عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

تحت قسم شبهات و ردود
تاريخ الاضافة 2009-07-09 15:14:45
المقال مترجم الى
English    Español    Русский   
المشاهدات 31282
أرسل هذه الصفحة إلى صديق باللغة
English    Español    Русский   
أرسل الى صديق اطبع حمل المقال بصيغة وورد ساهم فى دعم الموقع Bookmark and Share

   

هل الجزية إختراع إسلامي؟

 

يتحجج كثير من نقاد الإسلام بالجزية في وصفهم هذا الدين بعدم المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، ويعتبرون الجزية سببا قويا لانتشار الإسلام باعتبار أن غير المسلمين يضطرون، حسب رأي هؤلاء النقاد، إلى دخول الإسلام هربا من دفع هذه الجزية. ومن خلال هذه الصورة المغلوطة التي تدل على مدى جهل هؤلاء النقاد بالحقيقة سيعتقد كل مصغي لهم الأمور التالية:

-      أن الجزية بدعة إسلامية اخترعها المسلمون من أجل سرقة الشعوب.

-      أن الجزية مبلغ طائل وتعجيزي لا يستطيع غير المسلمين دفعه مما يضطرهم لدخول الإسلام.

-      أن الجزية يدفعها كل فرد من غير المسلمين مهما كان جنسه أو عمره أو حالته المادية والاجتماعية.

 

وهذه النقاط الثلاث ليست في الحقيقة سوى مغالطات كبرى يسعى النقاد إلى تثبيتها في عقول الناس من أجل تشويه صورة دين الله وتنفير الناس منه، بل وتحريضهم ضده. وسنرى في معرض هذا المحور كيف أن الجزية ليست اختراعا إسلاميا لأنها وجدت في عهد اليهود وقد دفعها المسيح بنفسه، وسنرى كيف أن الجزية مبلغ زهيد جدا مقارنة بالزكاة التي يدفعها المسلمون، كما سنرى على من تفرض الجزية من بين غير المسلمين، فهي لا تفرض على كل فرد كما يحاول النقاد أن يُفهموا الناس. وسيتبين بذلك أن الجزية هي مشاركة بسيطة من طرف غير المسلمين تعفيهم من المشاركة في الخدمة العسكرية في الدولة التي أصبحوا جزءا منها.

 

يعرف قاموس الكتاب المقدس في موقع الأنبا تكلا[1] الجزية فيقول:

 

"(1) مال أو بضاعة أو خدمة تقدم من أمة أو من فرد لأمة أو الملك علامة الخضوع وقياماً بالنفقة (تكوين 49: 15 و قضاة 1: 28 و عزرا 4: 13 و اشعياء 31: 8 و متى 17: 25) ولما أراد الفريسيون أن يصطادوا المسيح ليجربوه فسألوه عن جواز دفع الجزية لقيصر فأجابهم بقوله المشهور ((أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله)) مبيناً بهذه الإجابة التمييز بين واجبين في دائرتين مختلفتين.

(2) جزية حسب الشريعة الموسوية عبارة عن درهمين كانت تفرض على كل نفس فوق سن العشرين ومقدارها نصف شاقل ينفق في سبيل خدمة خيمة الاجتماع (خروج 30: 13) ثم في أيام نحميا كان كل إسرائيلي يدفع جزية اختيارياً هو (ثلث) شاقل لنفقة الخدمة في الهيكل (نحميا 10: 32 و 33) ثم صار فيما بعد نصف شاقل كضريبة سنوية تجمع من كل يهودي جاوز العشرين من عمره في كل أنحاء العالم، وأما محاورة المسيح وبطرس في أمر الجزية التي دفعها المسيح في كفرناحوم فكان المقصود بها أن يوضح المسيح لبطرس أنه كان ممكناً أن يعفي (المسيح) من دفع الجزية لو شاء، لأنه ابن الله الذي كانت تدفع تلك الضرائب لخدمة بيته لكنه دفع الاستار لكي لا يعثر الشعب (متى 17: 24-27) وقد جعل الملك سليمان على الشعب جزية ثقيلة (1 ملو 12: 4) ويقول يوسيفوس المؤرخ أنه بعد خراب أورشليم ألزم الإمبراطور فاسيسيان جميع اليهود في أنحاء الإمبراطورية أن يدفعوا لهيكل جوبيتر في رومية، الدرهمين اللذين كانوا يدفعونهما سابقاً للهيكل."

