وهكذا رأينا الأنبياء يبشرون بالنبي الخاتم نبياً تلو نبي. « كان الناموس والأنبياء إلى يوحنا، ومن ذلك الوقت يبشر بملكوت الله» .
يبشرون بالنبي الذي أخذ عليهم الميثاق بأن يؤمنوا به إن جاء وينصرونه « وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين » آل عمران: 81
وقام الأنبياء ببلاغ أقوامهم خبر هذا النبي « جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبؤوا وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيلياء المزمع أن يأتي » .
وحفظ لنا الكتاب المقدس بعضاً من هذه البشارات فهو النبي الذي يحقق وعد الله لإبراهيم وزوجه هاجر بالبركة في ابنها إسماعيل، وهو له « له خضوع شعوب » .
وهو النبي الذي ماثل موسى وبشر به قومه بني إسرائيل، وهو النبي الذي تتلألأ نبوته عند جبال فاران وينتمي إلى أمة تقوم بأمر ملكوت الله الذي سينزع من بني إسرائيل « ويعطى لأمة تعمل أثماره » وذلك لأنهم « أغاروني بغير إله، وأغضبوني بمعبوداتهم الباطلة، وأنا أيضاً أغيرهم بغير شعب، وبشعب جاهل أغضبهم » .
وهكذا انتقلت النبوة والاصطفاء إلى أمة العرب المرذولة « الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية » .
وذكرت النصوص الإنجيلية والتوراتية اسم النبي وصفاته فقد سماه المسيح « البارقليط » ، وهو بمعنى أحمد ووعدت به الملائكة «وعلى الأرض الإسلام، وللناس أحمد» - حسب ترجمة عبد الأحد داود .
وتحدثت عن أرض هجرته «وحي من جهة بلاد العرب، في الوعر من بلاد العرب» ، ودعت لنصرته ومواساته «يا سكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزه» .
وتحدثت النصوص عن انتصار هذا النبي وأن دينه سيبلغ ما بلغ الليل والنهار فهو الذي «يده على كل واحد» ، و «له يكون خضوع شعوب » ، و «شعوب تحتك يسقطون» ، و «الرب عن يمينك يحطم في يوم رجزه ملوكاً يدين بين الأمم ملأ جثثاً، أرضاً واسعة سحق رؤوسها » ، «لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض» .
وهو الغضب الآتي على الكفرة، ومنهم اليهود الذين حذرهم يوحنا فقال: «يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي … سيعمدكم بالروح القدس ونار، الذي رفشه في يده، وسينقي بيدره، ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ» ، و « من سقط على هذا الحجر يترضض، ومن سقط هو عليه يسحقه» .
وذكرت النبوات أيضاً بأن هذا القادم هو آخر الأنبياء وأن سلطانه أي شريعته يمتد إلى الأبد «يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً... وهي تثبت إلى الأبد » ، و « أما قديسو العلي فيأخذون المملكة، ويمتلكون المملكة إلى الأبد وإلى أبد الآبدين » وكما قال صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون» ، وفي رواية مسلم: «حتى تقوم الساعة» رواه البخاري ح6881 ، ومسلم ح 1923 فهو الذي بشر المسيح بدولته حين قال: «فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد » .
ورسالة هذا النبي ليست خاصة بالعرب أو بني إسرائيل، بل هي عامة لكل الشعوب فهو «يبكت العالم على خطية» ، و «له يكون خضوع شعوب» ، وهو «مشتهى كل الأمم» ، الذي «لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة» .
وهو النبي الأمي الذي حدثت عن التوراة والإنجيل «وأجعل كلامي في فمه» ، وهو الأمي المبشر بالنبوة في غار حراء «أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف القراءة فيقال له: اقرأ. فيقول، لا أعرف الكتابة» .
وهو الذي لا ينطق عن الهوى « لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به » ، ويبلغ كامل دعوته، فلا يحول الموت أو القتل دون بلاغه «فيكلمهم بكل ما أوصيه به» .
وهو صاحب شريعة مثل موسى «تنتظر الجزائر شريعته» ، وشريعته مؤيدة بالقوة «وعن يمينه نار شريعة لهم » ، وشريعته شاملة لكل مناحي الحياة فهو «يعلمكم كل شيء» ، و «ويرشدكم إلى جميع الحق» ، وبمجيئه تنسخ شريعة موسى.. «لا يزول قضيب من يهوذا، ومشترع من بين رجليه، حتى يأتي» .
وهو أعظم العالمين، فلئن كانت النساء لم تلد مثل يوحنا المعمدان، فإن « الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه » صلى الله عليه وسلم.
وقد صدق كريستوفر ديفيز أستاذ علم مقارنة الأديان حين قال: « إن كل هذه النبوءات بمعانيها وأوصافها لا تنطبق إلا على النبي العربي محمد » صلى الله عليه وسلم.
المقال السابق
المقال التالى