابة رسائله إلى الآفاق والملوك لتبليغهم الإسلام ودعوتهم إليه ، وكتاب آخرون خصهم بكتابة أمور اخرى ، كما ترى تفصيل كل ذلك مُستوعباً في كتاب شيخِنا حافظ المغرب في عصره العلامة عبد الحي الكتاني : ((التراتيب الإدارية))3.

 

 

ومن الذين كانوا يكتبون القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه : الخلفاء الأربعة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، ومنهم زيد بنُ ثابت  وأُبيّ بن كعب ، والزبير بنث العوام ، وخالد بن سعيد ، وأخوه أبانُ بن سعيد بن العاص ، وحنظلةُ بنُ الربيع ، ومعاوية بنُ أبي سفيان ، وغيرهم رضي الله عنهم ، كانوا إذا نزل الوحيُ بالقرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دعاهم فكتبوه تلقِّياً من فم النبي صلى الله عليه وسلم .   

 

 

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه أَذِنَ لبعض أصحابه بكتابة حديثه بل أمَرَ بعض أصحابِه بكتابتِه أيضاً :

 

 

روى أبو داود عن عبد الله بن عمرةو بن العاص رضي الله عنهما قال : ((كنتُ أكتبُ كلَّ شيء أسمعُهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أُريدُ حِفْظَه ، فنهتني قريش ، وقالوا : أتكتب كل شيء تسمعه؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ يتكلم في الغضب والرِّضا؟ فأمسكتُ عن الكِتاب ـ أي الكتابة ـ .

فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأومأ بإصبعه إلى فيه ، فقال : اكتُبْ فوالذي نفسي بيده ما يَخرُجُ منه إلاّ حق)) .

 

 

وروى البخاري ومسلم4، واللفظ للبخاري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ((لمّا فتح الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، قام في الناس فحمِد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنَّ الله حبَس عن مكة الفِيلَ ، وسلَّط عليها رسولهُ والمؤمنين ، فإنها لا تحِلُّ لأحدٍ بعدي ، فلا يُنفَّر صيْدُها ، ولا يُختلى شوكثها ، ولا تحِلُّ لُقطَتُها إلاّ لمُنشِد ، ومن قُتل له قتيل فهو بخيرِ النظرينِ : إما أن يُفديَ وإما أن يُقيد .

فقال العباس : إلاّ الإذْخِرَ ، فإنّا نجعله لقبورنا وبيوتنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلاّ الإذخر .

فقام أبو شاه رجلٌ من أهل اليَمَن ، فقال : اكتبوا لي يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتُبوا لأبي شاه .

قلتُ للأوزاعي : ما قوله : اكتبوا لي يا رسول الله؟ قال : هذه الخُطبة التي سَمِعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم)) .

 

 

وروى البخاري5، عن أبي جُحَيفة قال : قلتُ لعليّ : ((هل عندكم كتابٌ6؟ قال : لا ، إلاّ كتابُ الله ، أو فَهْمٌ أُعطِيَهُ رجلٌ مسلم ، أو ما في هذه الصحيفة7. قال : قلتُ : وما في هذه الصحيفة؟ قال : العَقْلُ ، وفَكاكَ الأسير ، ولا يُقتَلُ مسلمُ بكافرٍ))8.

وقد أرسل صلى الله عليه وسم كُتُباً باسمِه الشريف إلى الآفاق والملوك ، منها ما فيه الدعوةُ إلى الإسلام والإيمان بالله تعالى ، ومنها ما فيه بيانُ الأحكام وشرائع الإسلام للداخلين فيه ، وقد حَفِظَتْ كُتُبُ السيرة والحديث والتاريخ نصوصُ تلك الكتب الكريمة وألفاظها .

وقد جُمِعَتْ تلك الكُتُب والرسائلُ في مجاميع مستقلّةٍ بعضُها مطبوع ومتداول ، ومن أجمعها كتاب ((إعلام السائلين عن كُتُب سيد المرسلين)) صلى الله عليه وسلم ، لابن طولون المشقي ، المتوفى سنة 953 رحمه الله تعالى1.

 

 

-------------------------------------

3 ـ 1 :114 ـ 172 .

4 ـ البخاري 5 :87 في كتاب اللُّقطة (باب كيف تُعرَّف لقطة أهل مكة) ، ورواه في كتاب العلم (باب كتابة العلم) 1 :205 بأتمَّ مما هنا ، ومسلم 9 :128 ـ 129 في كتاب الحج (باب تحريم مكة وتحريم صيدها) .

5 ـ البخاري 1 :204 في كتاب العلم (باب كتابة العلم) .

6 ـ أي مكتوب أخذتموه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أوحيَ إليه ، وإنما سأله أبو جُحيفة عن ذلك لأن جماعةً من الشيعة كانوا يزعمون أن عند أهل البيت ـ لاسيما علياً ـ أشياءَ من الوحي خَصَّهم النبي صلى الله عليه وسم بها لم يطَّلع غيرُهم عليها .

7 ـ أي الورقة المكتوبة ، وقد كتب فيها أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

8 ـ وكانت في هذه الصحيفة أحاديثُ أخرى في غير هذه الموضوعات الثلاثة ، كما ترى تفصيل ذلك في ((فتح الباري)) 1 :205 ، و((فيض الباري)) للشيخ أنور الكشميري 1 :213 .

1 ـ طَبَعه الأستاذ حسام الدين القدسي رحمه الله تعالى بدمشق قبل سنة 1348 . ومن الكتب الجامعة في هذا الموضوع كتاب ((مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة)) للأستاذ محمد حميد الله حفظه الله تعالى ورعاه وأمتع به .




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق