عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

الحديث الخامس عشر: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: " أحي والداك "
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- قال:  جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستأذنه في الجهاد فقال: أحي والداك؟ قال نعم، قال: ففيهما فجاهد  متفق عليه.


فيه حرص الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- على مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا الصحابي أتى ليجاهد، ولكنه أراد أن يكون جهاده على علم وعلى بصيرة، فسأل النبي عليه الصلاة والسلام:  يا رسول الله ائذن لي بالجهاد، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أحي والداك  فيه أيضا فضيلة الجهاد، وفيه عظيم شأن منزلة الوالدين  قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد  فيه حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على شأن الوالدين:  أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله  فما بالكم من يتذمر ويضيق ذرعا إذا قلت له قَدِّم والديك على ذهابك للجهاد، قدم طاعة والديك على حبك للجهاد.

هنا الجهاد مشروع، وفي عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وأي شرف، وأي فخر، وأي منزلة في جهادٍ مع النبي عليه الصلاة والسلام، ومع هذا كله، ألك والدان؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد. وفي الحديث أيضا أن دعاة الخير أولى الناس ببر والديهم، وأن عليهم أن يلزموا هذا الأمر، فقد كان أنبياء الله -عليهم الصلاة والسلام- أحرص الناس على بر والديهم.

يضيق بعض طلبة العلم، وبعض المحبين للخير، إذا ذكرت طاعة والديه، وقلت لكم أمس: ذاك الشاب الذي سأل الإمام أحمد رحمه الله، يا إمام، الرجل يرحل لطلب العلم فيمنعه والداه؟ قال: أما ما لا بد له فنعم، وأما ما سوى ذلك فأمر الوالدين أعظم وأجل شأنا.. أنبياء الله -عليهم الصلاة والسلام- كانوا أبر الناس بوالديهم، بل ذكر الله بر الوالدين حتى ولو كانا مشركين.

والبر أنواع:  وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ  لاحظْ جاهداك، على الشرك:  فَلَا تُطِعْهُمَا  هذا نهي، لكن جاء الأمر:  وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا  جاهداك على الشرك لا تطعهما، لكن الأمر أن تصاحبهم.

ولهذا كان أنبياء الله أبر الناس، عليهم الصلاة والسلام بالوالدين، نوح عليه السلام:  رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا  داود، سليمان:  رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ  ذكر الوالدين بالخير، إبراهيم كان بارا بوالديه أتم البر:  يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ   يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ  يا أبتِ، للترفق، يقول بعض المفسرين: استعمل الخليل -عليه السلام- أرق عبارات الخطاب، الأبوة، وذكر والده بالخير الذي فوته، وبالشر الذي هو عليه.

عيسى عليه السلام:  وَبَرًّا بِوَالِدَتِي  يحيى عليه السلام:  وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ  والنبي عليه السلام كان بارا بوالديه، قد تقول: كيف ذلك. عم الرجل صنو أبيه، وكان عليه الصلاة والسلام يبر بعمه أبي طالب، وحاول فيه، يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله.

وقد ذكر أهل العلم عجائب في برهم بوالديهم. الإمام أبو حنيفة ذكر صاحب كتاب مناقب أبي حنيفة ابن مكي، قال: رأيت الإمام أبا حنيفة قد أركب أمه على حمار، وذهب بها إلى علقمة -علقمة كان إماما لمسجد في الحي الذي يسكن فيه أبو حنيفة- تسأل أم أبي حنيفة أبا حنيفة عن أمر من أمور النساء، فلما أجابها، قالت: دع عنك هذا، اذهب بي إلى علقمة، وعلقمة من تلاميذ أبي حنيفة -كما أذكر الآن- فلما جاء أبو حنيفة وقد أركب أمه على الحمار -رحمهم الله تعالى- قال أبو حنيفة: يا علقمة هذه أمي تستفتيك، فخجل واضطرب -وهو تلميذ من أصاغر تلاميذ أبي حنيفة- فقال: يا أماه هذا أبو حنيفة. قالت: أجبني، ما تفعل المرأة إذا حصل كذا وكذا؟ فأتذكر أن أبا حنيفة أشار له بالجواب، فقال: افعلي كذا. قالت: هذا العلم والله لا علم أبي حنيفة. مع أن الجواب واحد لكن بره بأبيه.

حيوة بن شريح كان في مجلس العلم تأتيه أمه تقول: يا حيوة قم، قم أعط الدجاج الحب، فيقوم وينزل ويعطيها الحب، وما منعه علمه ولا هيبته.

الإمام الذهبي -رحمه الله- ذكر عن نفسه في كتاب معرفة القراء الكبار، ذكر أحد القراء وقال: إنني كنت أتحسر ولا أتجسر من والدي، فأذن لي بالرحلة لشهر واحد، فذهبت ولم أختم، وقد وددت أن أجلس ولكنني وعدت الوالد. ولما سئل ابن عساكر: لماذا لم يقدم ذكروا مدينة لا أذكرها الآن، قال: كانت الوالدة تمنعني من ذلك.

ولما قدم أحد المحدثين إلى بغداد جاء أحدهم إلى أحمد، فقال: يا أحمد، نعبر الشط، النهر -يروي عنه- قال: إن أمي قد أخذت علي العهد أن لا أعبر إذا كان النهر قد فاض، فاذهب أنت.

والأمثلة كثيرة:

حجر بن الأدبر -رحمه الله- كان يتقلب على فراشه أو على فراشه أمه، فسئل لماذا؟ قال: أخشى أن يكون حجر تحت فراشها. والمعتمر بن سليمان يقول: بت أغمز قدمي أمي وبات أخي يصلي وما أحب أن ليلتي بليلته، لأن النفع هناك متعدٍ لبره بأمه وهذا النفع قاصر. فطالب العلم أولى الناس ببر والديه.

بر الوالدين يفتح أبوابا من الخير ويغلق أبوابا من الشر، فاحرص يا رعاك الله على هذا الأمر ترى من الله تعالى ما يسرك ويشرح صدرك.

قبل الختام هناك سؤالان في الحقيقة:

الأول: يقول لماذا طبع كتاب باسم الأربعين؟

العهدة على الطابع، والشيخ فهد الغراب، طبع الغراب الحذر، لكنه غُلب هذه المرة، فالأصل أن يقال: الأربعون، لكن كما قال الشافعي: أهل اللغة جن الإنس، يبصرون ما لا يبصر غيرهم. يقولون: هذا مقدر، بحذف مقدر، هذا كتاب الأربعين، أو هذا جزء في الأربعين.

الأمر الثاني: فيما يتعلق بصفة اليدين لله تعالى.

جاء في القرآن الكريم، اليد بالإفراد  بِيَدِهِ الْمُلْكُ  للجنس، وجاء  لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ  للحقيقة، وجاء  مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا  للتعظيم الجمع، فلله يدان تليقان به، صفتان حقيقيتان لا تكيف ولا تشبه، بل تليقان به يقال فيهما كسائر الصفات.

جاء في بعض الروايات: يقبض بيمينه ويقبض بالأخرى، في بعضها بشماله. وهذه الرواية كما قلت لكم أمس: فيها ضعف، قوله: كلتا يدي ربي يمين، إثبات اليدين الحقيقيتين لله جل وعلا.

فمن أثبت الشمال قال: يمين وشمال. ومن ضعف الشمال قال: كلتاهما يمين. قال بعض الشراح: حتى لا يتوهم أن في الأخرى نقصا. والشيخ عبد الرزاق موجود ودرسه متعلق بالصفات، وهو أدرى بالتفصيل في هذا، شكر الله لكم جميعا، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله.


 

 




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق