وخلافا للتعاليم التي أتت بها اليهودية والمسيحية، فإن الإسلام يرفض اتهام المرأة بالتسبب في نزول آدم من الجنة إلى الأرض، يرفض الإسلام هذا الإدعاء، ويؤكد أن الذنب ليس ذنب حواء وحدها، وأنه لا يعقل لومها على ذلك وتحميلها مسؤولية نزول الإنسان من الجنة كما تفعل اليهودية والمسيحية، حيث تم استغلال هذا الإدعاء الخاطئ من أجل مزيد احتقار المرأة والتقليل من شأنها. يؤكد القرآن على أن آدم وحواء أخطآ معا وأنهما كليهما يجب أن يتحملا مسؤولية خطئهما معا وبصفة متساوية:
"وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ، فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ، فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ، قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (الأعراف: 19-23)
وعند التمعن جيدا في هذه الآيات من القرآن الكريم سنلاحظ أن قصة آدم وحواء وتناولهما من الشجرة المحرمة تم سردها في القرآن الكريم بصيغة المثنى حيث كان كل من آدم وحواء معا مقصودان بالحديث. ولا يوجد حسب هذه الآيات لأي لوم لحواء وحدها أو اتهام لها بأنها من دفعت آدم للتناول من تلك الشجرة. فالقصة واضحة وضوح الشمس حيث كان الشيطان وحده محرضا لهما معا لكي يعصيا أمر ربهما. وكانت النتيجة غضب الله عليهما معا واستجدائهما، معا وبصيغة الجمع، لرحمة الله وعفوه.
بل إن المرأة حسب القرآن الكريم ليست الملامة على هذا الخطأ، ففي إحدى الآيات كان آدم الملام الوحيد: "فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى" (20:121)
وفي هذه الآية ذكر اسم آدم وحده على أنه من عصى ربه فغوى رغم الإشارة إلى أنه وحواء أكلا معا من الشجرة، وعدم ذكر اسم حواء على أنها عصت ربها كما عصى آدم ربه يجعل هذا الأخير مسئولا أكثر منها على الوقوع في ذلك الخطأ.
أما فيما يخص حقوق الميراث التي لم تكن تُمنح إلا للأقارب الذكور قبل الإسلام، فقد أعطى الإسلام الأقارب النساء نصيبا من الميراث: "لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا"(النساء: 7)ومسألة توزيع الميراث موضوع كبير وله كمية ضخمة من التفاصيل (سورة النساء في الآيات 7، 11، 12 و176). لكن المهم فيه هو أن المرأة المسلمة حصلت على حقها الكامل في الميراث من والديها منذ ظهور الإسلام منذ أربعة عشر قرناً في الوقت الذي كانت فيه المرأة اليهودية والمسيحية جزء من ممتلكات الآباء والأزواج من بعدهم! كل هذا يظهر بوضوح المكانة العالية التي تتمتع بها المرأة في الإسلام مقارنة بنظيرتيها اليهودية والمسيحية، وهذا ليس كل شي. فبالنسبة لقضية ممتلكات الزوجة، منح الإسلام منذ القرن السابع بعد الميلاد المرأة المتزوجة الشخصية المستقلة التي كانت مسلوبة من المرأة اليهودية والمسيحية الغربية حتى وقت قريب. لقد كرم الإسلام المرأة تكريما كبيراً حينما لم يجعلها بحاجة إلى تقديم الهدايا من أجل اجتذاب زوج المستقبل، بل الزوج هو الذي يجب أن يقدم هدية للعروس وتحتفظ المرأة بهذه الهدية حتى بعد الطلاق. ولا يحق للزوج أن يشارك في أي من ممتلكات زوجته إلا إذا كان ذلك عرضاً منها وبموافقتها[70]؛ وقد ذكر القرآن ذلك ذكراً واضحاً: "وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا" (النساء: 4)
_____________________________________
[70] elsayyed sabiq, fiqh al sunnah (cairo: darul fatah lile'lam al-arabi, 11th edition, 1994), vol. 2, pp. 218-229.
المقال السابق
المقال التالى