لي خرطوم طويل.. و لكنني لست فيلا في غابة، أو في حديقة الحيوان. بل عشت منذ زمن بعيد .. وكانت لي شهرة كبيرة، وحكاية غريبة أحب أن تعرفوها.
بدأت حكايتي في بلاد الحبشة وكنت اعيش حرا بين الأشجار، إلى ان اصطادني أهل الحبشة.وعندماوجدوا أني فيل قوى عظيم، ضموني إلى الجيش، وسافرت مع الجيش إلى اليمن.
وكان الناس يخافونني، ويرتعشون عندما يسمعون بقدومي، لأني كنت أنشر الخراب في كل مكان أذهب إليه. وكنت إذا خطوت فوث شيءكسرته وحطمتهمن. وتمكنت بذلك من أن أجعل أهلي الأحباش يحتلون بلاد اليمن.
وأكرمني القائد "أبرهة" وجعلني الفيل الخاص به، ورفض أن أحمل الأحجار والاخشاب للمعبد الكبير الذي كان يبنيه. فقد كان يبني معبداً هائلاً ليصبح أعظم من ذلك المعبد الموجود في مكة، والذي كان كل الناس من كل مكان يزورونه. وقد أقام "أبرهة" في معبده الكبير كعبة من الذهب حتى يحج الناس إليها بدلاً من أن يحجوا إلى كعبة مكة. غير أن الناس لم تأت إلى كعبة " أبرهة" ، واستمروا في الذهاب إلى مكة.
وضاق "أبرهة" بذلك وغضب، وقرر أن يهدم كعبة مكة. وبذلك لا يجد الناس أمامهم غير الكعبة التي بناها من الذهب فيأتون إليها.
وأعد " أبرهة" جيشاً كبيراً لكي يحارب به مكة، وأهل مكة... وكنت ضمن هذا الجيش بالطبع، ليركبني القائد "إبرهة" الذي سيسير في أول الجيش.. وكان "إبرهة" ينوي أن أحمله حتى الكعبة..كعبة مكة. وعندما أميل عليها بجسمي الضخم فسوف أهدمها. وكثيراً ما فعلت هذا في بيوت أعداء "أبرهة".
والحقيقة أنني لم أكن راضياً عن هذا العمل. ولكن، لم استطع أن أرفض الذهاب معهم. وقد سرت وجيش "أبرهة" حولي ، والجنود يتكلمون عن مكة وأهلها...وعن ال كعبة وحكاياتها.
وعرفت أن الذي بناها نبي اسمه إبراهيم عليه السلام، وأن ابنه إسماعيل اشترك معه في البناء. وقالوا إن إبراهيم كان صاحب معجزات، فقد رماه قومه في النار ولم تحرقه.
وعرفت أن هذه الكعبة شريفة، وأنها ي بيت الله الحرام، وأن هذا البيت الحرام بيت آمن، يدخله الناس فلا يمسهم أحد بضرر أو سوء، ويهبط فيه الحمام فلا يصطاده أحد ولا يقربه أحد. إنه مكان هادىء آمن، مقدس...يحبه الناس ويحتمون فيه ويصلون.
وعرفت من الجنود أن اهل مكة خافوا عندما سمعوا عني، عرفوا وعندما عرفوا أني ذاهب إليهم، لانهم سمعوا عن قوتي، وقدرتي على هدم كل ما في طريقي.
ولم يكن قد بقي لنا لكي نصل إلى مكة سوى ليلة واحدة وبعدها لن تبقى الكعبة، وسوف تنهدم مكة. ولم يكن هناك جيش يعترض طريقنا أو يمنعنا من التقدم. الطريق مفتوحة ولا أمل في أن تنجو مكة أو تفلت منا الكعبة. وكان كل من في الجيش ينظر إلي في إعجاب. وكثيرا ما قال لي بعضهم:
تقدم يا بطل...سر يا فيل "أبرهة" يا أعظم الأفيال!
وفيما نحن نتعجل الوصول إلى مكة، تجيئنا رواية عن عبد المطلب زعيم مكة، تجعلنا جميعا نفكر في معناها، وتجعلنا جميعا نهتز منها.
قالوا إن عبد المطلب لما علم أن "أبرهة" وجيشه وأنا سنهدم الكعبة، لم يخف، بل قال:
"للبيت رب يحميه".
هذه الكلمة الكبيرة التي قالها عبد المطلب، جعلتني أخاف. لقد أصبحت أنا الخائف..أنا الفيل الرهيب الذي أمر وسط وسط أي مدينة، وفي لحظة أجعلها خرابا ولا يبقى منها بيت واحد قائم في مكانه.
خفت من هذه الكلمة التي قالها عبد المطلب. وبدأت لا أقدر على السير. شعرت بتعب شديد. ولم أكن وحدي الذي أحس بهذا..بل كل الافيال، وكل الخيول. وكل الجمال، وكل الجنود..أصبحوا غير قادرين على السير.
ولم ألبث أن وجدت نفسي أقف مكاني..لم أقدر على التحرك، كأن أرجلي التصقت بالأرض..تسمرت فيها..لا أستطيع نقلها من مكانها خطوة واحدة، في الطريق إلى مكة.
انزعج "أبرهة" هو والجنود. أداروني إلى الخلف فتمكنت من السير. أداروني إلى اليمين فاستطعت المشي. أداروني إلى اليسار فخطوت ببساطة! وعندما جعلوني في اتجاه الكعبة عجزت عن أن أتحرك! ضربوني..جذبوني..دفعوني..لسعوني بالنار، ومع ذلك ظللت في مكاني..لن أذهب إلى مكة، لن أهدم الكعبة مهما فعلتم معي! كانوا لا يريدون أن أرجع إلا إذا خلصتهم من مكة وكعبتها وأهلها.
وفجأة..حدث شيء عجيب..رأيت بعيني طيرا تغطي السماء كلها، فلا تُظهر منها شيئاً..حتى أن الدنيا أظلمت، ولم أعد أستطيع أن أعرف هل أنا في حلم، أم أنا صاح أرى ما حولي! وسمعت الجنود يصرخون:
هذه طير أبابيل، ترمي بحجارة من سجيل.
وتساقطت علينا حجارة صغيرة، ربما لا تزيد على حبة الفول أو القمح..ينزل الحجر الواحد منها على أضخم فيل من زملائي فإذا به يرقد على الأرض..يسقط على أكبر جمل فإذا به يبرك على الرمل..يهبط على أضخم رجل فإذا به ينتهي ويموت..ووجدتُني أنا الفيل الشهير أنظر إلى ما حولي وأرتعش. لقد دمرتُ الكثير في حياتي، ولكنني لم أشاهد مثل هذا الذي أراه يحدث..ووجدتُني أركع وأنا أرى من بعيد نوراً يمتد بين الأرض والسماء. كان هذا النور حول مكة..ورأيت عبد المطلب زعيم قريش من بعيد، يقف ليتقبل التهنئة من الناس، وكلمة "مبارك" تتردد على ألسنتهم..لأن جيش "أبرهة" قد انتهى، ولن يستطيع أن يدخل مكة أو يهدم الكعبة!
وكان عبد المطلب يحكي لمن حوله ما رآه في المنام..لقد رأى كأن سلسلة من الفضة خرجت من ظهره، لها طرف في الأرض وطرف في السماء..وظهرت هذه السلسلة بعد قليل كأنها شجرة، وعلى ورقة منها "نور" تعلق بها كل الناس.
وفسر السامعون الحلم لعبد المطلب على ان ابنه عبد الله سيرزق ابنا يتعلق به الناس في الشرق وفي الغرب..وبشروه..وهنئوه..وسألوه:
ماذا تسميه؟
أجاب: اسميه محمداً..ليحمده من في الأرض ومن في السماء.
وكانت مع بشرى مولد محمد نهايتي، أنا الفيل الشهير..ونهاية "أبرهة" وجيشه الكبير..وبقيت مكة، وبقيت الكعبة، وستبقى إلى آخر الدهر، خالدة عزيزة، تتجه إليها أمة محمد خمس مرات كل يوم وهي تصلي لله، الذي ارسل إليهم نبي الهدى، عليه أفضل الصلاة والسلام.
( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ )
صدق الله العظيم