تواجه المعلم مسائل مشكلة ، وقضايا معقدة ، يحتار معها المعلم . ولا يجد لها حلاً أو مخرجاً . فقد يصعب على المعلم في بعض الأحيان فهم مسالة ما، أو قد يطرح عليه سؤال من أحد طلابه ولا يجد له حلاً أو تفسيراً . ومن جهة أخرى قد يجد المعلم أن يفصل فيها ، ويحل إشكالها . وهنا قد يسلك المعلم عدة مسالك فمنها : أن يجتهد في إيجاد حل لها ، أو يعتذر عنها وهذا حسن بالنسبة إلى المعلم لأنه لم يخض فيها بغير علم وإن كان ذلك مشكلاً للطالب لأن مشكلته لم تحل بعد . ومنها أن يخوض فيها بغير علم فهذا مذموم وهو يفسد أكثر مما صلح ، ومنها أن يبحث عن حلها إما عن طريق المطالعة والبحث ، وإما عن طريق طلب الاستشارة وهو مقصودنا . والاستشارة مأخوذة من قول العرب : شرت الدابة وشورتها إذا علمت خبرها ، وقيل من قولهم : شرت العسل إذا أخذته من موضعه . أ هـ .
قال تعالى : (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)(آل عمران: من الآية159) يقول ابن سعدي عند هذه الآية : أي في الأمور التي تحتاج إلى استشارة ، ونظر وفكر ، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ، مالا يمكن حصره .. ومنها : أن في الاستشارة ، تنور الأفكار ، بسبب إعمالها فيما وضعت له ، فصار في ذلك زيادة للعقول . ومنها ما تتجه الاستشارة ، من الرأي المصيب ، فإن المشاور لا يكاد يخطئ في فعله . وإن أخطأ، أو لم يتم له مطلوب ، له مطلوب ، فليس بملوم . فإذا كان الله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم ـ وهو أكمل الناس عقلاً وأغزرهم علماً وأفضلهم رأياً ـ (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) فكيف بغيره .
1- عن ابن عباس قال : لما نزلت : (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما إن الله ورسوله لغنيان عنها ، ولكن الله جعلها رحمة لأمتي ، فمن استشار منهم لم يعدو رشداً ، ومن تركها لهم يعدم غياً " .
فأنت ترى في هذا الحديث ، كيف كان المشورة سبباً في القرب من إصابة الحق ، وما في تركها من مقاربة الخطأ والوقوع فيه ، فحرى بكل معلم أن يسأل ويشاور من هو أعلم منه فيما أشكل عليه ، ليحصل له بذلك مقاربة الصواب وإصابة الحق ، وليبتعد عن الترفع ، والأنفقة ، وتعاظم النفس من سؤال غيره وطلب رأيه ومشورته ، فإن ذلك ترفع في غير محله ، ولو كان ذلك محموداً لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس من !. فعليك أيها المعلم أنا تسأل عما أشكل عليك فهمه ، أو تسعر عليك حله ، ولا تقل إن هذا تهوين من شأني ، أو نفص من قدري . لا . بل هو دليل على كما العقل ورجاحته .
الخلاصة :
1) المشورة معين للمعلم فيما يشكل عليه من المسائل والقضايا التي ترد عليه .
2) طلب الاستشارة من الغير ليست دليلاً على نقص في المرتبة أو في العلم ، بل هو دليل على رجاحة العقل ورزانته .
في المشورة القرب من الحق ، وفي تركها البعد عنه .
المقال السابق
المقال التالى