 

أما قصة اليهود الفريسيون مع سيدنا عيسى والتي أشار إليها تعريف الجزية حسب قاموس الكتاب المقدس أعلاه، فتتمثل في كون أن اليهود كانوا يبحثون بشتى الوسائل عن طريقة يتخلصون بها من نبي الله عيسى بن مريم، فلم يجدوا طريقة غير إثبات عدم ولائه للدولة الرومانية غير الموحدة، فسألوه: "فقُلْ لنا ما رأيُكَ أيَحِلُّ لنا أنْ نَدفَعَ الجِزْيَةَ إلى القَيصَرِ أم لا" (متى 22 :17). لكن نتيجة تآمرهم لم تكن كما توقعوا: "فعرَفَ يَسوعُ مَكرَهُم، فقالَ لهُم يا مُراؤونَ لِماذا تُحاوِلونَ أنْ تُحْرِجوني، أرُوني نَقدَ الجِزْيةِ فناولوهُ دينارًا. فقالَ لهُم لِمَن هذِهِ الصّورَةُ وهذا الاسمُ، قالوا لِلقَيصَرِ فقالَ لهُم ا‏دفَعوا، إذًا، إلى القَيصَرِ ما لِلقَيصَرِ، وإلى اللهِ ما للهِ" (متى 22: 17- 21، لوقا 20: 22- 25 )

 

وهكذا تبين بكل وضوح أن الجزية ليست اختراعا إسلاميا، فقد كانت موجودة من قبل في عهد اليهود وفي زمن عيسى ابن مريم عليه السلام الذي كان يدفعها ويأمر بدفعها للإمبراطورية الرومانية التي لم تكن موحدة، لقد سمح المسيح بدفع الجزية إلى المشركين والوثنيين فكيف لا يسمح بدفعها للمسلمين الموحدين؟ لقد كانت الدولة الرومانية التي لم تكن تؤمن بالمسيحية في عهد سيدنا عيسى هي المسيطرة وصاحبة السلطة التي خضع لها اليهود والنصارى، وكانت دولة وثنية، ومع ذلك أمر المسيح أتباعه بدفع الجزية لها قائلا "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" مفرقا بذلك بين واجبين اثنين، بل وقدم الواجب نحو الدولة وإن كانت وثنية وذكرها قبل الواجب نحو الله الواحد الأحد!  وقد تحدث الكتاب المقدس عن الجزية في أكثر من مناسبة فيما يلي البعض منها:

 

 متى 22: 19: " أرُوني نَقدَ الجِزْيةِ فناولوهُ دينارًا " هنا قصة عيسى عليه السلام مع اليهود وقد ذكرناها.

 

 رومية 13 :7 : "فأعطُوا كُلَّ واحدٍ حقَّهُ الضَّريبَةَ لِمَنْ لَه الضَّريبَةُ، والجزيَةَ لِمَنْ لَه الجزيَةُ، والمَهابَةَ لِمَنْ لَه المَهابَةُ، والإِكرامَ لِمَنْ لَه الإِكرامُ." وهذا أمر صريح بدفع الجزية وقد اعتبر ذلك حقا لمن تحق له الجزية، فقال " فأعطُوا كُلَّ واحدٍ حقَّهُ" وبدأ بذكر الجزية قبل غيرها، وقد رأينا حسب تعريف قاموس الكتاب المقدس للجزية أنها "مال أو بضاعة أو خدمة تقدم من أمة أو من فرد لأمة أو الملك علامة الخضوع وقياماً بالنفقة." إذا فالواجب دفع الجزية لمن تحق له وهي الدولة.

متى17: 25-26: "فأجابَ نعم. فلمّا دخَلَ بُطرُسُ إلى البَيتِ، عاجَلَهُ يَسوعُ بِقولِهِ ما رأيُكَ، يا سِمْعانُ مِمَّنْ يأخُذُ مُلوكُ الأرضِ الجِبايَةَ أو الجِزيَةَ أمِنْ أَبناءِ البِلادِ أم مِنَ الغُرَباءِ، فأجابَ بُطرُسُ مِنَ الغُرَباءِ. فقالَ لَه يَسوعُ إذًا، فالأبناءُ أحرارٌ في أمرِ إيفائِها." وهنا يتضح أنه حسب سيدنا عيسى عليه السلام نفسه، لا تؤخذ الجزية إلا من الأجانب، وهذا يعني أنه أمر عادي ولا يمكن وصفه بالعنصرية أو عدم العدل لأن ذلك اتهام لنبي الله عيسى نفسه بالظلم والعنصرية، وهذا مما لا يجوز. فعندما يأخذ المسلمون الجزية من غير المسلمين، فإن ذلك ليس ظلما لهم أو عنصرية في التعامل معهم وإنما هي نوع من الجباية التي يدفع المسلمون أكثر منها ولكن باسم مختلف هو الزكاة.

كما أن العهد القديم من الكتاب المقدس يتحدث عن الجزية وكيف أن سيدنا موسى عليه السلام يدفعها:
  2أخبار 24عدد 9: "ونادَوْا في يَهوذا وأورُشَليمَ بأنْ يأْتوا إلَى الربِّ بجِزْيَةِ موسَى عَبْدِ الربِّ المَفْروضَةِ علَى إسرائيلَ في البَرِّيَّةِ."

وإسرائيل أخذ الجزية: قضاة1عدد 28 : "وكانَ لَمّا تشَدَّدَ إسرائيلُ أنَّهُ وضَعَ الكَنعانيِّينَ تحتَ الجِزيَةِ ولم يَطرُدهُمْ طَردًا."

ويوسف دفعها: قضاة1عدد 35: "فعَزَمَ الأموريّونَ علَى السَّكَنِ في جَبَلِ حارَسَ في أيَّلونَ وفي شَعَلُبِّيمَ. وقَوْيَتْ يَدُ بَيتِ يوسُفَ فكانوا تحتَ الجِزيَةِ."

وهوشع دفع الجزية: 2 ملوك 17عدد 3 : "وصَعِدَ علَيهِ شَلمَنأسَرُ مَلكُ أشّورَ، فصارَ لهُ هوشَعُ عَبدًا ودَفَعَ لهُ جِزيَةً."

ولا يكفي أن تدفع الجزية فحسب إن لم تكن يهوديا بل تخضع للعبودية مع حقوق مسلوبة، يشوع 16 عدد 10: "فَلَمْ يَطْرُدُوا الْكَنْعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي جَازَرَ. فَسَكَنَ الْكَنْعَانِيُّونَ فِي وَسَطِ أَفْرَايِمَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ, وَكَانُوا عَبِيداً تَحْتَ الْجِزْيَةِ"

وفي اقتباس أخير، سنرى كيف أن واجب طاعة الحاكم مقدس في العهد الجديد، وأن دفع الجزية هو حق لهذا الحاكم، فها هو بولس الرسول يأمر الناس بأن يطيعوا الحاكم الذي يحكم البلاد و بدفع الجزية في خضوع:

