قال الإمام ابن القيم :[1] " فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم قال الله تعالى { وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } الاسراء 31 فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال يا أبت إنك عققتني صغيرا فعققتك كبيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا ".
والسؤال الذي يفرض نفسه: من المسؤول عن انحراف الأبناء؟
يحمِّل الإسلام الأبوين ومن يقوم مقامهما مسؤولية انحراف الأبناء ومن الأدلة القوية على ذلك ما أخرجه البخاري عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ » . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ )[2] .
ومن تمام مسؤولية الأبوين عن تربية أبنائهما محاسبتهما على التقصير في حقهما فعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللَّهُ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ أَحَفَظَ أَمْ ضَيَّعَ."
وعَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفَظَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ."[3]
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ: فَالأَمِيرُ رَاعٍ عَلَى النَّاسِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ.[4].
هذه مسؤولية الآباء والأمهات نحو أبنائهم والتي لا يمكن أن تعوض بغيرهم، وقد أثبتت الدراسات الميدانية أن غالب انحراف الناشئين يرجع إلى انحراف المربي والقيم على التربية وصدق القائل[5]:
ويَنشأُ ناشىءُ الفتيانِ، مِنّا على ما كانَ عَوّدَهُ أبُوه
وما دانَ الفتى بحِجًا، ولكنْ يُعَلّمُهُ التّدَيّنَ أقرَبُوه
وطِفلُ الفارسيّ لهُ وُلاةٌ، بأفعالِ التَمَجّسِ دَرّبوه
وضمّ النّاسَ كلَّهمُ هَواءٌ، يُذلَّلُ، بالحوادثِ، مُصعَبوه
فالحذر الحذر من ترك الأبناء لتربية الخادمات، والحذر كل الحذر من ترك المحاضن الأجنبية والمدارس التبشيرية تحتضن أبناءنا وتربيهم وفق مناهجها، فإن علماء التربية يؤكدون أن أكثر من 90% من تربية الطفل إنما تتشكل من خلال التربية والبيئة التي يعيش فيها الطفل[6].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - موسوعة كتب ابن القيم - (234 / 5)
[2] - صحيح البخارى- المكنز - (1359 )
[3] - صحيح ابن حبان - (10 / 344)(4492و4493) وعشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة - (1 / 195)(278-7932) صحيح
[4] - صحيح ابن حبان - (10 / 341)(4489) وصحيح البخارى- المكنز - (
2554) وصحيح مسلم- المكنز - (4828)
[5] - تراجم شعراء موقع أدب - (45 / 239)
[6] - انظر كتاب :كيف نربي أبناءنا تربية صالحة