رابعاً:وفاؤه صلى الله عليه وسلم لأعداءه:
كان صلى الله عليه وسلم وفيا ًحتى لأعداءه :ففي غزوة بدر كما قال ابن إسحاق وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يومئذ إني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا ولا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله ، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله فإنه إنما أخرج مستكرها . قال فقال أبو حذيفة أنقتل آباءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس والله لئن لقيته لألحمنه السيف قال ابن هشام ويقال لألجمنه السيف قال فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر بن الخطاب يا أبا حفص قال عمر والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف فو الله لقد نافق فكان أبو حذيفة يقول ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قُلتُ يومئذ ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عني الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدا ، قال ابن إسحاق وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة وكان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه وكان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطلب فلقيه المجذر بن زياد البلوي حليف الأنصار ثم من بني سالم بن عوف فقال المجذر لأبي البختري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك.[1]
وقصة وفاء أخرى ، قال ابن إسحاق : هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في تلك المدة ، فخرج أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة ، حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي بينه وبين قريش في الحديبية ، فأنزل الله تعالى على رسوله الكريم الآية :
<يأيُّها الَّذينَ ءَامنوا إذا جآءَكم المؤمناتُ مُهاجراتٍ فامتحِنوهنَّ* اللهُ أعلمُ بإيمانِهِن فإن عِلمتُموهنَّ مؤمناتٍ فلا تَرجِعُوهنَّ إلى الكفّارِ لا هُنَّ حِلٌ لَّهُم ولا هُم يَحِلونَ لَهُنَّ وءَاتُوهُم ما أنفقوا ولا جُناحَ عليكُم أن تنكِحوهُنَّ إذا ءَاتيتموهُنَّ أُجُورَهُن ولا تُمسِكوا بِعِصَمِ الكوافِرِ وسئلوا مآ انفقتم وليسئلوا مآ أنفقوا ذلِكُم حُكمُ اللهِ يَحكُم بينكم واللهُ عليمٌ حكيمٌ > الممتحنة-10
: فكتب إليه عروة بن الزبير : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالح قريشاً يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليه ؛ فلما هاجر النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام ، أبى الله أن يرددن إلى المشركين إذا هن امتحن بمحنة الإسلام ، فعرفوا أنهن إنما جئن رغبة في الإسلام ، وأمر برد صدقاتهن إليهم إن احتبسن عنهم ، إن هم ردوا على المسلمين صداق من حبسوا عنهم من نسائهم ، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ورد الرجال ، وسأل الذي أمره الله به أن يسأل من صدقات نساء من حبسوا منهن ، وأن يردوا عليهم مثل الذي يردون عليهم ، إن هم فعلوا ...ولا الذي حكم الله به من هذا الحكم لرد رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء كما رد الرجال ، ولولا الهدنة والعهد الذي كان بينه وبين قريش يوم الحديبية لأمسك النساء ، ولم يردد لهن صداقاً ، وكذلك كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد[2]وبهذا الحكم الإلهي تكون المرأة المسلمة أول إنسان قد منح حق اللجوء الديني (أي حرية الرأي والمعتقد)، أو قُلْ اللجوء السياسي على لغة العصر إن صح التعبير. إذ ما زالت المعاهدات السياسية تبرم بين مختلف الدول حتى اليوم دون الالتفات إلى ذكر المرأة، أو تخصيصها بالاسم ليشملها هذا الحق مساواة مع الرجل! وهنا لا بد من تسجيل الإشارة إلى أن المرأة المسلمة قد منحت هذا الحق حتى قبل الرجل المسلم بسبب معاهدة الحديبية التي تمت بين الرسول والمشركين. في حين أن الرجل غير المسلم لم يمنح هذا الحق إلا منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 الذي تنص المادة 14 منه على ما يلي: "يحق لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصاً من الاضطهاد"
--------------------------------------------------------------------------------
ابن هشام، عبد الملك .السيرة النبوية .[1]
[2] محمد مهدي عامر . قصة كبيرة في تاريخ السيرة، ص294-150
المقال السابق
المقال التالى