رومية 13عدد 1-7: "لتَخضَعْ كُلُّ نَفسٍ للسَّلاطينِ الفائقَةِ، لأنَّهُ ليس سُلطانٌ إلَّا مِنَ اللهِ، والسَّلاطينُ الكائنَةُ هي مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ، حتَّى إنَّ مَنْ يُقاوِمُ السُّلطانَ يُقاوِمُ ترتيبَ اللهِ، والمُقاوِمونَ سيأخُذونَ لأنفُسِهِمْ دَينونَةً. فإنَّ الحُكّامَ لَيسوا خَوفًا للأعمالِ الصّالِحَةِ بل للشّرّيرَةِ. أفَتُريدُ أنْ لا تخافَ السُّلطانَ؟ افعَلِ الصَّلاحَ فيكونَ لكَ مَدحٌ مِنهُ، لأنَّهُ خادِمُ اللهِ للصَّلاحِ! ولكن إنْ فعَلتَ الشَّرَّ فخَفْ، لأنَّهُ لا يَحمِلُ السَّيفَ عَبَثًا، إذ هو خادِمُ اللهِ، مُنتَقِمٌ للغَضَبِ مِنَ الَّذي يَفعَلُ الشَّرَّ. لذلك يَلزَمُ أنْ يُخضَعَ لهُ، ليس بسَبَبِ الغَضَبِ فقط، بل أيضًا بسَبَبِ الضَّميرِ. فإنَّكُمْ لأجلِ هذا توفونَ الجِزيَةَ أيضًا، إذ هُم خُدّامُ اللهِ مواظِبونَ على ذلك بعَينِهِ. فأعطوا الجميعَ حُقوقَهُمُ: الجِزيَةَ لمَنْ لهُ الجِزيَةُ. الجِبايَةَ لمَنْ لهُ الجِبايَةُ. والخَوفَ لمَنْ لهُ الخَوفُ. والإكرامَ لمَنْ لهُ الإكرامُ."

 

الجزية في الإسلام

أما في الإسلام، فإن الجزية تختلف عما تحاول بعض الأقلام السامة الترويج له، فهي مبلغ بسيط يكتب على الرجال القادرين على القتال فقط وتسقط عن النساء والذرية والعبيد والمجانين المغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني [2]. يقول المؤرخ آدم ميتز في كتابه ‘الحضارة الإسلامية’: "كان أهل الذمة يدفعون الجزية، كل منهم بحسب قدرته، وكانت هذه الجزية أشبه بضريبة الدفاع الوطني، فكان لا يدفعها إلا الرجل القادر على حمل السلاح، فلا يدفعها ذوو العاهات، ولا المترهبون، وأهل الصوامع إلا إذا كان لهم يسار"[3]. وقد كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد: "لا تضربوا الجزية على النساء والصبيان، ولا تضربوها إلا على من جرت عليه المواسي"[4]، أي ناهز الاحتلام. ولم يكن المبلغ المدفوع للجزية كبيراً تعجز عن دفعه الرجال، بل كان ميسوراً، لم يتجاوز على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الدينار الواحد في كل سنة، فيما لم يتجاوز الأربعة دنانير سنوياً زمن الدولة الأموية. وهكذا سنرى أن الجزية لم تكن تفرض إلا على ثلث أهل الذمة أو أقل بما أنها لا تفرض على النساء والأطفال والعجز، وإنما على الرجال القادرين على القتال فقط. يقول الدكتور نبيل لوقا بباوي وهو باحث وكاتب مصري قبطي أرثوذكسي:"والجزية مبالغ زهيدة يعفى منها أكثر من سبعون بالمائة من الأشخاص أصحاب الديانات الأخرى، فيعفى منها الشيوخ والنساء والأطفال والرهبان، وهي ليست عقوبة لعدم الدخول في الإسلام بل ضريبة لانتفاع غير المسلمين بالمرافق العامة، وضريبة دفاع عنهم من أي اعتداء خارجي، وهذا الاختيار يعني أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف كما يردد بعض المستشرقين"[5]. فدفع الجزية كان يعفي غير المسلمين من فريضتين اثنتين فرضتا على المسلمين وهما القتال دفاعا عن البلاد والزكاة! فهل يعقل أن تكون الجزية عقابا أو ثقلا ينهك غير المسلمين ليتحولوا عن دينهم نحو الإسلام؟ هل يعقل أن يقدم غير المسلمين، بسبب الجزية، على دخول الإسلام وهم بدخولهم الإسلام يُلزمون بدفع الزكاة وهي أكبر من الجزية وبالقتال وفيه قد تتلف أرواحهم؟ ولو قارننا بين مقدار الجزية ومقدار الزكاة، سنجد أن الفرق كبير جدا. فإن كانت الجزية لا تتجاوز الأربعة دنانير في السنة في زمن الدولة الأموية، فإن الزكاة تعادل 2.5 بالمائة من المدخرات السنوية التي تعادل قيمتها على أقل تقدير عشرين مثقالا من الذهب كما حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ما يعادل 1150 دولار أمريكيا إذا مضى عليها سنة كاملة دون استعمالها وهو ما يعرف بالنصاب[6]. وبذلك يدفع أقل من يدفع الزكاة ما يعادل 28 دولارا سنويا (2.5% من 1150 دولار). مع العلم أن من ادخر مبالغ أكثر من 1150 دولار طيلة سنة كاملة عليه أن يدفع 2.5% منها كزكاة. وتشمل الزكاة أيضا الأنعام وثمار الأرض والذهب والفضة وأموال التجارة وغيرها، وتحتسب منها الزكاة بطرق مختلفة ومعروفة.

