عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

تحت قسم أروع القيم الحضارية في سيرة خير البرية
الكاتب انجوغو امبكي صمب
تاريخ الاضافة 2008-01-27 02:11:08
المقال مترجم الى
English    Français    Español   
المشاهدات 25010
أرسل هذه الصفحة إلى صديق باللغة
English    Français    Español   
أرسل الى صديق اطبع حمل المقال بصيغة وورد ساهم فى دعم الموقع Bookmark and Share

   


المبحث الثالث :


حكمة تعدد زوجاته الطاهرات.
بعد أن تحدثنا في المبحث الأول والثاني عن زواج رسول الله وما خصه الله به في ذلك، فقد آن الأوان لإبراز القيم الحضارية النبيلة، والمقاصد الشرعية الجليلة، في تعدد زوجاته الطاهرات رضي الله عنهن، ثم نحاكم تهمة (الشهوانية) التي رمي  بها إلى تلك القيم والمقاصد التي كان يهدف إلى تحقيقها في زيجاته، كي نرى مدى التباعد بين سلوك (الشهواني) الذي يلهث وراء النساء يتخير منهن ملكات الجمال من الأبكار والصغيرات السن، كلما كبرت منهن واحدة بدل بها غيرها، وبين صاحب مشروع حضاري فيه سعادة البشرية في الدنيا والآخرة، أنيط عليه أمانة تبليغ رسالة الله وتزكية نفوس الخلق، وتعليمهم كل شيء في حياتهم، كما قال تعالى مبينا وظيفته الشريفة : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (الجمعة:2)، فانتخب من نساء زمانه أوعية للعلم ونواقل للآداب، ومعينات على الطاعة، وسفيرات للنساء عند بيت النبوة الكريمة، ولكل حادثة من حوادث زواج رسول الله بهن حديث ينم عن حكمة ومقصد.

 


وقد قسم العلامة محمد بن علي الصابوني الحكم والمقاصد التي من أجلها تزوج رسول الله بهذا العدد من النساء إلى أربعة أقسام وهي:
الحكم التشريعية، والحكم التعليمية، والحكم الاجتماعية، والحكم السياسة(1) وسوف نتابعه في هذا التقسيم الذي لم نر من سبقه إليه، لكن سنزيد في الأمثلة والشواهد والتعليقات بحسب ما يتطلبه المقام من المقال.


أولا : الحكمة التشريعية:


بعث الله رسوله محمد  إلى الناس ليدعوهم إلى عبادة الله وتوحيده، وأن يقوم الناس بالقسط في أخلاقهم ومعاملاتهم، وكان رسول الله يبلغ ما أنزل إليه من ربه بقوله وفعله وتقريره، وقد كان من عادة العرب في الجاهلية (التبني)، وقد تابعهم رسول الله  لما لم ينزل من الله في ذلك شيء بعد، حيث تبنى زيد بن حارثة الذي اختار صحبته وترك أباه وقومه في قصة طويلة... حتى أصبح يدعى زيد بن محمد(2).
ولما في هذه العادة الجاهلية من المفاسد الدينية والدنيوية(1) نهى الله عنها وأبطلها بتدبير منه سبحانه وتعالى، إذ قدر أن تكون خلافات بين زيد وزوجته زينب بنت جحش كانا يراجعان فيها رسول الله، وستنتهي إلى فراق بينهما، وكان الله قد أطلع رسوله  على شيء من ذلك وأعلمه بأنه سيتزوجها بأمره، و يذكر الله تعالى الفصل الأخير من هذه القصة وينص على الحكمة والعلة من تزويج رسوله زينب رضي الله عنها فيقول: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} (الأحزاب:37)
إذن فزواج رسول الله لم يكن بمحض إرادته بل كان أمرا من الله تعالى لا يملك أمامه أي خيار.

 

 


ثانيا : الحكمة التعليمية:


الحكمة الثانية من حكم تعدد زوجات الرسول الكريم r هي الحكمة التعليمية، حيث كان r يبلغ دين الله إلى جميع الناس رجالا ونساء صغارا وكبارا، ويعلمهم ما أوجب الله عليهم من أحكام العبادات وسائر المعاملات، ونظرا لما فطر عليه النساء المؤمنات من الحياء، ولما اتصف به رسول الله من سمو الأخلاق وعفة اللسان، ناسب أن يتوفر عنده من نساءه أوعية للعلم، وحملة للآداب ينقلن عنه الأحكام الخاصة بالنساء، وما يتعلق بأحكام العشرة بين الزوجين ونحوها فعن عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألت النبي  عن غسلها من المحيض، فأمرها أن تغتسل قال: ((خذي فرصة من مسك فتطهري بها)) قالت كيف أتطهر؟ قال: (تطهري بها) قالت كيف؟ قال: ((سبحان الله تطهري)) فاجتبذتها إلي فقلت تتبعي بها أثر الدم(1).
ومثل هذه الوقائع كانت تتكرر في بيت رسول الله الذي كانت النساء يقصدنه لطلب العلم وسؤال رسول الله  وسؤال زوجاته أمور دينهن ودنياهن.

 

 

 


وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أيضا تنقل العلم والسنة عن رسول الله وتبلغها للنساء والرجال بواسطة زوجاتهم، فعن معاذة عن عائشة قالت: مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء، فإني أستحييهم، وإن رسول الله كان يفعل ذلك(1).
ومن يستطيع أن يطلع على هذه السنن والهدى غير أهل بيته من زوجاته الطاهرات رضيّ الله عنهن.
وللمناسبة فإن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مدار هذين الحديثين تعد من المكثرين في الرواية عن رسول الله ، وكانت متميزة بوفرة العقل وحدة الذاكرة رضي الله عنها، فعن أبي موسى الأشعري قال: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما(2).

 

 


ثالثا: الحكمة السياسية:


ومن الحكم أيضا في تعدد أزواج النبي الكريم  ما يتعلق بتدبير شؤون الناس بما يصلحها، سواء ما تعلق بما يربطه بأتباعه والمؤمنين من أمته، أو ما تعلق بغيرهم، فقد كان رسول الله يراعي في جميع تصرفاته السياسية ما يحقق المصلحة ويكثرها، وما يدفع المفسدة ويقللها، وقد أدرك  أن المجتمع العربي في ذلك الزمن مجتمع قبلي، يوالي فيه الفرد ويعادي من توالي أو تعادي القبيلة، وينصر فيه الإنسان أخاه ظالما أو مظلوما، ويتابع المرء قومه إن على الحق أو على الباطل، فعمد r إلى ما في القبلية العربية من فوائد فرام تحصيلها، فأمر بنصرة الأخ ظالما أو مظلوما على الوجه الذي يقره الشرع بان ينصر الظالم و يأخذ على يديه وينتزع منه حقوق الناس التي سلبها إياهم، وينصر المظلوم بالسعي للمطالبة بحقوقه، كما أرشدهم إلى اتباع الحق ولو خالفك فيه من خالفك من قومك وأهل قرابتك.

 

 


ومن هذا الباب كان زواج رسول الله بأم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان رضيَ الله عنهما لما تنصر ومات زوجها عبيد الله بن جحش في الحبشة، فأرسل رسول الله إلى النجاشي ليخطبها له، ففرحت بذلك رضي الله عنها، وفرح أبوها أبو سفيان وقال كالمفتخر بمصاهرته لرسول الله  (هو الفحل لا يقدح أنفه)(1)، ولا يخفى على قارئ السيرة النبوية ما كان لأبي سفيان من درجة ومنزلة في قومه، وما كان للمصاهرة عند العرب وغيرهم من آثار اجتماعية، فهي إحدى وشائج القرابة بين الناس، ومن أسباب التراحم و التوادد بينهم، لاسيما إذا أدى الطرفان ما عليهما من حقوق وواجبات.

 

 


وقل مثل ذلك في زواجه بجويرية، فقد كانت من الأسيرات في غزوة بني المصطلق، في شهر شعبان من السنة السادسة الهجرية(1)، فأراد رسول الله إكرام هذا الصنف من النساء، فسوى بينهن وبين الحرائر، وضرب للناس أروع الأمثلة على سماحة الإسلام، فأزال من الأذهان ما كان قد علق بها من احتقار للإماء، واتخاذهن فقط للبيع أو للخدمة، وحرمانهن من نعمة العتق إلا بالمكاتبة وشراء أنفسهن من مالهن، فتعلم المسلمون من هذه الزيجة كيفية صيانة سيدات الأسر الكريمة بين قومها، ورحمة عزيز قوم ذل وغني قوم افتقر، وقد زخر التاريخ الإسلامي بعد هذا بالسبايا اللائي تزوجهن أسيادهن من الخلفاء والأمراء والسادة والكبراء، وأنجبن الخلفاء والأمراء والقادة والعظماء وتأمل ذلك في تاريخ خلفاء بني العباس(2).

 

 


وهناك حكمة سياسية أخرى مهمة تظهر في زواج رسول الله بأم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب وهي الرد على تهمة عنصرية النبي والإسلام ضد اليهود أو غيرهم، وكان ذلك (أي زواجه بأم المؤمنين جويرية) إثر هزيمتهم في خيبر عام 6 هـ وقيل 5 هـ(1)، فقد دل هذا الزواج على أن العنصرية لم تكن واردة في قاموس رسول الله  السياسي والاجتماعي، وإلا فكيف يتزوج من ابنة زعيم من زعماء اليهود مات هو وزوجها وأخوها في صراعهم ضده (2).

 

 


رابعا: الحكمة الاجتماعية:


كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وزيرين لرسول الله r يوكلهما بتنفيذ كثير من المهام، ويستشيرهما في عويص المسائل والقضايا، وقد يحتاج للدخول عليهما في أوقات لا يدخل فيها أحد على أحد إلا من كان من بطانته و خاصته، وقد كانا بحق كذلك، وليس من شك في تأثير آصرة المصاهرة على مرونة العلاقة بين رسول الله  ووزيريه، انظر إلى حادثة الهجرة وكيف رتب لها في بيت أبي بكربكل سرية وأمان، حتى خرج رسول الله  وأبو بكر من مكة، ومازالت قضية الهجرة بيد أفراد أسرة أبي بكر تنفيذا ومتابعة، ما بين إيصال للطعام وأخبار قريش تتولاها أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، وتعمية لمن يطارد الرسول وأبا بكر يقوم به راعي غنم أبي بكر مولاه عامر بن فهيرة(1)، واقرأ إن شئت من سيرة الفاروق ما يدلك على عنايته الفائقة رضي الله عنه بأهل بيت رسول الله ومتابعته الدقيق لما يحدث فيه، وقد سبق أن ذكرنا لك من استغرابه لمراجعة نساء رسول الله رسول الله ، وتحذيره إياهن من غضب الله ورسوله، وكان أيضا هو الذي رأى أن يحجب رسول الله نسائه فنزل القرآن فوافقه على ذلك.

 

 


كل ذلك وغيره من الآثار يعد من نتائج وعلل زواجه  بابنتي وزيريه أبي بكر وعمر عائشة وحفصة رضي الله عنهم جميعا.
وكذلك زواجه  بأم سلمة رضي الله عنها وهي أرملة عبد الله بن عبد الأسد من السابقين الأولين، واستشهد في غزوة أحد وخلف أيتامها الأربعة، ولم ير عليه السلام عزاء ولا كافلا لها ولأولادها غير أن يتزوج بها، ولما خطبها لنفسه اعتذرت إليه، وقالت إني مسنة، وإني أم أيتام، وأني شديدة الغيرة، فأجابها عليه السلام وأرسل لها يقول: ((أما الأيتام فأضمهم إلي، وأسال الله أن يذهب عن قلبك الغيرة))، ولم يعبا بالسن، فتزوجها بعد موافقتها، وقام على تربية أيتامها، ووسعهم قلبه الكبير، حتى أصبحوا لا يشعرون بفقد الأب، إذ عوضهم أبا أرحم من أبيهم صلوات الله وسلامه عليه(1)




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق