عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

تحت قسم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في الحرب
الكاتب أماني زكريا الرمادي
تاريخ الاضافة 2010-04-24 01:48:16
المشاهدات 5968
أرسل الى صديق اطبع حمل المقال بصيغة وورد ساهم فى دعم الموقع Bookmark and Share

   

 

 

نعم ،إنه  بشر ولكن ليس كالبشر، " فالناظر إلى سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم وحياته يجد أنها سيرة إنسان من نوع فريد، إنه إنسان بلحمه ودمه وعواطفه وانفعالاته وصورته وحياته؛ ولكنه بزَّ أفراد الإنسانية كلهم وفاقهم تقوى وخُلقا وحكمة وحنكة وديناً وسلوكا ً، فصدق فيه قول الشاعر :

 محمد بشر وليس كالبشر**** بل هو ياقوتة والناس كالحجر

و قول الآخر :

فمبلغ العلم فيه أنه بشر**** وأنه خير خلق الله كلهم

"فبشريته صلوات ربي وسلامه عليه ليست بشرية عادية ... فكيف نتصور أن يكون بشرا عاديا  مثلنا من قال له العزيز الحكيم:

(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)الطور -48

أما الذين يجعلون بشرية الرسل قضية بعيدة عن وشائج السماء ودروبها ومسالكها بجانبهم الصواب دائما ؛ فهو غبن كبير وحكم جائر لمكانة النبوة ومقام الرسالة ... فبشرية الرسل مسألة لا جدال فيها  ، وفى مواضع كثيرة من القرآن الكريم نجد تأكيداً على بشرية الأنبياء ، أما بشريته هو –صلى الله عليه وسلم – فجاء عنها  في سورة الإسراء:(قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ؟!!) الإسراء -93

وفى سورة الكهف: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ...)الآية110

 

 ومع ذلك، فإنه ينبغي أن نفهم جيدا من روح القرآن ومكانة الأنبياء كما جاءت فيه أن بشريتهم تستلهم السماء أفعالها وتستهدى سلوكها وتسأل الذات العلية علمها ، كما جاء في  قول الله تعالى :

"قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون" إبراهيم- 11َ

 

 إنها بشرية خاصة من معدن خاص اصطفاها الله واصطنعها لنفسه ؛ ولهذا فإن الرسل كلهم بشر ولكن البشر ليسوا كلهم أنبياء؛ وليس أدل على أن سلوك الأنبياء ليس بشريا صِرفا كسلوك باقي البشر وخاصة فيما كان له علاقة بالمبادئ والقيم والتشريع شأن  موقف القرآن الكريم من نساء النبي ... فالقرآن الكريم يوضح لنا في سورة الأحزاب رأيه في كيفية سلوكهن،  بل ويقول صراحة أنهن لسن كباقي نساء البشر ، فكيف بالنبي ذاته؟!!!!"[1]

 

"ولقد هوجمت كل الرسل من أقوامهم بسبب أنهم بشر ، منهم على سبيل المثال كما قال سبحانه :

نبي الله شعيب:

"وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ" 186 - الشعراء

ونبي الله صالح:

فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ" القمر- 54

ونبي الله موسى وأخوه هارون:

فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ" المؤمنون -47

 

ولقد أجمل الله سبحانه هذا الأمر بخصوص كل الرسل قائلا ً: " أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم ٌذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيد"التغابن5-6ٌ

 

أما إذا تحدثنا عن الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص ، فقد كانت بشريته أساساً اتخذه الكفار للتشكيك في رسالته ، كما قال الحق سبحانه وتعالى : "لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ " الأنبياء- 3

 

ليس هذا فحسب، وإنما تمنوا أن يكون الرسول ملَكاً ، مع أن الأفضل لهم ان يكون بشرا ًمثلهم يتحدث لغتهم ويعرف طباعهم وإمكاناتهم ... لأن الرسول  لا يبلغ منهج الله فحسب ، وإنما يوضح لهم-بالقدوة-  كيف يطبقونه التطبيق الصحيح   ، ولو كان القدوة هو ملََك لاستحال  عليهم تنفيذ تكليفات الله ، لأن الملائكة تملك إمكانات فوق طاقة اليشر ...لذا فإن من رحمة الله وعدله أن اختار لهم بشرا ًمثلهم، ولوكانوا هم ملائكة لاختار لهم ملَكا ، كما أشار سبحانه في قوله:

وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا" الإسراء 94-95

 

أي أن الملائكة لا يعيشون الحياة الأرضية التي يعيشها البشر  ، ولذلك لا يمكن أن يكونوارُسُلاً ، وإذا أضفنا إلى ذلك أننا ببشريتنا لا يمكن أن نرى الملائكة فإنهم في هذه الحالة سيكونون غيباً عنا ، فكيف نأخذ القدوة ممن هم غيب عنا؟!!

 

والله سبحانه ينبهنا إلى أنه لو أرسل إلينا ملكاً فلكي نراه لا بد أن يجعله في هيئة رجل يلبس نفس ثيابنا ، وفي هذه الحالة سيكون أمامنا بشرا ً!!! وذلك كما جاء في قوله سبحانه: 

وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُون"الأنعام-9َ

 

إذن فبشرية الرسل أمر حتمي  "[2]...ولقد كان محمد صلى الله عليه وسلم –كما قال المؤرخون –نبياً يأتيه الوحي من السماء ،إلا أن حياته كانت حافلة بجوانب خالدة من العظمة والجلال، مستمدة من شخصيته الإنسانية التي صنعها الحق تبارك وتعالى على عينه؛ ولو كانت أعمال الرسول كلها من عمل الوحي وحده، إذن لبطل عمله كعظيم وقائد....فقد كان هذا الوحي توجيها لرسم القواعد الرئيسية ووضع الخطط الكبرى التي إذا ما قررت بالقرآن المنزَّل تُرِك للرسول بعد ذلك التصرف و العمل و الاتصال بالناس والتفاهم معهم وبأسلوبه الخاص ووفق طبيعته ومقدرته وذكائه ...وهى جميعا من إعداد الله سبحانه  الذي اصطفاه للرسالة.[3]

 

"ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطط للحرب بذكاء ومرونة ومبادرة  ؛ فالوحي لا يخطط وإنما يرسل المنهج ... ثم تأتي المعجزات لكي تثبِّت القلوب ، وترفع الروح المعنوية دون تغيير الأحداث لأن هذه الأخيرة لا تتغير إلا بالتخطيط ، والصبر"[4]

 

ولعله من أمثلة ذلك ما حدث في موقعة "بدر" ،هذه الموقعة الكبرى الفاصلة في تاريخ الإسلام . ذلك أن العرض المنزل من السماء قد اقتصر على قوله تعالى " وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ " الأنفال-7

ثم ترك لمحمد صلى الله عليه وسلم  بعد ذلك أن يهيئ أصحابه . وأن يعد عدة الحرب بعد أن مضت العير . وأن يستشير أصحابه في الأمر.وأن يستمع إلى رأى المهاجرين و الأنصار . فيرى بعضهم أن هذا الموضع الذي نزله الرسول ليس بموضع فيسأل الرسول قائلا:

 أهو منزل أنزلكه الله . فلما قال له الرسول : أن لا ، قال إن هذا ليس بموضع ،وأشار بأن يكون المسلمون على الماء وخصومهم لا ماء لهم، وأن يصنع للنبي صلى الله عليه وسلم  عرشاً يكون فيه .

وقد كان لدى طبيعته الإنسانية وشخصيته أبعد الأثر في تصريف الأمور وتوجيه دفة المعركة وإحراز النصر . وآيةُ ذلك أن أمره لم يكن وحيا، وأنه يخطئ ويصيب ، حتى أن الله  تعالى قد عاتبه في إذنه للمشركين في حرب من الحروب.

كما عاتبه على أنه عبس وتولى أن جاءه الأعمى؛ وعلى أنه قضى في أسرى بدر فأطلق سراحهم وقبل فديتهم .

وقد كان لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من طبيعته الإنسانية ما حقق له الكثير من أسباب النصر . وما وفق إليه من الوصول إلى قمة الظفر فقد أوتى الشمائل التي تجمع الأتباع وتُدنيهم له <ولو كنتَ فظا غليظ القلب لانفضوا مِن حولك >(آل عمران-159)وقد وصل في ذلك إلى غاية القوة فجمع حوله القبائل المتنافرة و القلوب المختلفة .

