لا تزال مشكلة العنصرية ضد الإسلام في دول وسط آسيا سببًا مباشرًا في تَوَقُّفِ الفتيات عن الذهاب إلى المدارس؛ نتيجةَ تَعَنُّتِ المؤسسات التعليمية، ومنعهن من ارتداء الحجاب، إثر مزاعم حكومية تقول بأن ارتداء الحجاب يُعْتَبَرُ أحد مظاهر الدعاية والترويج للأفكار الدينية، وهو ما يتعارض مع المجتمع العلماني!
وفي هذا تقول سهيبا يوسوبوفا - من شمال كيرجيزستان، وهي أم لثلاث بنات - "نحن نواجه اختيارًا صعبًا: فإمَّا خَلْعُ الحجاب، وإما الطرد من المدرسة"، ما يَعْكِسُ خطورة الضغوط المتزايدة التي تُوَاجِهُ بنات يوسوبوفا في مدارس كيرجيزستان الجنوبية لخلع الحجاب.
وفي تقرير نشره موقع معهد دراسات الحرب والسلام، جاء أنّ "مشكلة الحجاب في كيرجيزستان تظهر مع بداية كل عام دراسي، حيث تُصِرُّ الفتياتُ على ارتداء الحجاب، بينما تَرْفُضُ الْمَدَارِسُ ذلك، وعلى الرُّغْمِ من أن المدارس لم تكن تتعنت في مَنْعِ الطالبات من ارتداء الحجاب في الماضي، إلا أن هذا العام كان مختلفًا عن سابقيه، حيث أصرت العديد من المدارس على الحَظْرِ بزعم أن الحجاب ليس جزءًا من الزي المدرسي، وبالتالي فإن من يرتديه سيُعَرِّضُ نفسه للطرد من المدرسة!
وتظهر مشكلة الحجاب في جنوب كيرجيزستان بشكل جلي؛ حيث تقدر مديرية التعليم في مدينة جلال أباد الجنوبية عَدَدَ الفتيات اللاتي يُوَاجِهْنَ مشاكل بسبب إصرارهن على عدم خَلْعِ الحجاب، من سبع إلى ثماني فتيات في كل مدرسة من المدارس العشرين الموجودة بالمدينة.
وهو ما أجبر يوسوبوفا على القيام بإخراج ابنتها الكبرى من المدرسة في جلال أباد، وإرسالها إلى معهد تركي خاص في العاصمة بشكيك؛ لإكمال دراستها هناك. وتصف يوسوبوفا تَعَنُّتَ المسئولين لعدم سماعهم لشكواها بأنه: نوع من "التطهير".
وبعد سبعة عَشَرَ عامًا من سقوط الاتحاد السوفيتي، وفيما بدأتْ جمهوريات وَسَطِ آسيا في ممارسة الشعائر الدينية بشكل أكثرَ حُرِّيَّةً، لا يزال الدين هو نقطةَ التَّوَتُّرِ في تلك الجمهوريات المسلمة، حيث تخشى الحكومات العلمانية في تلك البلاد من خطر مَنْ تسميهم بـ "المتطرفين الإسلاميين".
ويظهر الحجاب في تلك البلاد كَتَجْسِيدٍ لتلك التوترات بين الحكومات والمواطنين، وعادةً ما تكون الجامعات وأماكن العمل هي مواقع أرض المعركة، ولكنّ المدارس هي أكثرَ الأماكن التي تظهر فيها مشكلات من هذا النوع، بسبب تَوَفُّرِ سلطات أكبر تسمح للمسئولين عن المدرسة بِفَرْضِ زِيٍّ معين.
ومما يزيد من تلك المشكلة هو أنّ كِلَا الطرفين لا يُبْدِي أي استعداد للتنازل، وهو ما كشفت عنه اللقاءات التي أجراها مُعِدُّو التقرير في كُلٍّ من كيرجيزستان وطاجيكستان؛ حيث أظهرت نتائج تلك اللقاءات تَمَسُّكَ كُلٍّ من الطرفين بما يراه صحيحًا؛ فالمرأة المسلمة الْمُحَجَّبَةُ ترى أنّ حُقُوقَهَا –كإنسانة- مهددةٌ بفساد المسئولين في الحكومة، بينما يرى المسئولون أنَّ الحجاب نوعٌ من التطرف الديني!
وقد اتخذت الأزمة شكلًا أكثر حدة هذا العام، بسبب مجموعةٍ من القوانين التي أصدرها وزير التعليم الكيرجيزي، بهدف جَعْلِ قوانين الالتزام بالزِّيِّ المدرسي أكثرَ صَرَامَةً، مُدَّعِيًا بأن تلك التعليمات لا تجبر الفتيات على عدم ارتداء الحجاب. ولكنْ عندما قامت فتاة بارتداء الحجاب في المدرسة الثانوية في جلال أباد، جنوب كيرجيزستان الشهر الماضي، قامتِ المدرسة بطردها.
وتحكي الطالبة الكيرجيستانية عن تلك التجربة، حيث استدعت المدرسة والدتَها لمناقشة الموضوع، قائلة: "بدأ مدير المدرسة بالتَّهَكُّم عليَّ أمام والدتي، ويقول لها في المرة القادمة: سنجدها مرتديةً "البرانجا". والبرانجا هي عباءةٌ آسيوية، تُشْبِهُ العباءات التي ترتديها النساء في أفغانستان". وتضيف الطالبة "لقد عاتَبَنِي بعضُ الْمُعَلِّمِين على ارتداء الحجاب، بِحُجَّةِ أنه لا يتماشى مع الموضة.. إنه أَمْرٌ مهين".
وفي خريف عام 2005 أصدرتْ طاجيكستان قانونًا يمنع ارتداء الحجاب في كُلِّ المدارس والجامعات، وخرج وَقْتَهَا وكيل وزارة التعليم ليقول بأنّ مَنْ يخالف ذلك القانون سيُعَرِّضُ نفسه للطَّرْدِ والفصل من الجامعة أو المدرسة ، بينما بَرَّرَ وزير التعليم عبدو جابر رحمونوف ذلك القرارَ بأنّ "ارتداء الحجاب يُعَدُّ نوعًا من الترويج والدعاية لأفكار دينية في مجتمع علماني" ، فيما أرجع المسئولون في الحكومة قرارَ المنع ذلك إلى مخاوفهم من تَزَايُدِ تنامي الجماعات المتطرفة التي تريد استخدام الإسلام لتقويض وإضعاف الدولة، على حَدِّ زعمهم.
وعلى الرُّغْم من المزاعم القائلة بأن الأمر في الجامعة يختلف عنه في المدرسة، نجد نفس الصعوبات التي تواجهها الفتيات في المدارس تتكَرَّرُ مع اللاتي يَرْغَبْنَ في الالتحاق بالجامعة. وهو ما تُوَضِّحُه قصة مالوهات سوبيروفا التي جاءتْ من قريةٍ بعيدةٍ في شمال طاجيكستان؛ لتكتشف في النهاية أنه من المستحيل أنْ تُكْمِلَ تعليمها في الجامعة، بسبب ما تلقاه من مشاعِرَ عَدَائِيَّةٍ نتيجةَ إصرارِها على ارتداء الحجاب.
تقول مالهوما: "أريد أنْ أُكْمِلَ التعليم العالي، وأن يصبح لديّ وظيفة، وأن أكون عضوا فعالًا في المجتمع، ولكنْ مع الأسف مُنِعْتُ من مواصلة تعليمي الجامعي بسبب ارتدائي للحجاب ، لقد بدأت في الشعور بأني شخصٌ منبوذ، ولم أستطع أن أظل في صراعٍ من أجل الحصول على حقوقي، لذلك قررت العودة إلى قريتي، وقررت التخليَ عن حُلْمِي بأنْ أُكْمِلَ تعليمي الجامعي، وأنا الآن بلا عمل"!
المصدر: الإسلام اليوم