التواضع خلق حميد ، يضفي على صاحبة إجلالاً ومهابة ، ومن ظن أن التواضع خلق مرذول ينبغي تجنبه وترك التخلق به فقد أخطأ وأبعد النجمة ، وحسبك بإمام الاتقياء مثلاً ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتواضع وإن كان من لوازمه الذل ، فهو إن كان في جانب الله فما ألذه من ذل وما أطيبه ، لأن العبودية لا تتحقق ولا تكمل إلا بالذل لله والانكسار بين يديه ، وأما الذل الذي يكون في جانب المخلوقين فهو في حق المؤمنين خاصة ، قال تعالى (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)(المائدة: من الآية54)) فهم للمؤمنين أذلة ، من مجتهم لهم ، ولينهم ، ورفقهم ، ورأفتهم ، ورحمتهم بهم وسهولة جانبهم ، وقرب الشيء الذي يطلب منهم .. والمعلم في أمس الحاجة إلى التخلق بهذا الخلق العظيم ، لما فيه من تحقيق الاقتداء بسيد المرسلين ، ولما فيه من نفع عظيم للمتعلمين . [ و] إذا كان الإنسان المسلم يحتاج إلى التواضع للنجاح في علاقته مع الله ثم مع المجتمع فإن حاجة المعلم إلى التواضع أشد وأقوى ، لأن عمله العلمي والتعليمي والتوجيهي يقتضي الاتصال بالمتعلمين والقرب منهم حتى لا يجدوا حرجاً في سواله ومناقشته والبوح له بما في نفوسهم ، لأن النفوس لا تستريح لمتكبر أو متجبر أو مغتر بعمله . أ هـ .
وإليك بعض الأمثلة من تواضعه صلى الله عليه وسلم :
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد " . مسلم (2865)
2- وعن أنس رضي الله عنه قال : إن الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت . البخاري (5724)
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم " قال أصحابه : وأنت ؟ فقال : " نعم كنت أرعاها على قراربط لأهل مكة " البخاري(2143)
4- وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لو دعيت إلى كراع أو ذراع لأجبت ، ولو أهدي إلى ذراع أو كراع لقبلت " .البخاري (2429)
5- وعن قيس بن مسعود أن رجلاً كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فأخذته الرعدة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد " . أخرجه الحاكم في المستدرك (3733) وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
ويبلغ التواضع ذروته عند فتح مكة :
6- يقول ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر : .. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضع رأسه تواضعاً لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح ، حتى إن عثنونه ليكاد يمس واسطه الرحل وقال الحافظ البيهقي ..عن أنس قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وذقنه على راحلته متخشعا أرأيتم تواضعاً أعظم من ذلك ؟ قائد يظفر بخصومه الذين أخرجوه من بلده ، وقاتلوه ، وسبوه .. ، ثم يظفر بهم ويدخل معقلهم دخول الفاتحين ، ومع ذلك يطأطئ رأسه عند أنتصاره على عدة تواضعاً لله وشكراً فما أعظمه من قائد ، وما أجله من مرب !! .
التواضع يضاده التكبر ، وهي خصلة ذميمة لا تعود على صاحبها بلنفع .
ومن آثار التكبر الذي يصيب بعض المعلمين في المجتمعات الإسلامية :
أ ) جحوده للحق وعدم الخضوع له .
ب ) الغرور بما لديه منعلم مع أنه قليل .
ج) ترك طلب العلم لظنه أنه قد علم وفهم كل شيء .
.. ثم إن المعلم المتكبر لا يستطيع أن يصل إلى أهداف التعليم ، ولا يمكنه تكبره من أن يعرف ما تحقق منها لأنه بعيد عن مخالطة طلابه ، والدنو منهم حتى يستطيع أن يعرف مشكلاتهم وما يعرف بلوغهم الأهداف التربوية المرسومة، وما يحتاجه من مراجعة لطريقة وترتيب المعلومات وتبسيطها وما إلى ذلك . كما أن الطلاب لا يرتاحون إلى المعلم المتكبر المتغطرس فلا يصدقون مشاعرهم وأحاسيسهم وما يواجهونه من صعوبات ، مما يجعل الفائدة التي يحصلون عليها من مثل هذا المعلم قليلة جداً . أ هـ
الخلاصة :
1) أثر التواضع ليس قصراً على المعلم ، بل يتعده إلى الطلاب ، ويؤثر فيهم إيجاباً .
2) التواضع سبب في إزالة الحواجز بين المعلم وتلميذه .
3) التكبر سبب لنفور الطلاب من معلمهم ، والإعراض عن تلقي العلم منه .
4) بمقدار ما يكون الطالب قريباً من معلم ، يتحصل الطالب على العلم بشكل أفضل ، والتواضع يحققه .
المقال السابق
المقال التالى