 

 هذه الشخصية المحمدية الممتازة القوية العارضة منذ الشباب الباكر التي عُرفت بالأمانة والخلق ، وهى التي ــ حين أتيح لها أن تلي أمر الرسالة ـ صرفتها بلباقة وحكمة وسداد... إنما رباها الحق تبارك وتعالى   وصنعها بتقديره للمهمة التي اختاره لها.

 

وليست إذن عوامل الحكمة و اللباقة و السداد طارئة عليه وإنما هي طبيعته الصادقة المفطورة على تصريف أمور الناس. هذه الأخلاق التي وسمت صاحبها باسم الأمين منذ شبابه الباكر ، وجعلته موضع تقدير الناس، حتى اختارته أغنى سيدات قريش لتجارتها ووثقت به ...هذه الطبيعة الإنسانية لمحمد صلى الله عليه وسلم  قبل أن يجهر بالدعوة أو تُوكل إليه ،كانت كذلك غاية في القوة فقد اشترك في أحلاف قريش وفى حرب الفجار . وحمل السلاح منذ صغره . وكان يجمع السهام التي تقع من هوازن ويقدمها لأعمامه وكان يرمي بعضها بنفسه .

حتى انه قال بعد الرسالة : ما أحب إليَّ بحلف حضرته في دار ابن جدعان(يعني حلف الفضول) حمر النعم . لو دعيت به لأجبت.

 

ومن هذين العلَمين اللذين اشترك فيهما محمد الشاب-صلى الله عليه وسلم- تبدو لنا الأصول الأولى و الجذور الرئيسة واضحة لشخصية الإنسان العظيم[5] 

 

ولهذا ، ولكونه ما خرج عن بشريته ، ولكنه كان محاطاً بعناية الله وموفقا بتسديده ومحفوظا بالعصمة الإلهية ومرعياً بالآداب الربانية ؛فإننا نجد في ثنايا حياته وبين سطور سيرته ومضات ، لا بل شريطا طويلاً من المواقف الفذة ممتدا ومتصلاً ، يشع نوراً ويفيض حنانا ويتدفق رحمة ويتفجر عطاء .

فكم مرة وقف في موقف بطولة نادرة فأدهش من حوله وفاجأ من أمامه ، وكم مرة وقف في موقف الرجولة والمسئولية فلم تشُبْهُ شائبة الأنانية أو الضعف البشري ، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذاته وفي رسالته على حد سواء قدوة في كل شيء...في عقله الراجح ، وخُلقه القويم ، ونظره الثاقب ، وتدبيره الحكيم وسياسته البارعة وصرامته الحازمة وتواضعه الجم وشكيمته القوبة وحذره البالغ وتقديره السليم للمواقف والعواقب ،وما أوجز وأبلغ قول الله العليم الخبير في كتابه الكريم عن نبيه العظيم : " اللهُ أعلَمُ حيثُ يجعلُ رسالتَه" (  الأنعام - 124)...نعم إن علم الله سبحانه قد أحاط بالنفوس الآدمية جمعاء ، فعلم من أحوالها ومراتبها وطاقاتها وأمزجتها كل شيء ، وعلم أن محمدا ًصلى الله عليه وسلم أزكاها نفسا ًوأصفاها خلقا وأعلاها رتبة وأوسعها طاقة وأعدلها مزاجاً فلذلك اختاره واصطفاه واختصه واجتباه لحمل رسالة الدين الخاتم ،والشريعة المهيمنة ، والمسئولية الشاملة عن البشر والأمم أجمعين ، والشرائع والملل إلى يوم الدين ...كل ذلك أمر لا جدال فيه عند العارفين"[6]

،ولقد عبر الشاعر عن ذلك خير تعبير حين قال :

"لا يرقى إنسانٌ سماءك بعد ما ***أثنى على أخلاقك الخَلَاق"[7]

" وبغض النظر عن كونه نبياً ، فقد كان –صلى الله عليه وسلم- نموذجا ًمثالياً للشخصية الإنسانية الكاملة !!!  "[8]