 إن الإسلام بفرض الجزية على غير المسلمين في الدولة الإسلامية لا يظلم أهل الذمة وإنما يعاملهم بلطف وعدل قل نظيره، فهذا دين الرحمة والعدل. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الذمة: "من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة"[7]، وقد سار على هذا النهج أصحاب وأتباع نبي الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم عمر بن الخطاب الذي قال: "من لم يطق الجزية خففوا عنه، ومن عجز فأعينوه"[8]. وتأكيدا لمبدئه هذا فقد حدث مع عمر بن الخطاب أنه رأى شيخاً كبيراً من أهل الجزية يسأل الناس فقال: "ما أنصفناك إن أكلنا شبيبتك، ثم نأخذ منك الجزية"، ثم كتب إلى عماله أن لا يأخذوا الجزية من شيخ كبير[9]، بل إنه في هذه الحالة يصبح من واجب الدولة الإسلامية تخصيص جراية لمواطنها غير المسلم العاجز عن التكفل بنفسه لسبب ما، وتأكيدا لذلك أرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله على البصرة عدي بن أرطأة يقول: "وانظر من قبلك من أهل الذمة، قد كبرت سنه وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه"[10].

وفي عهد عمر بن الخطاب اتبعت الدولة الإسلامية الرفق والرحمة في جمع الجزية، فقد قَدِمَ أحد عمال عمر بن الخطاب عليه بأموال الجزية، فوجدها عمر كثيرة، فقال لعامله: "إني لأظنكم قد أهلكتم الناس؟ قالوا: لا والله ما أخذنا إلا عفوا صفوا. قال: بلا سوط ولا نوط؟ قالوا: نعم. قال: الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني"[11]. ولما تدانى الأجل بعمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يفُته أن يوصي المسلمين برعاية أهل الذمة فقال: "أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً، وأن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتلوا من ورائهم، وألا يكلفوا فوق طاقتهم"[12].

 


