قليل من المعلمين الذين يتفطنون إلى هذه الطريقة ، وهي تتلخص في ترسيخ العقيدة في نفوس الطلاب ، عند تعليمهم مواد العلوم الطبيعية ، والمواد ( الجغرافية ) والفلكية ، ونحوها . وقبل أن نورد خبر المعلم الأول ـ صلى الله عليه وسلم ، تعالوا لنتأمل ونتدبر كلام الله عز وجل . قال الله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(فصلت:39) أي ( ترى الأرض خاشعة ) ثم : أنبتت من كل زوج بهيج، فحيا بها العباد والبلاد . ( إن الذي أحياها ) بعد موتها وهمودها ( لمحي الموتى ) من قبورهم إلى يوم بعثهم ، فنشورهم ( إنه على كل شيء قدير ) فكما لم تعجز قدرته عن إحياء الأرض بعد موتها ، لا تعجز عن إحياء الموتى . أ هـ . في البيت المعلمين يحسنون الربط بين الظواهر الطبيعية وبين أمور العقيدة كما جاء في الآية السابقة ، حيث بين الله سبحانه وتعالى حالة الأرض الميتة التي لم تمطر ، من الجفاف وموت النبات فيها ، وأثر الماء عليها إذا جاءها وغمرها من ظهور الحياة عليها وتحرك النبات فيها ، ثم بين الله سبحانه لعباده أن هذا الأحياء الذي يشاهده العباد له نظير يوم القيامة وهو إحياء الموتى كما جاء في التفسير السابق عن إحياء الموتى . وفي هذا رد شاف على منكري البعث . ومثله لو أراد المعلم أن يتكلم عن الجبال فيحسن به أن يذكر فائدتها ، والحكمة من إيجادها وهو تثبيت الأرض ومنعها من الاضطراب ، ثم يذكر قوله تعالى ()أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً *وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً)(النبأ:7،6) وقوله : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ)(الغاشية:18:17) .
والقرآن الكريم مليء بذكر مثل ذلك وفيما ذكرنا غنية لمن عقل . ودعنا نعرج على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، لنرى كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسخ العقيدة عند صحبه رضوان الله عليهم.
1- فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا عدوى ولا صفر ولا هامة " .فقال أعرابي : يا رسول الله ، فما بال الأبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فمن أعدى الأول " .
قال الحافظ ابن حجر قوله : ( فيجربها ) وهو بناء على ما كانوا يعتقدون من العدوى ، أي يكون سبباً لوقوع الجرب بها ، وهذا من أوهام الجهال ، كانوا يعتقدون أن المريض إذا دخل في الأصحاب أمرضهم فنفى الشارع ذلك وأبطله ، فلما أورد الإعرابي الشبهة رد عليه صلى الله عليه وسلم بقوله : فمن أعدى الأول ؟
وقال بعد قوله : ( فمن أعدى الأولى ؟ ) وهو جواب في غاية البلاغة والرشاقة . وحاصله من اين جاء الجرب للذي أعد بزعمهم ؟ فإن أجيب من بعير آخر لزم التسلسل أو سبب آخر فليفضح به ، فإن أجيب بأن الذي فعله في الأول هو الذي فعله في الثاني ثبت المدعى ، وهو أن الذي فعل بالجمع ذلك هو الخالق القادر على كل شيء وهو الله سبحانه وتعالى .
الخلاصة :
1) إن غرس العقيدة عن طريق عرض العلوم الأخرى غير علوم الشرعية ، وسيلة نافعة جداً في ربط المسلم بدينه في كل مجالات الحياة .
2) إن هذه الطريقة ، تؤدي إلى تقوية الإيمان لدى الطلاب عموماً ، فتنشىء لنا جيلاً قوياً في معتقده ، وثيق الصلة بربه .
المقال السابق
المقال التالى