لذا فقد كان محمد نبي الإسلام عليه الصلاة و السلام أكمل البشر من الغابرين و الحاضرين و لا يُتصوَّر مثله في الآتين"[9]

ولقد شرَّف الله سبحانه كثيراً من الأنبياء بأن ذكرهم بأسماء من أسمائه الحُسنى ، كنوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحق وموسى وعيسى ويحي ، فقال تعالى في شأن نوح: { ذريَّةَ مَن حملنا مع نوحٍ إنهُ كان عبداً شكوراً }الإسراء-3

وعن إبراهيم عليه السلام : { إنَّ إبراهيم لحليم }هود-75

وعن إسماعيل : { فبشَّرناه بغلام عليم }الصافات 101

وفي إسحق تعالى لإبراهيم : {إنَّا نُبشرك بغلام عليم  } الحجر 53

وفي شأن موسى : {وجاءهم رسولٌ كريم  }الدخان-17

وفي شأنه أيضاً : { لا تخَف إنك أنت الأعلى }طه-68

وذكر يحي فقال سبحانه : { وبَرَّاً بوالديه ولم يكُن جبارا ًعصيَّاً }مريم-14

 وفي شأن عيسى عليه السلام: { وبَرَّاً بوالدتي ولم يجعلني جبارا ًشقيا ً }مريم 32

ولكنه سبحانه فضل محمد صلى الله عليه وسلم على كل الأنبياء حتى في هذه الفضيلة ،فقد جمع له في آية واحدة بين اسمين من أسماءه –سبحانه- ولم يحدث ذلك لأحد في كتاب الله إلا له صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : { بالمؤمنين رءوفٌ رحيم }التوبة -128

كما أكثر الله سبحانه من ذكر نبيه بأسماءه الحسنى ، ومن ذلك قوله "{ ورسولٌ مُبين }سورة الزخرف -29 ، وقوله : وقوله : {جاءكُمُ الحقُ من ربكم } سورة يونس -108

وقوله : {قد جاءكُم من اللهِ نورٌ}سورة المائدة -15

ولقد امتدح الله سبحانه كل مواطن الخير والشرف المتعلقة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فأثنى على نسبه الشريف قائلاً : {وتقلّبِكَ في الساجدين }سورة الشعراء -219 ، قال بن عباس في تفسير هذه الآية : <<أي في أصلاب الآباء آدم ونوح وإبراهيم حتى أخرجه نبيا ً.

 كما أعظم قدر نسائه رضي الله عنهن جميعا في قوله : { يا نساءَ النبي لستُن كأحدٍ من النساء}سورة الأحزاب-32

، وحفظ المكان الذي يقيم فيه ، وأعلى شأنه وأقسم به في قوله : { لا أُقسمُ بهذا البلد وأنتَ حِلٌ بهذا البلد} سورة البلد:1-2 وقوله سبحانه {والتين والزيتون وطور سينين ، وهذا البلدِ الأمين  }سورة التين  :1-3 ، كما شرَّف المدينة المنورة وجعلها حرم آخر لا لشيء إلا لتعلُّقها بجنابه الأعظم صلى الله عليه وسلم ،وجعل ثواب الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم مضاعفة ألف مرة من أي مكان آخر عدا المسجد الحرام   "[10]

 

 


وفوق كل هذا ، فقد اختص الله سبحانه  نبيه محمدًا بجملة من الخصائص، لم يخص بها أحدًا قبله من الأنبياء؛ تكريمًا لمقامه بين الأنبياء، وتشريفًا لمكانته بين الرسل، كيف لا وهو خاتم الأنبياء والرسل، وهو خير الخلق على الله .

*فمن تلك الخصائص أن الله تعالى ناداه بوصف النبوة والرسالة، وهذان الوصفان من أهم الأوصاف التي اتصف بها نبينا، قال تعالى: { يا أيها النبي } وقد ورد النداء بهذا اللفظ في ثلاثة عشر موضعًا من القرآن؛ ويقول سبحانه مخاطبًا نبيه بصفته رسولاً: { يا أيها الرسول } وقد ورد النداء بهذا اللفظ في موضعين في سورة المائدة؛ فناداه ربه سبحانه في هذه المواضع بأكمل أوصافه، وأرفع مقاماته .

وهذه الخصوصية لم تثبت لغيره من الأنبياء، فكل نبي ناداه الله باسمه ، قال تعالى: { وقلنا يا آدم } (البقرة:35)، وقال: { إذ قال اللهُ يا عيسى ابن مريم } (المائدة:110) وقال: { قيل يا نوح } (نوح:48) وقال: { يا موسى } وقال: { و ناديناهُ أن يا إبراهيم } (الصافات:104) .

أما الآيات التي ذكر الله فيها نبيه باسمه، فإنما جاء ذلك على سبيل الإخبار، كقوله تعالى: { ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسولَ الله } (الأحزاب:40) وقد ورد اسمه بهذا اللفظ في أربعة مواضع في القرآن الكريم .

*ومما يتعلق بهذه الخصوصية ، أن الله سبحانه نهى عباده عن نداء نبيه محمدًا باسمه الذي سمي به؛ قال تعالى: { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (النور:63) فنهى سبحانه المؤمنين عن نداء نبيهم كما ينادي بعضهم بعضًا، وطلب منهم مناداة نبيه الكريم بصفة النبوة والرسالة؛ تشريفًا لقدره، وبيانًا لمنـزلته، وخصه سبحانه بهذه الفضيلة من بين رسله وأنبيائه .

وفي المقابل، فقد أخبر تعالى عن سائر الأمم السابقة أنهم كانوا يخاطبون رسلهم وأنبياءهم بأسمائهم؛ كقول قوم موسى له: { قالوا يا موسى اجعل لنا إلهًا } (الأعراف:138) وقول قوم عيسى : { إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم } (المائدة:112) وقول قوم هود : { قالوا يا هود ما جئتنا ببيِّنة } (هود:53) .

*ومن الخصائص التكريمية،أن الله سبحانه أقسم بحياة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى:

{ لَعَمْرُك إنهم لفي سَكْرتهم يعمَهون } (الحجر:72)؛ والقسم بحياته عليه الصلاة والسلام يدل على علو شرفه، وعظيم مكانته عند الله سبحانه، فلو لم يكن صلى الله عليه وسلم بهذه المكانة الرفيعة، والمنـزلة العظيمة، لما كان للقسم بحياته أي معنى...مع ملاحظة أن هذا التكريم لم يثبت لغيره صلى الله عليه وسلم .

*ومن خصائصه التكريمية أيضاً صلى الله عليه وسلم، أن الله سبحانه وتعالى قدَّمه على جميع أنبيائه في الذكر في أغلب آيات القرآن؛ قال تعالى: { إنَّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان } (النساء:163)، وقال سبحانه: { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقَهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم } (الأحزاب:7)، فبدأ سبحانه بخاتم المرسلين لشرفه ومكانته .

*ومن خصائصه التكريمية عليه الصلاة والسلام، إمامته الأنبياء في بيت المقدس؛ فقد جمع الله تعالى له جماعة منهم فصلى بهم إمامًا؛ وذلك تأكيدًا لفضله، وتنبيهًا على شرفه؛ وقد أخبر صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء، أنه اجتمع بعدد من الأنبياء، منهم إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم عليهم السلام، وصلى بهم إمامًا، والإمامة بالناس لها من الدلالة ما لها، فكيف إذا كانت الإمامة بالأنبياء ؟!

*ومن خصائصه التكريمية صلوات ربي وسلامه عليه أنه يوم القيامة يأتي كل نبي شهيداً عل أمته، ويأتي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم شهيداً على كل هؤلاء الأنبياء ، لقوله تعالى : "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا "(سورة النساء-الآية 41) هذه الاية أبكت النبي صلى الله عليه وسلم لما سمعها، من عِظَم التشريف والتكليف!!!!

*ومن جملة خصائصه التكريمية صلى الله عليه وسلم، أن الله أخذ له الميثاق من جميع الأنبياء، بالإيمان به ونصرته؛ قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ } (آل عمران:81)، فأخبر سبحانه أنبياءه أن عليهم الإيمان بالنبي محمد وقت مجيئه، وأن عليهم نصرته وتأييده، وقد أقر الأنبياء بذلك، فآمنوا برسالته، وأقروا ببعثته ؛ وهذه الخصوصية ليست لأحد منهم سواه. وقد روي عن علي بن أبي طالب و ابن عباس رضي الله عنهم، أنهما قالا: ما بعث الله نبيًا من الأنبياء إلا أخذ الله عليه الميثاق، لئن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته، لئن بُعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه.

*ومما اختص به عليه الصلاة والسلام، أن الله سبحانه قذف في قلوب أعدائه الرعب والخوف منه، حتى لو كانوا على مسافة بعيدة منه، ولم يحصل هذا لأحد قبله، يقول صلى الله عليه وسلم: ( نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر ) رواه البخاري و مسلم .

*ومن خصائصه التكريمية عليه الصلاة والسلام أن أمته خير الأمم، قال تعالى: {  كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... } (آل عمران:110)، وجاء في الحديث، قوله عليه الصلاة والسلام: ( إنكم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها، وأكرمها على الله ) رواه الترمذي . وإنما نالت هذه الأمة هذه الخيرية بنبيها محمد عليه الصلاة والسلام ، فإنه أشرف مخلوق على الله، وأكرم الرسل عليه سبحانه . 

*ومن خصائصه التكريمية عليه الصلاة والسلام، أن الطاعون والدجَّال لا يدخلان مدينته؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ( على أبواب المدينة ملائكة، لا يدخلها الطاعون، ولا الدجال ) رواه البخاري و مسلم . 

*ومن خصائصه التكريمية صلى الله عليه وسلم وجوب محبته، وتقديمها على محبة النفس والأهل والمال والولد، قال تعالى: { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره } (التوبة:24)

وقال صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ) رواه البخاري و مسلم ، وفي حديث عند البخاري : ( حتى أكون أحب إليك من نفسك ) .

*ومن خصائصه التكريمية صلى الله عليه وسلم، أنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة؛ واختصاصه بحمل لواء الحمد؛ واختصاصه صلى الله عليه وسلم أيضًا بأنه أول من يدخل الجنة يوم القيامة؛ يبين كل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ، آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر ) رواه الترمذي وفي رواية عند الدارمي : ( وأنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة، ولا فخر ) .

*ويندرج في هذا النوع من الخصائص التكريمية ، أنه صلى الله عليه وسلم يبعثه الله يوم القيامة مقامًا محمودًا؛ قال تعالى: { عَسى أن يبعثك ربُّك مقاما محمودا } (الإسراء:79)[11] والمقام المحمود الذي اختص به رسولنا هو مقام الشفاعة، وهو مقام لم ينله أحد غيره؛ فالناس يكونون يوم القيامة جالسين على ركبهم، كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان اشفع ! يا فلان اشفع ! حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود. والحديث رواه البخاري .

*ومن الخصائص التكريمية ، أنه صلى الله عليه وسلم يكون يوم القيامة أكثر الأنبياء أتباعًا؛ وقد جاء في الخبر أن الأمم يوم القيامة تمر عليه صلى الله عليه وسلم، فيمر النبي وليس معه أحد، ويمر النبي ومعه الواحد فقط، ويمر النبي ومعه الاثنان والثلاثة... ثم ينظر عليه الصلاة والسلام إلى الأفق، فيرى جمعًا عظيمًا من الناس، فيسأل: أتباع من هؤلاء ؟ فيقال له: هذه أمتك وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ) رواه مسلم.

*وهو -  صلى الله عليه وسلم – "النبي الوحيد ، بل  الإنسان الوحيد الذي حُفظت سيرته وأقوال وأفعاله وحركاته وسكناته في اليقظة والمنام بهذا الشكل، فلم يهتم أحد بحفظ سيرة أحد على وجه الأرض على مر التاريخ  بهذا النحو؛ بينما هتم المسلمون بنقل كل شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أسسوا العلوم لحفظ سيرته، وسنته ، ولقد بدأ هذا في عصر صدر الإسلام ، فنجد بن عباس –رضي الله عنه – يتحرى الليلة التي يأتي فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلى خالته ميمونة –إحدى زوجاته صلى الله عليه وسلم- ويبيت عند خالته حتى يراقبه صلى الله عليه وسلم في أكله ونومه وعبادته ويتمثل به كما روى ذلك مسلم في صحيحه ، وغيره ....ومن أبرز تلك العلوم التي نشأت علم الحديث والمصطلح ، والذي رأى أن السنة هي :" كل الأقوال والأفعال ، و التقريرات ،حقيقة وحكما ، حتى الحركات والسكنات يقظة ومناما قبل البعثة وبعدها ...فكان حفظ سيرته صلى الله عليه وسلم وأخباره في كتب الصحاح والسنة والسيرة دليلاً واقعيا ً تاريخياً آخر على خصوصية وفضل ذلك النبي ، فليس هناك سجل تاريخي محفوظ لنا بسند متصل إلى أحد الأنبياء إلا له صلوات ربي وسلامه عليه " [12]

 *ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الإنسان  الوحيد الذي اشتهر بكمال العظمة والتميُّّز،" فما من مشهور عرفه الناس إلا وهو متميز في ناحية واحدة من نواحي العظمة ، فقد اشتهر شكسبير مثلا ً في ميدان الكتابة الأدبية ، ونابليون في القوة العسكرية ، وغاندي في مجال السياسة،وفولتير في الفكر ، بينما كان الوحيد الذي جمع بين نواحي العظمة بين جنبيه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم  "[13]

  

وكما قيل: "إن أكمل الخلق عند الله من كمل مراتب الجهاد كلها والخلق متفاوتون في منازلهم عند الله تفاوتهم في مراتب الجهاد ولهذا كان أكمل الخلق وأكرمهم على الله خاتم أنبيائه ورسله فإنه كمل مراتب الجهاد وجاهد في الله حق جهاده وشرع في الجهاد من حين بعث إلى أن توفاه الله عز وجل"[14]

 هذه جملة من الخصائص التكريمية التي اختص الله بها رسول الإسلام دون غيره من الأنبياء، وهي بمجموعها تظهر مكانة هذا النبي، ومنزلته عند الله سبحانه ، فهو المفضل من النبيين، وهو المختار على غيره من الخلق أجمعين . 

 

--------------------------------------------------------------------------------

 محمد عبد الرحمن عبد اللطيف . في رحاب السيرة ، ص160-161 بتصرف يسير [1]

 محمد متولي الشعراوي. محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم : القاهرة: مؤسسة أخبار اليوم، 1999.- ص  44-  51، بتصرف يسير[2]

أنور الجندي. أقباس من السيرة العطرة ن ص 125.[3]

 عمرو خالد. على خطى الحبيب صلى الله عليه وسلم، ص118-119  ، بتصرف يسير.[4]

أنور الجندي. أقباس من السيرة العطرة ، ص 125-127.[5]

عبد الله نجيب سالم . مواقف إنسانية في السيرة النبوية  ،ص5-6.[6]

 عمرو خالد. في ظلال السيرة النبوية  ، ص31.[7]

 [8] amin , el-sayed m .a human being before a prophet: muslim reflections on muhammad's character ,available from: http://www.readingislam.com/servlet/satellite?c=article_c&cid=1184649802645&pagename=zone-english-discover_islam%2fdielayout

[9] جاء هذا الكلام على لسان الدكتور شبلي شميل الطبيب و العالم الطبيعي و المصلح الاجتماعي اللبناني النصراني المعروف، في المصدر:  محمد فهمي عبد ا لوهاب. محمد رسول الإسلام في نظر فلاسفة الغرب و مشاهير علمائه وكتابه.-القاهرة : المجلس ا لأعلى للشئون الإسلامية ، 1975.-ص55

علي جمعة .محمد رسول الله إلى العالمين ، ص26- 29[10]

[11] يلاحظ ان كلمة "عسى" من الله تبارك وتعالى تفيد التأكيد

علي جمعة . محمد رسول الله إلى العالمين ، ص24، بتصرف يسير .  [12]

 عمرو خالد. في ظلال السيرة النبوية : على خطى الحبيب ، ص30. [13]

  زاد المعاد، متاح في: [14]

http://sirah.alislam.com/searchdisp.asp?id=3033&searchtext=أوليس%20خياركم%20أولاد%20المشركين&searchtype=root&scope=all&offset=0&searchlevel=qbe




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق