استِعادتُه صلى الله عليه وسلم السؤالَ من السائِل لإيفاء بيان الحكم
وتارةً كان صلى الله عليه وسلم يَستعيدُ السائلَ سؤالَه ـ وقد أحاط بسؤالِهِ علماً ـ ليَزدَه علماً أو ليَستدرِك على ما أجابَه به ، أو ليوضحه له ، ومن ذلك :
ما رواه مسلمٌ والنسائي6، واللفظُ لمسلم ، عن أبي قتادة ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم ، فذكرَ لهم أن الجهادَ في سبيل الله ، والإيمان بالله : أفضلُ الأعمال .
فقام رجل فقال : يا رسول الله ، أرأيتَ إن قُتِلتُ في سبيل الله تُكَفَّر عني خطاياي؟ فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : نعم إن قُتِلتَ في سبيل الله وأنت صابرٌ مُحتَسِبٌ مُقبِلٌ غيرُ مُدْبِر7.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف قلتَ؟ قال : أرأيتَ إن قُتِلتُ في سبيل الله أتُكَفَّر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم وأنت صابرٌ مُحتَسِبٌ غيرُ مُدبِر إلاّ الدَّينَ8، فإنَّ جبريلَ قال لي ذلك))9.
---------------------------------------------
6 ـ مسلم 13 :28 في كتاب الإمارة (باب من قُتِل في سبيل الله كفرت خطاياه إلاّ الدين) ، والنسائي 6 :34 في كتاب الجهاد (من قاتل في سبيل الله تعالى وعليه دين) .
7 ـ المُحتَسِب : هو المخلِصُ لله تعالى الذي يُقاتِل ابتِغاءَ وجهِه ، لا لعصبيةٍ ، ولا لغنيمةٍ ، ولا لصيتٍ أو سُمْعةٍ .
8 ـ أي الدَّينُ الذي لا يَنوي أداءَهُ ووَفاءَهُ . وذكرُ الدَّين هنا نموذجٌ لباقي حقوقِ الآدميين ، إذ ليس المَدينُ أحقَّ بالوعيدِ والمطالبةِ من الجاني ، أو الغاصب ، أو الخائن ، أو السارِق ...، فنبَّه صلى الله عليه وسلم بذكر الدَّينِ على جميع حُقوقِ العِباد ، وأنها لا يُكَفِّرها الجهادُ والشهادةُ في سبيل الله وما دونهما من أعمالِ البِرِّ ، وإنما يُكفِّر الجهادُ والشهادةُ حقوقَ الله تعالى .
9ـ وفي رواية النسائي 6 :33 ـ 34 من حديث أبي هريرة : ((نعم إلاّ الدين ، سارَّني به جبريلُ آنفاً)) . أي الآن ، يعني أن جبريل =
= أوصى له بذلك بعد إخباره السائل بجوابه الأول ، فلذا استعاد السائلَ وأخبرَه بالجواب ثانياً .
المقال السابق
المقال التالى