خلاصة القول

فالخلاصة إذن، هي أن المسلمين قد كانوا حريصين كل الحرص على حسن معاملة غير المسلمين في دولتهم، على أن يقوم هؤلاء بواجبهم  نحو هذه الدولة بدفع الجزية، وهي مبلغ زهيد يعفى من دفعه ثُلثا غير المسلمين. والقول أن الجزية فريضة ثقيلة أجبرت غير المسلمين على التخلي عن دينهم ودخول الإسلام هو قول لا يستحق إلا السخرية من قائليه، فأي ديانة هي هذه التي ينتسب إليها غير المسلمين حتى يتخلوا عنها بسبب دينار أو أربع دنانير تدفع في السنة؟؟ وكيف يتخلى هؤلاء عن دينهم ويتحولون إلى الإسلام فيدفعون الزكاة وهي أكبر من الجزية ويقاتلون مع المسلمين وقد يخسرون أرواحهم بذلك؟؟
ليست الجزية عقابا لغير المسلمين لأنهم غير مسلمين، وإنما ضريبة يعفى بدفعها غير المسلمين من القتال والمشاركة في الحرب وينعمون بحماية المسلمين، ولتوضيح هذه النقطة قام العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي بإلقاء كلمة أمام ندوة قناة ‘اقرأ’ الفقهية الإعلامية الثامنة لتأصيل قضايا الإعلام والفن التي عقدت يومي 8 و  9 أكتوبر 2005 في جدة بغرب السعودية، ضمن محور مخاطبة غير المسلمين إعلامياً، تحت عنوان "الإسلام يرى البشرية أسرة واحدة"[13] وقال فيها:

 

"وزيادة في الإيضاح والبيان، ودفعا لكل شبهة، وردًّا لأية فرية، يسرني أن أسجل هنا ما كتبه المؤرخ المعروف سير توماس أرنولد في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" عن الغرض من فرض الجزية وعلى من فُرضت. قال:

"ولم يكن الغرض من فرض هذه الضريبة على المسيحيين، كما يريدنا بعض الباحثين على الظن، لونا من ألوان العقاب لامتناعهم عن قبول الإسلام، وإنما كانوا يؤدونها مع سائر أهل الذمة. وهم غير المسلمين من رعايا الدولة الذين كانت تحول ديانتهم بينهم وبين الخدمة في الجيش، في مقابل الحماية التي كفلتها لهم سيوف المسلمين. ولما قدم أهل الحيرة المال المتفق عليه، ذكروا صراحة أنهم دفعوا هذه الجزية على شريطة: ‘أن يمنعونا وأميرهم البغي من المسلمين وغيرهم’. كذلك حدث أن سجل خالد في المعاهدة التي أبرمها مع بعض أهالي المدن المجاورة للحيرة قوله: ‘فإن منعناكم فلنا الجزية وإلا فلا’. ويمكن الحكم على مدى اعتراف المسلمين الصريح بهذا الشرط، من تلك الحادثة التي وقعت في عهد الخليفة عمر لما حشد الإمبراطور هرقل جيشا ضخما لصد قوات المسلمين المحتلة، كان لزاما على المسلمين، نتيجة لما حدث، أن يركزوا كل نشاطهم في المعركة التي أحدقت بهم. فلما علم بذلك أبو عبيدة قائد العرب كتب إلى عمال المدن المفتوحة في الشام يأمرهم برد ما جُبي من الجزية من هذه المدن، وكتب إلى الناس يقول: ‘إنما رددنا عليكم أموالكم؛ لأنه بلغنا ما جمع لنا من الجموع، وأنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم، وإنا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم، ونحن لكم على الشرط، وما كتبنا بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم.’ وبذلك ردت مبالغ طائلة من مال الدولة، فدعا المسيحيون بالبركة لرؤساء المسلمين، وقالوا: ‘ردكم الله علينا، ونصركم عليهم (أي على الروم) فلو كانوا هم، لم يردوا علينا شيئا، وأخذوا كل شيء بقي لنا’. وقد فرضت الجزية -كما ذكرنا- على القادرين من الذكور مقابل الخدمة العسكرية التي كانوا يُطالبون بها لو كانوا مسلمين، ومن الواضح أن أي جماعة مسيحية كانت تُعفى من أداء هذه الضريبة إذا ما دخلت في خدمة الجيش الإسلامي. وكانت الحال على هذا النحو مع قبيلة ‘الجراجمة’ وهي مسيحية كانت تقيم بجوار أنطاكية، سالمت المسلمين وتعهدت أن تكون عونا لهم، وأن تقاتل معهم في مغازيهم، على شريطة ألا تؤخذ بالجزية، وأن تعطى نصيبها من الغنائم. ولما اندفعت الفتوح الإسلامية إلى شمال فارس سنة 22هـ، أبرم مثل هذا الحلف مع إحدى القبائل التي تقيم على حدود تلك البلاد، وأعفيت من أداء الجزية مقابل الخدمة العسكرية. ونجد أمثلة شبيهة بهذه للإعفاء من الجزية في حالة المسيحيين الذين عملوا في الجيش أو الأسطول في ظل الحكم التركي. مثال ذلك ما عومل به أهل ميغاريا (migaria) وهم جماعة من مسيحيي ألبانيا الذين أُعفوا من أداء هذه الضريبة على شريطة أن يقدموا جماعة من الرجال المسلحين لحراسة الدروب على جبال (cithaeron) و(geraned)  التي كانت تؤدي إلى خليج كورنته؛ وكان المسيحيون الذين استخدموا طلائع لمقدمة الفتح التركي، لإصلاح الطرق وإقامة الجسور، وقد أعفوا من أداء الخراج، ومنحوا هبات من الأرض المعفاة من جميع الضرائب. وكذلك لم يدفع أهالي (hydra)  المسيحيون ضرائب مباشرة للسلطان، وإنما قدموا مقابلها فرقة من مائتين وخمسين من أشداء رجال الأسطول، كان ينفق عليهم من بيت المال في تلك الناحية. وقد أعفي أيضا من الضريبة أهالي رومانيا الجنوبية الذين يطلقون عليهم (armatioli) وكانوا يؤلفون عنصرًا هامًّا من عناصر القوة في الجيش التركي خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، ثم المرديون (midrdites) وكان ذلك على شريطة أن يقدموا فرقة مسلحة في زمن الحرب. وبتلك الروح ذاتها لم تقرر جزية الرؤوس على نصارى الإغريق الذين أشرفوا على القناطر التي أمدت القسطنطينية بماء الشرب، ولا على الذين كانوا في حراسة مستودعات البارود في تلك المدينة؛ نظرًا إلى ما قدموه للدولة من خدمات. ومن جهة أخرى أعفي الفلاحون المصريون من الخدمة العسكرية على الرغم من أنهم كانوا على الإسلام. وفرضت عليهم الجزية في نظير ذلك كما فرضت على المسيحيين" [14].

 

وفي تلخيص لاقتباس القرضاوي عن المؤرخ توماس أرنولد، أريد أن ألفت النظر إلى نقاط عدة:

- تعامل أبو عبيدة قائد العرب مع مسيحيي مدن الشام وكيف أعاد لهم أموال الجزية لما علم أن المسلمين قد يعجزون عن صد قوات هرقل. ورد الجزية لغير المسلمين في هذا الموقف دليل كافٍ وواضح على أن الهدف من الجزية لم يكن أبد نهب الشعوب أو سرقتها أو إجبار الناس على دخول الإسلام. لقد أعاد المسلمون أموال الجزية إلى أصحابها عندما علموا عجزهم عن الدفاع عنهم وهذا هو هدف الجزية.

- إمكانية مشاركة قبائل وفرق عسكرية مسيحية القتال مع المسلمين أو تكليفهم بمهام عسكرية مقابل عدم دفع الجزية على أن يكون لهم نصيب في الغنائم، وقد حصل هذا فعلا كما رأينا. وهذا دليل آخر على أن الجزية يدفعها من لا يشارك في القتال ويعفى منها المقاتلون مع المسلمين من الملل الأخرى.

- أن المسلمين أنفسهم ملزمون بدفع الجزية في حال عدم مشاركتهم في الخدمة العسكرية. وهذا دليل قاطع أن الجزية لم يكن هدفها قط تحويل غير المسلمين عن دينهم أو نهب الشعوب أو غير ذلك من الافتراءات والأكاذيب التي لا أساس لها من الصحة.

 

وهكذا قد تبين من خلال هذا الفصل الخاص بالجزية، وبالأدلة القاطعة التي لا مجال للطعن فيها، أن الجزية ليست اختراعا إسلاميا وإنما هي امتداد لعادة دأبت شعوب وأديان سابقة على ممارستها كاليهود والنصارى الذين دفعوها للدولة الرومانية الوثنية، فلماذا يستنكر ويستهجن بعضهم أن يدفعها هؤلاء اليوم للدولة الإسلامية الموحدة التي تؤمن بأن اليهودية والمسيحية ديانتان من عند الله وتمجد أنبياءهما؟ لقد تبين أن غاية الجزية ليست نهب الشعوب وتحويل غير المسلمين عن دينهم، فقد دفعها المسلمون الذين لم يشاركوا في الخدمة العسكرية وردت إلى غير المسلمين عندما علم المسلمون عجزهم عن الدفاع عنهم ضد العدو. إن الجزية، بهذه الصورة، تعد هبة حقيقية لكل معرض عن الخدمة العسكرية، فهي تحفظ روحه من أن تزهق في الحروب مقابل مبلغ زهيد لا يساويها أبدا يدفع مرة واحدة في السنة! وهي ليست فريضة على غير المسلم الذي اختار الانخراط في الخدمة العسكرية، فأيهم أفضل لغير المسلمين؟ المشاركة في الحرب وتعريض النفس للتلف؟ أم دفع مبلغ زهيد لا يتعدى دينارات قليلة لا تساوي روحه في السنة عوضا عن الاحتمال الأول؟ كما أن الجزية ليست كما يحاول بعض المُغرضين تصويرها على أنها مبلغ يجب على الجميع دفعه من غير المسلمين، فقد رأينا وبشهادة كاتب مسيحي أرثوذكسي أن ما يقارب سبعين بالمائة من غير المسلمين لا يدفعون الجزية وهم ليسوا مجبرين على دفعها، بل إن الفقير الغير قادر على دفعها يعفى منها أو تخفف عنه!! وكل هذه التوضيحات عن الجزية هي إجابة كافية وشافية ليقتنع كل باحث عن الحقيقة بأن الجزية لم تكن أبدا سببا في انتشار الإسلام.

 

 ______________________________________________________

المراجع: 

[1] الأنبا تكلا هيمانوت هو أشهر قديس في إثيوبيا، وتقع كنيسة الأنبا تكلا في الإبراهيمية في الإسكندرية بمصر. موقع الأنبا تكلا على الانترنت يقدم تعريفا للجزية حسب المنظور المسيحي www.st-takla.org

[2] الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن (8/72(

[3] آدم ميتز، "الحضارة الإسلامية" (1/96)

[4] محمد ناصر الدين الألباني، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، حديث (1255)

[5] الدكتور نبيل لوقا بباوي، انتشار الإسلام بحد السيف بين الحقيقة والافتراء، القاهرة: دار البباوى للنشر، 2002. ص 45.

[6] من موقع الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية ومقرها الكويت. الموقع iico.net

[7] رواه أبو داود في سننه حديث (3052) في (3/170) ، وصححه الألباني حديث (2626)، و نحوه في سنن النسائي حديث (2749) في (8/25).

 [8] ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق (ج1/ص 178).

[9] ابن زنجويه، الأموال (1/163).

[10] ابن زنجويه، "الأموال" (1/170)

[11] الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام في كتابه الأموال، ص  43/ المغني (9/290)، أحكام أهل الذمة (1/139).

[12] رواه البخاري برقم (1392) في (3/1356).

[13] " الإسلام يرى البشرية أسرة واحدة"،  qaradawi.net 18/10/2005.

[14] السير توماس و. أرنولد، "الدعوة إلى الإسلام"، مكتبة النهضة الطبعة الثالثة، ص 79-81. ترجمة الدكاترة: حسن إبراهيم حسن، إسماعيل النحراوي وعبد المجيد عابدين.

 

 




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق